لا يُذكر تاريخ "سورية" النضالي، إلا ويذكر الشاعر "عمر أبو ريشة"، ولا تكاد تخلو مجلة ثقافية تعنى بالأدب من ذكر أشعاره، ومن المهم أن تخصص جائزة شعرية باسمه لرفد الساحة الإبداعية بشعراء جدد لهم رؤية وتقانة مميزة في الشعر.

حول انعكاس جائزة الشاعر "عمر أبي ريشة" وأهميتها على مثقفي "السويداء" مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 27 تشرين الثاني 2013 التقت الشاعر والأديب الدكتور "عدنان أبو الفضل" من أهالي "السويداء" وبين قائلاً: «إن تكريم المبدعين يشكل بحد ذاته مؤشراً مزدوج المعايير فهو من جهة تقديراً لكل من ساهم بجدارة في بناء الوطن والحضارة ومن جهة أخرى يعبر عن سجايا الوفاء والكرم والشجاعة، و"عمر أبو ريشة" قامة أدبية شاعرية وطنية بامتياز، إنه مجموعة مبدعين في شاعر ومجموعة قيم في إنسان، وإنه لشرف عظيم أن يكرم من "السويداء" التي تزخر بالتاريخ النضالي والقامات الكبيرة من الفنانين والأدباء والشعراء، لذلك ليس غريباً عليها أن يكرم منها "عمر أبو ريشة" فالرجال لا تعرف إلا بالرجال، وقد أثلج صدري أن راعي هذه الجائزة الصديق "كنانة الشهابي" الذي لا تربطه مع الشاعر "أبي ريشة" رابطة الدم فقط (خاله) ولكن ثمة روابط أخرى من السجايا والقيم الإنسانية والأدبية تجمع بينهما.

لتسلّم الجائزة دلالة معرفية، ليس لأن الجائزة في "السويداء" فحسب، بل لأنها أيضاً باسم قامة أدبية كبيرة؛ "عمر أبو ريشة" القامة الشعرية والوطنية والثقافية، والأهم أنها جمعت أطياف الوطن في صخور البازلت في سويداء القلب، لذلك كان للجائزة نكهة خاصة في التحكيم والحضور والذائقة والمعرفة، وهي تساهم في إضافة لبنة جديدة إلى مشروعي الشعري الإبداعي

والقصائد الفائزة كانت على المستوى المطلوب وهي أفضل من سابقاتها بالدورة الأولى، مع حضور جمهور "السويداء" الذواق بكثافة، ما يعبر عن الاهتمام بهذه الاحتفالية، ولا بد من القول: "لا يكرم الكريم إلا الكرام" فنعم المحتفى به والمحتفي، وأكرم بجائزة الشاعر "عمر أبي ريشة" من "السويداء"».

الشاعر الدكتور "عدنان أبو الفضل"

لعل السؤال الأهم لمن وقف وراء الجائزة الأستاذ "كنانة الشهابي" راعي الجائزة حيث أوضح بالقول: «تكمن أهمية جائزة "عمر أبي ريشة" ليس لأنه خالي بقدر ما هو شاعر ومناضل، وقمة وطنية تجلت في كل بيت شعر كتبه عن الوطن الغالي، منذ طفولتي وهو في الاغتراب وأنا أقرأ له لدرجة أنني حفظت جميع شعره وعندما سافرت إلى الهند الذي عمل سفيراً لـ"سورية" فيها، كنت أحمل من قصائده -التي تخفي كل منها أشياء كثيرة- الكثير، وأكثر ما أدهشني التقاطي وفكي لرموز شعره عندما زرت الأماكن التي كتب فيها، واستمرت هذه العلاقة معه حتى وفاته رحمه الله، علاقة صداقة، ومريد لشاعر، وهو الخال الشقيق لوالدتي ومتصوف يؤمن بالتوحيد».

وأجاب "كنانة الشهابي" عن سؤالنا ماذا تعني له شخصية الشاعر "أبي ريشة" الشعرية قائلاً: «"عمر أبو ريشة" بقصائده عكس نفسه ولا تكاد تخلو قصيدة له ليس فيها "عمر أبو ريشة" إن كانت وجدانية وعاطفية ووصفية، خاصة بالوصف مثل "كجوارو، وافرست" وغيرها، والأولى مثلاً تصور الإنسان خارج عن كل قيود وضوابط فهي تمثله عارياً تماماً حين يقول:

الأستاذ "كنانة الشهابي"

"وصبيةٍ ممشوقةٍ.... هي والغواية توءمان

يهفو القميص لمسِ خصــــ.... ـــــريها وتأبى الحلمتان

الشاعر الفائز "وائل أبو يزبك"

شمخت وفوق مساحب الـــ.... ــــــأردان أضلاعٌ حوان".

