بين الحكاية الشعبية والفنية لغة وسرد متبادل، وقدرة على تحريك النص باتجاه النص الدرامي القولي، الذي من شأنه ربط الأحداث الشعبية بطريقة سردية تحمل قالب القصة القصيرة.

حول الرؤية الإبداعية بين القص الشعبي والفني مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 6 آذار 2014 التقت الأديب والشاعر "عادل البعيني" الذي تحدث قائلاً: «ربط التاريخ بالسرد يشكل علاقة مهمة، من حيث إن الحكاية الشعبية تدخل في الموروث الشعبي، والسرد، إذ يرتبط النص بعامل الفن الحامل لمكونات السرد، فقد عمد القاص والروائي "فوزات رزق" برؤية خاصة به وهو باحث في مجال الحكاية في الأصل والنشأة، إلى تقديم تطابق عملي حين أتى بنص حكائي شعبي من الموروث الشعبي المحكي وقام بصياغته مجدداً بطريقة سردية تحمل فنية القصة القصيرة، الأمر الذي ولد عند الكثيرين التشابه والقدرة على تحريك النص مبنياً على مقدرة القاص والمبدع في خلق إبداع جديد بنص شعبي متوارث، إلى قصة تحمل الأبعاد الفنية للقصة القصيرة».

ربط التاريخ بالسرد يشكل علاقة مهمة، من حيث إن الحكاية الشعبية تدخل في الموروث الشعبي، والسرد، إذ يرتبط النص بعامل الفن الحامل لمكونات السرد، فقد عمد القاص والروائي "فوزات رزق" برؤية خاصة به وهو باحث في مجال الحكاية في الأصل والنشأة، إلى تقديم تطابق عملي حين أتى بنص حكائي شعبي من الموروث الشعبي المحكي وقام بصياغته مجدداً بطريقة سردية تحمل فنية القصة القصيرة، الأمر الذي ولد عند الكثيرين التشابه والقدرة على تحريك النص مبنياً على مقدرة القاص والمبدع في خلق إبداع جديد بنص شعبي متوارث، إلى قصة تحمل الأبعاد الفنية للقصة القصيرة

مدونتنا التقت الأديب والروائي "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب وكان الحوار التالي:

الشاعر عادل نايف البعيني

  • هل هناك هاجس النص لتلقي القص الحكائي؟
  • ** لعل هاجس القص لا يقل إلحاحاً عن الرغبة في تلقي القص، ولعل المتعة التي يعيشها السارد لا تقل أبداً عن المتعة التي يعيشها المتلقي، ذلك لأن السارد والمتلقي معاً يعيدان صياغة الحياة بالطريقة التي يشتهيانها، الأول من خلال امتلاك القدرة على خلق الحياة بما في الحياة من عناصر مختلفة. والثاني بتمثله لهذه الحياة، وإغنائها برؤية إضافية تتناسب مع قدرته على التخيل، ولم يكن هاجس القص هذا ليولد عرضاً في نزعات الإنسان الأولى. فلقد كان سبيل الإنسان للتواصل مع الآخرين من جهة، ووسيلة من وسائل فهم ما يحيط به، وتفسيره واتخاذه مثلاً حين يصلح أن يكون مثلاً من جهة ثانية.

    الأديب والروائي فوزات رزق

    والأكثر من هذا وذاك هو رغبة البوح التي تلح على صاحبها فتجعله أسيراً لها أحياناً، منساقاً إليها على الرغم من وجود معوقات البوح كما حدث لصاحب العربة أحد أبطال تشيخوف. ولئن كان بوح صاحب العربة من نوع الشكوى فإن أشكال البوح متعددة وفي مقدمتها القص.

    وما يسعف الإنسان في عملية القص خيال جامح ينزع إلى إراحة صاحبه في كشف الحقيقة أو ما يعتقد أنه حقيقة، والحقيقة هنا كما يذهب "عبد الملك مرتاض": "أدبية لا تاريخية، وإبداعية لا واقعية وذلك على الرغم من أنّها تجسد عصراً أو مجتمعاً أو أناساً كأنهم أحياء يرزقون".

