هو أحد كتاب القصة القصيرة في محافظة "السويداء"، بدأت علاقته مع الأدب منذ أيام الطفولة فهو يقول: «حكايا الخبازة "أم سليمان" هي من أشعل خيالي وأدخلني عالم القصة لأجد نفسي فيما بعد باحثاً عن الحكاية وكاتباً لها».

إنه الأديب "صلاح الشوفي" الحائز أكثر من جائزة في هذا المجال، آخرها جائزة المزرعة للإبداع الأدبي والفني لعام 2004 عن مجموعته القصصية "تعويذة عاشق".

"صلاح الشوفي" كاتب متميز فهو يتقن فن الحكاية ويلتزم فصاحة اللغة، ويعرف كيف يوظف المثل الشعبي الذي يخدم القصة في النهاية، وقد استحق جائزة المزرعة عن جدارة، لأنه قدم مجموعة من القصص شملت وعالجت أغلب جوانب الحياة

موقع eSuweda التقى الأديب "الشوفي" وعن تجربته كان هذا الحوار:

يطالع الصحف يومياً

  • من يقرأ قصصك يرى أن الطفولة وحياة القرية حاضرتان بقوة فيهما، فهل هذا الكلام صحيح؟
  • ** أعتقد أن هذا الكلام صحيح، فأنا قد عشت طفولتي في الخمسينيات والستينيات في قرية معزولة، حيث إن الكهرباء لم تكن قد وصلتها بعد، وكانت طرقاتها ترابية موحلة شتاءً، حتى إنه إذا صادف أن سمع الناس بوق إحدى السيارات تقترب من القرية صيفاً، يخافون ويتساءلون: ترى ماذا جاءت تحمل إلينا؟!.. أما بالنسبة للبيت الذي كنا نسكنه فكان بيتاً رومانياً رممت بعض أجزائه، حيث ترى القناطر الحجرية التي حولها قدم الزمن إلى لون السواد، وهذا كله بالنسبة لي كان مؤثراً، ولكن التأثير الأكبر كان بعد وفاة أمي، حيث أصبحنا نستعين بخبازة تسمى "أم سليمان" وهي امرأة من أقربائنا تأتي إلى بيتنا كل أسبوع مرة لتجهز العجين والصاج في الصباح، ثم تذهب لتعود في الليل لتبدأ بخبزه، وكنا أطفالاً نتحلق حولها في حجرة داخلية مظلمة تشبه الكهف، وكان الضوء الشحيح لمصباح الكاز يرسم أشباحاً على الجدار وما أن تقتلع "أم سليمان" الرغيف الأول عن الصاج حتى تبدأ حكاياتها التي كانت مرعبة غالباً، وكانت رياح الشتاء وصوت المطر وطقطقة الأبواب والنوافذ تزيد دراما "أم سليمان" اشتعالاً، وهذا باعتقادي قد ولف خيالي ودفعني لاحقاً لأبحث عن الحكاية، وأكتبها بنفسي.

    الدكتور "ثائر زين الدين"

  • فيما بعد انتقلت من الاستماع إلى القراءة فكيف كانت البداية؟
  • ** في الصف السادس الابتدائي وقعت يدي على رواية من روايات الجيب التي وجدتها في بيت عمي المتقاعد، وكان اسمها "ليلة رعب"، وكانت هذه الرواية أول كتاب اقرؤه في حياتي، وبعد عام تقريباً وجدت في ذات المكان رواية "ابن حرام"، وكان للرواية الثانية الأثر الكبير في نفسي، حتى إنني ما زلت بعد مرور أربعين عاماً أتذكر أحداثها بدقة، بعدها تركت القرية لدراسة المرحلة الإعدادية في مدينة "صلخد"، فقرأت رواية السراب "لنجيب محفوظ"، التي كانت لوالد زميلي بالمدرسة، وأذكر أن زميلي قد تآمر معي لأخذ الرواية دون علم والده، وبعدها اهتديت إلى مكتبة المركز الثقافي في "صلخد"، وقرأت قبل أن أنهي المرحلة الثانوية كل ما كتبه "نجيب محفوظ" حتى ذاك الوقت، وبعدها قرأت روايات عالمية مشهورة مثل "ذهب مع الريح، الأم، الجريمة والعقاب، البؤساء، بائعة الخبز، الشيخ والبحر"، ثم تنوعت القراءات وتشعبت، وصرت أدرك أن "نجيب محفوظ" كاتب وأديب كبير، لكنه ليس الوحيد في العالم، وأدركت أن قراءتي المبكرة له هي التي جعلتني أتعلق به وكأنه أبي الروحي.