وهذه الأبيات هي تعبير عن التعري أي يقف ماثلاً أمام نفسه، ولا بد من الإشارة إلى أن "عمر أبا ريشة" كتب لمعبد "كاجوراو" تلك قصيدة باللغة الإنكليزية وتعليقات أسمعها "لأبي الكلام هزات" رئيس جمهورية الهند، وكان يتقن اللغة "ونهرو" صديقه الروحي، اللذين فتنا بما قال أيما فتنة وبناء عليه أطلق "جواهر نهرو" اسمه على إحدى قاعات "كاجوراو"، لذلك تعني لي شخصيته أنه يتماهى مع كل قصيدة لهن وفي مسرحياته أيضاً».

وعن ولادة فكرة الجائزة بين الأستاذ "كنانة الشهابي" بالقول: «هناك أسباب عدة جعلت الفكرة تتبلور أولها أن "عمر أبا ريشة" قال: "أنا لا أكتب اليوم لهذا، أكتب لمئتي سنة قادمة"، وعلى ما يبدو كانت لديه بصيرة ورؤية لم نكن ندركها في وقتها، لأن "عمر أبا ريشة" هو في حياته قال: "ما اعتاد هذا الشرق أن يعطي إلى نبغائه الأحياء زند مناصريه"، وما كنا ندرك أن هذه المقولة ستستمر بعد وفاته، والأمر الثاني ما أحزنني تدهور القصيدة الشعرية العربية في زمننا الحاضر فكان هذا الموضوع تحريضاً لإمكانيات المبدع الفكرية أن تعطينا ما هو مغمور وغير واصل إلينا».

وعن اختياره "السويداء" لانطلاق الجائزة أوضح "الشهابي" بالقول: «جاء اختياري لـ"السويداء" لأن تكون مقر الجائزة لأمرين الأول منهما أن الصدى في "السويداء" كبير جداً، ومضمر الجائزة الوطني لشاعر مناضل وطني وثائر مقاوم، يتناغم مع تراب "السويداء" الثائر في وجه كل من أراد بها سوءاً، سواء أكان الاحتلال العثماني الذي دحرت حملاته في أرض "اللجاة"، أم الفرنسيين الذين دحروا في معارك عدة منها "الكفر والمزرعة وتل الحديد والحبس وغيرها"، وهي في الحقيقة تعني للشاعر شيئاً كثيراً لهذا كان اختياري لها».

وعن نتائج الجائزة في الدورة الثانية أوضح راعي الجائزة "كنانة الشهابي" بالقول: «إن النتائج التي تحققت في الدورة الثانية لجائزة "عمر أبي ريشة" كونت لدي فكرة ثقافية متجددة تحمل أبعاداً منها الاستمرارية والسيرورة لبناء جيل شاعري يضمر في داخله أدباً وثقافة وفنية عالية لقصيدة "عمر أبي ريشة" والجوائز التي ظهرت بالدورة الثانية كانت كما أرادت روح "عمر أبو ريشة" بجمع الوطن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وذلك حين تكون الجائزة الأولى لابن "السويداء" والمرتبة الثانية لابن "طرطوس" والثالثة لابن "الحسكة"، حتى في التنويه بالقصائد كان الأول لـ"السويداء" والثاني لـ"دمشق" والثالث لـ"الحسكة"، تلك النتائج تشعر بأهمية لجنة التحكيم ومصداقية النتائج واستحقاق الفائزين».

وعبر الفائز الأول الشاعر "وائل أبو يزبك" عن الجائزة بالقول: «لتسلّم الجائزة دلالة معرفية، ليس لأن الجائزة في "السويداء" فحسب، بل لأنها أيضاً باسم قامة أدبية كبيرة؛ "عمر أبو ريشة" القامة الشعرية والوطنية والثقافية، والأهم أنها جمعت أطياف الوطن في صخور البازلت في سويداء القلب، لذلك كان للجائزة نكهة خاصة في التحكيم والحضور والذائقة والمعرفة، وهي تساهم في إضافة لبنة جديدة إلى مشروعي الشعري الإبداعي».