    وإن هاجس القص هذا لا يختص به شعب دون شعب، ولا أمة دون أخرى. ومن ثم فهو نزوع إنساني يتجاوز العرق واللون، ويجعلنا لا نتصور شعباً ما، في مكان ما، دون أن يكون له إرث سردي يترجم فلسفته في الحياة، ورؤيته للكون.

  • كيف ولدت هذه النصوص السردية الشفهية التي يتناقلها الأحفاد عن الأجداد، وينقلونها بدورهم إلى أحفادهم؟ ومن الذي ألّفها؟ وما الغرض الذي رمى إليه السارد الأول؟
  • ** بالتأكيد إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة لن تكون قاطعة، مادامت تدخل في إطار المحاكمة العقلية المبنية على الافتراض والتخمين. غير أن الإجابات التي تتوصل إليها المحاكمة العقلية يجب أن يكون فيها قدر كبير من الشفاء لمن أراد الوصول إلى إجابة شافية. إن هذه النصوص السردية التي نسمعها من الجدات، والتي نقلتها الجدات عن الجدات إنما هي كغيرها من المظاهر التراثية تشبه كرة الثلج تجمع في مسارها ما تجمع، حتى تغدو كتلة كبيرة، يجعلنا نعتقد أن الحكايات التي يتناقلها الناس الآن لم تصل إلينا بذلك النقاء البكر، فالراوي كما يذهب "عبد الملك مرتاض" لا يروي حديثاً حدث، ولا خبراً وقع، ولا تاريخاً كان، لكنه يروي أحداثاً تخيلها غيره على نحو ما، فيحيلها هو إلى ذلك الشكل من النسيج السردي، مضيفاً إليها عناصر أخرى لتكون أروع وأجمل وأغنى وأكمل.

  • يمكن السؤال هل النصوص السردية لا بد لها من منشأ حكائي شعبي؟
  • ** وهذا الرأي الذي ذهب إليه الدكتور "مرتاض" ويجعلنا نبني عليه رأياً آخر وهو أن هذه النصوص السردية ـالحكايات الشعبية تحديداًـ تتجاوز حرمة النص وحرفيته إلا فيما يتعلق بالحوار المنظوم أو المسجوع، أو العبارات السردية التي يقوم بناؤها على المقابلة أو الترداد داخل النص السردي فإن الراوي يجد نفسه مضطراً للحفاظ عليها، وإذا زيد عليها شيء فإنما يزاد شيء من جنسه إن نظماً فنظم، أو سجعاً فسجع، أو مقابلة فمقابلة، وغير ذلك من أشكال البديع التي قد نجدها في الحكاية.

  • بمعنى أن هناك تشابهاً بين الحكاية الشعبية والسردية في القدم؟
  • ** فيما يبدو فإن عمر الحكايات الشعبية التي تروى الآن ضارب في البعد، لكنه تشكل تشكلاً جديداً مع التشكل السكني حاملاً معه الهيكل العام الذي ينتمي إلى المنبت الأول، وهكذا فقد جاء المسرود باللهجة المحكية في هذا المكان أو ذاك سارداً الواقعة المتخيلة نفسها مع التصرف ببعض التفاصيل. فحكاية "الجر جوف" التي تنقلها "يمنى العيد" عن كتاب "حكايات وأساطير يمنية" هي نفسها حكاية "جبيني" التي سمعناها من أمهاتنا وجداتنا في "السويداء"، إذ نجد البنات اللاتي ذهبن لجني ثمار "الدوم" يعتذرن عن الصعود على الشجرة في حكاية "الجر جوف" بسبب ثيابهن الجديدة التي يمكن أن تتمزق إثر الصعود، وقد نقل الراوي الحوار باللهجة اليمنية المحكية فيما جعل السرد بالفصحى.

