بعد عشرة إصدرات أدبية بين الشعر والرواية والدراسات اللغوية تقف القصيدة التفعيلة والنثرية والعمودية عند الشاعر "عادل نايف البعيني" بكلمات مضيئة تصدر من القلب لتحكي كل ما بداخله من حزن وفرح.

فهو يقول: «بعد كل هذا الصراخ وذلك الأنين هل ينتهي كل شيء إذا اعتذر الألم؟»، وفي قصيدته كنت إنسانا" يذكر: "وجودي قنديل رجاء.. وقلبي فضاء العاشقين.. وصبري شاطئ الأحلام... حضوري في مدى الوعد الدفيء.. تقاطعت ألوان شوقي في المرايا.. بيضاء جاءت وسوداء تروح... ترسم قزحاً من جليد..».

بعد كل هذا الصراخ وذلك الأنين هل ينتهي كل شيء إذا اعتذر الألم؟

وفي العمودي كتب شاعرنا:

«ليل تطاول إسهاداً على قلقِ/ حتى غدوت كناي سل من حرق

الشاعر فرحان الخطيب

حاك الدجى سقمي من خيط عتمته/ وراح يلبسني وجداً على أرق

ناخ الظلام على صدري فأوثقه/ وسلني سل مسلول ومغتبق».

الشاعر عادل نايف البعيني

«من شعره تراه يعيش حالة خاصة في صوره وإبداعاته، وهادئاً في اختيار حروف كلماته، معبراً عن حب شديد للغة، لهذا استحق خطفه الشعر ووضعه في ديمومته»، الحديث كان للشاعر "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع "مدونة وطن" eSyria بتاريخ 5/11/2012 وتابع بالقول: «ما يميز الأديب والشاعر "عادل نايف البعيني" أنه من الشعراء القلائل الذين يجيدون الإيقاع الهادئ في الشعر، فتقرأ مجموعاته الشعرية "أوعية الذاكرة، وهمس فوق ضفاف النور، والنهر يقطر من فمي" إضافة لدراساته باللغة والنقد، والرواية والقصص القصيرة، تجده يعمل على لغة مميزة في تحديد مسار نصه الأدبي، فهو شاعر وقاص وروائي، ولغوي مجتهد في قواعد اللغة».

موقع "مدونة وطن" eSyria التقى الشاعر "عادل نايف البعيني" عضو اتحاد الكتاب العرب بالحوار التالي:

من مجموعاته الشعرية

  • كيف تنظر إلى واقع القصيدة اليوم بين أزمة الثقافة والسياسة والمجتمع؟
  • ** باعتقادي مهما تأزمت الثقافة، ومهما تصادمت مع السياسة، يبقى هناك هامش من الحرية للأديب يستطيع من خلاله التواصل مع المجتمع، يقدم له أفكاره، أو يعبر عن تطلعاته، وليس هناك أقوى من القصيدة لتمثل هذا الواقع، لأنها سريعة الحفظ، وسريعة الانتشار شرط أن يكون الشاعر مالكاً لناصية الشعر وقادراً على التعبير بأسلس العبارات وأجمل الصور، وأغنى الأفكار.

  • بالنظر إلى هذا الواقع هل يتراجع مفعول القصيدة هذه الأيام؟
  • ** واقعنا واقع المتغيرات والمفاجآت، خاصة في مجال الأدب؛ فجميعنا يعرف أن الشعر قد تسنم ناصية الإبداع الأدبي زمناً طويلاً، ربما يعود إلى العصر الجاهلي مروراً بالإسلامي فالأموي فالعباسي، فعصر النهضة، وكان يقال "عصر الشعر" إلى فترة قريبة إلى أن ظهرت الرواية فأزاحته عن القمة وتربعت مكانه، لكن لا يعني هذا بأنه قد تراجع وإن تأثر العامة بفقدانهم للشعر العمودي المنبري الحماسي، مع ذلك يبقى للشعر هذا الوهج الساطع الذي يشد الجمهور لقراءته، وإن تراجعت القراءة الورقية بين الناس مع حلول التلفاز والإنترنت وأبواب التواصل الاجتماعي، وهنا أحب أن أشير إلى أنّ الشعر بدأ يستعيد مكانته كمادة مقروءة على صفحات الفيسبوك.

  • هل ترى أن الصورة الشعرية اليوم دخلت ضمن ثورة الاتصالات؟
  • ** لأنّ الصورة الشعرية مكون أساسي من مكونات القصيدة الشعرية، ولا تقوم القصيدة إلا على الصورة، وإذا اختفت الصورة الشعرية ماذا سيبقى من الشعر؟ أمّا علاقتها وأقصد هنا القصيدة بثورة الاتصالات، فأراها تعبر تعبيراً خلاقاً عن مكنونات وتطلعات الناس سواء في البيت أو الشارع أو العمل.