    الكتاب صديقه الدائم

  • مع أن البداية كانت مع سماع الحكايا وقراءة الروايات لكن من المعروف أن للأفلام السينمائية دور كبير في تحريضك على الكتابة، فما السر في ذلك؟
  • ** مع أنني من المولعين بالحكاية والرواية، ولكن كان لي مع السينما عشق من نوع خاص، وهذا كان واضحاً مذ كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، وهو ما دفعني أيضاً لأقتصد من مصروفي لتوفير أجرة الطريق إلى "السويداء" التي كان يتواجد فيها حين ذاك ثلاث دور عرض للسينما، حيث كنت أدخل الدور الثلاث بالتناوب لأشاهد ثلاثة أفلام في يوم واحد، ثم أعود في اليوم الثاني بعد أن أحضر فيلم يوم الجمعة الذي يبدأ من الساعة العاشرة صباحاً لأن السينما كانت تعرض فيلماً جديداً يوم الجمعة، وكنت أحدث نفسي أن بإمكاني إعادة ترتيب أحداث القصة في الفيلم بشكل يرضيني أكثر، لذلك كنت أكتب قصة الفيلم من جديد في البيت مضيفاً إليها أحداثاً لم يأت الفيلم على ذكرها، إلى أن كتبت نصاً يقع بين النثر والشعر، وبعده كتبت قصتي الأولى بعنوان "الصيف الرمادي"، التي نشرتها جريدة المسيرة في صيف 1977، وفي عام 1978، استشهد أخي "برهان" في "بيروت" فكتبت قصة بعنوان "أمسية من حياة شهيد"، وهي مستوحاة من حياتنا المشتركة أيام الدراسة في "صلخد"، ونشرت هذه القصة في مجلة الجندي العربي ثم انقطعت عن الكتابة عشرين عاماً.

  • عشرون عاماً.. ثم عدت.. ما أسباب انقطاعك وما الذي دفعك للعودة؟
  • ** مع أن الشهادة هي حالة فخر، ومرتبة يتمنى الجميع أن ينالها، ولكن محبتي لأخي الشهيد "برهان" جعل فقده يشكل لدي حالة من الفراغ التي طغت على نفسي لدرجة خفت بعدها أن أبقى وحيداً، لذلك قمت بزج نفسي بين الناس، وكان يدعم عزوفي عن الكتابة إحساسي بأنني لن أضيف شيئاً إلى الأدب الإنساني، وهذا خطأ ندمت عليه كثيراً، وفي عام 1999 قررت العودة للكتابة بعد أن أطلق المهندس "يحيى القضماني"، جائزة المزرعة للإبداع الأدبي والفني عام 1997، فكتبت قصة قصيرة بعنوان "عروس لجدعان" وهي مأخوذة من تراث وبيئة المحافظة، وقد فازت هذه القصة بالمرتبة الثانية في نفس العام، وبعد ثلاثة أعوام شاركت بقصة أخرى وفازت أيضاً بالمرتبة الثانية، إلى أن كان عام 2004، حيث شاركت بمجموعة قصصية للمسابقة بعنوان "تعويذة عاشق"، وفازت مجموعتي بالمرتبة الأولى على مستوى القطر، وقد طبعت هذه المجموعة على نفقة جائزة المزرعة.

  • يرى البعض أن الأدب لون من ألوان النشاط الإنساني يبدد عبوس الحياة ويرسم ملامح المستقبل فهل أنت من أنصار هذا الكلام؟
  • ** برأيي أن الأدب فعلاً يبدد عبوس الحياة، ويدفع حواسنا للارتقاء، ويصوغنا من الداخل لأنه يعزز النزوع الجمالي فينا، وأعتقد أن هذا هو الهدف الأسمى للأدب، أما فن القصة بالنسبة لي هو لحظة مأزومة، يمر فيها إنسان ما في ظرف ما، مثل إنسان محاصر بالقمع، بالعادات، بالتقاليد، مأزوم بالحب، محبط كمواطن، محبط كزوج، محبط، كعاشق.

    بدوره الدكتور "ثائر زين الدين" رئيس لجنة الإشراف في جائزة المزرعة قال عن الأديب: «"صلاح الشوفي" كاتب متميز فهو يتقن فن الحكاية ويلتزم فصاحة اللغة، ويعرف كيف يوظف المثل الشعبي الذي يخدم القصة في النهاية، وقد استحق جائزة المزرعة عن جدارة، لأنه قدم مجموعة من القصص شملت وعالجت أغلب جوانب الحياة».

    يذكر أن "صلاح الشوفي" من مواليد 1952 في بلدة "صما البردان" في منطقة "صلخد"، وحائز أهلية التعليم عام 1974 وهو معلم منذ 33 عاماً، وهو متزوج ولديه ستة أبناء.