  • إلى أي حد يستطيع القاص أن يوظف هذا الموروث الشعبي السردي في أعمال قصصية فنية، وإلى أي حد يستطيع أن يؤهل هذا الخيال الجامح ليخلق منه عملاً إبداعياً له نكهة الموروث بثوب إبداعي جديد؟
  • ** لدى القراءة المتأنية لبعض النصوص السردية الحكائية، وبالذات الحكايات الشعبية، فإن التحريك البسيط لمجريات السرد من جهة، والعمل على توظيف الشخصيات من جهة أخرى يخلق أمام القاص فرصاً هامة لإبداع مادة شائقة ومغرية، تقلب الحكاية من مجرد كلام غايته التسلية والترفيه إلى سرد فني له، إضافة إلى غاية بعيدة يرمي القاص إيصالها إلى المتلقي شأن كل عمل فني.

  • كيف يتم هذا التحريك للسرد وهذا التوظيف للشخصيات؟
  • ** ذلك يدخل ضمن إمكانية كل مبدع وقدرته على تحطيم بنية الحكاية، وإعادة تركيبها من جديد، ولو قارنّا بين نصين سرديين الأول حكاية شعبية، والثاني قصة فنية مشغولة على جذر هذه الحكاية نفسها، فمن الطبيعي هنا أن نجد فروقاً في السرد تقتضيه طبيعة النقل الشفهي، وقدرة السارد على السرد والتصوير والتوصيف، غير أن الروايات جميعها تقريباً أجمعت على الحوار الوارد في الحكاية، وإن حرصي على نقل الحكاية كما سمعتها نابع من الرغبة في الحفاظ على نكهتها الشعبية المحلية، وإن اللفظة أو العبارة العامية تفقد الكثير من دلالاتها عند نقلها إلى أختها الفصحى؛ ذلك لأن هذه العبارة العامية اكتسبت مع الزمن دلالة خاصة بها، وقطعاً لها هوية شعبية سرعان ما تضيع إذا بدلتها بغيرها، هذا عدا أن بعض العبارات لن تجد لها في الفصحى مرادفاً دقيقاً يقوم مقامها.

  • والنتيجة المتوخاة من المقارنة بين القصة الشعبية والقصة الفنية؟
  • ** نريد الوصول إلى نتيجة وهي أن جذر هذه الحكايات واحد، صاغها مبدعها في زمن لا نستطيع تقديره، ثم تعاورتها الألسن، فأصابها التطوير والإطالة، والحذف والزيادة، بما يتناسب مع طبيعة البيئة ومتلقي الحكاية، وهذا يقودنا إلى نتيجة أخرى وهي أن مؤلف هذه الحكايات ليس واحداً، وإنما نشأت الحكايات بالتراكم شأن كل موروث شعبي، إذ يرمي كل جيل فوقه شيئاً من خصائصه وفلسفته وقيمه، فإذا هو نتاج جماعي يجمع الخصائص المشتركة لأجيال متعاقبة.

  • ما الغرض من السرد الشعبي والفني؟
  • ** الغرض الذي رمى إليه السارد الأول المؤلف، فبعضهم يرى أن هذه المظاهر -مظاهر السردـ يجب أن تبدو على أنها مجرد لعبة فنية جميلة يتسلى بها القارئ أو يتلهى، ولا نقول يفيد منها بالضرورة ويتعلم، وإذا كان هذا الرأي يتحدث عن النصوص السردية المكتوبة فإن الأمر نفسه ينطبق على الحكايات المنقولة شفهياً، هذه الحكايات التي كانت الغاية من سردها أساساً تزجيه الوقت، والتسلية غالباً في ليالي الشتاء الطويلة، وما يأتي من دروس أخلاقية في ثنايا الحكايات فإنما يأتي عفوياً غير مدروس يتماشى مع منطق الحياة التي تنزع إلى الخير بعفويتها، والاتجاه نحو الشر هو الاستثناء.