  • هل الشاعر اليوم مصر على رؤاه الإبداعية برأيك؟
  • ** وكيف سيكون شاعراً إذا لم يكن مبدعاً؟ الشعر عملية إبداع، يخلقها الشاعر من خلال عمق الفكرة، وأسلوب التعبير عنها، مروراً باللغة الحامل الأساسي للنص، معتمداً على الصورة الشعرية المتألقة من خلال خيال وثاب وشفاف، وعلى ذلك لا أرى شعراً غير إبداعي، وإلا فستكون أمام ثرثرة لا طائل منها، ونظماً أشبه ببناء سور من حجارة مشوّهة.

  • كيف تقرأ تجربتك الشعرية بين الأمس واليوم؟
  • ** الشعر ابن الحياة المتغيرة والمتطوّرة دائماً، بل يمكنك أن تقول عنه ابن لحظته. فهو انعكاس لما يراه الشاعر أمامه، ولا أعتقد بأن شاعراً يأتيه الوحي من الماضي إلا إذا استحضره قاصداً إبرازه ليعطيه بعداً مستقبلياً جديداً، لهذا فالشعر متجددٌ باستمرار فشعر اليوم غير شعر الأمس، مع بقاء رابط ما يتعلق بأسلوب الشاعر ونفسيته. فقد تجد شاعراً منذ مطلع حياته متشائماً، فينطبع شعره بنفسيته، وقد لا يتغير بسهولة، على الرغم من تغير قصائده من حيث المتانة والرقة والتطور والجمال، فابن الرومي مثلاً عاش متشائماً ومات متشائماً، لكن هذا لم يؤثر على شعره كثيراً فأبدع العديد من القصائد... وما سبق ينسحب علي كشاعر فقد صُقلت تجربتي الشعرية وتطوّرت وتنوعت من شعر عمودي إلى التفعيلة إلى قصيدة النثر فالمقطعات مع محافظتي على نزعة الإحباط التي تصبغ شعري من الواقع المعيش.

  • أين تكمن القصيدة الشعرية: في الدلالة والصورة، أم في الإيقاع والوزن في ظل أزمة القصيدة بين العمودي والتفعيلي والنثري اليوم؟
  • ** القصيدة هي القصيدة سواء أكانت خليلية أم شعر تفعيلة أو قصيدة نثر، فما الفائدة من قصيدة منظومة جيداً، ومبنية على إيقاع جميل، بينما لا حياة فيها من حيث الصورة والدلالة؟ فالقصيدة التي تخلو من هذا تصبح قصيدة نظم وصفّ للكلمات ضمن إيقاع ووزن لضبط الموسيقا، وعليه فالقصيدة الجيدة هي التي تتمكن من تمثّل المعنى والمبنى معاً من حيث الصورة والخيال والوزن والإيقاع.

  • أين يجد الشاعر "عادل نايف البعيني" نفسه بين الأجناس الأدبية الشعرية؟
  • ** منذ بداياتي المدرسية الأولى كنت أميل للأدب بعامة وللشعر بخاصة، وكان لي شوق لأن أكتب الشعر يوماً ما، فانكببت على قراءة الشعر، فجأة وجدت نفسي أكتب الشعر من غير تكلف أو تصنّع، فقلت هذا ما يسمى الإلهام الشعري، لكنني لم أكتف بذلك فاتجهت إبان وجودي في لبنان للصحافة فكان لي باع بها حيث نشرت المئات من المقالات والنصوص، واليوم أحضر نفسي لإصدار أولى مجموعاتي القصصية التي قاربت أن ترى النور، بالإضافة لكتاب نقدي حول "الليل إشكالياته ودلالاته عند المعري" ومع إصداري سابقاً لكتابين أحدهما في النحو وآخر في صناعة الإنشاء، أستطيع القول بأنني وجدت نفسي في خضم العمل الأدبي بكل جوانبه، والذي قد يكتمل عندما أنهي ما بدأته في كتابة الرواية.

    يذكر أن الشاعر "عادل نايف البعيني" هو شاعر وأديب وعضو في اتحاد الكتاب العرب يحمل إجازة في الأدب العربي عام 1977، ودبلوم تربوي عام 1988، صدر له خمسة أعمال منها بالشعر "أحلام وأشواك، أوعية الذاكرة، وهمس فوق ضفاف النور، والنهر يقطر من فمي"، ودراسات لغوية بعنوان "المعين في إعراب الأدوات، والمعين في الإنشاء والتعبير"، وتحت الطبع دراسة في إشكالية الليل عند أبي العلاء المعري، وكتاب شامل في قواعد اللغة العربية، ومجموعتان قصصيتان: "قرنفلة بيضاء، وغربان ما قبل الفجر" ورواية بعنوان "الجراح اليابسة".