«لم يحدد الكاتب "يوسف أبيض" على أغلفة كتبه "المنوم، على طريق الجلجلة، في عيونهم"، وأخيراً "مشروع حلم" الذي حدد جنسه في أسفل الغلاف "رواية من واقعنا"، فقد اختار موضوعاً معاصراً بلغة روائية رشيقة ومبسطة إذ اختار مفردات اختلفت عن اللغة في كتبه الأخرى».

هذا ما تحدث به الأديب "باسم عبدو" عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع eSuweda بتاريخ 3/5/2009 وأضاف بالقول عن الكاتب "يوسف ابيض": «لا يزال رغم الوضع الصحي يكتب ويتابع ولا يزال خزان ذاكرته يمتلئ بالأحداث، ولكن في روايته هل افلح في إكساء السرد لغةً روائية، بعد أن حقق النجاح في لغة السيرة الذاتية؟ أم بقي مشروع حلمه بناءً على العظم؟».

لا يزال رغم الوضع الصحي يكتب ويتابع ولا يزال خزان ذاكرته يمتلئ بالأحداث، ولكن في روايته هل افلح في إكساء السرد لغةً روائية، بعد أن حقق النجاح في لغة السيرة الذاتية؟ أم بقي مشروع حلمه بناءً على العظم؟

موقع eSuweda التقى الناقد الدكتور "عاطف عطا الله البطرس" بحوار نقدي حول رواية "مشروع حلم؟

الأديب باسم عبدو

  • ما الذي تطرحه علينا رواية "مشروع حلم "للكاتب "يوسف أبيض"؟
  • ** تطرح علينا الرواية سؤالاً مشروعاً حول التمييز بين الأشكال ذات العائلة الأجناسية الواحدة، وتضعنا وجهاً لوجه أمام مسألة التجنيس، كي لا نحاكم نصاً بمعايير نص آخر.. فلأي جنس أدبي تنتمي الرواية كما كتب على غلافها وكما سماها المؤلف؟!، نعرف جميعاً أن الأجناس الأدبية كثيراً ما تتداخل وتتراجع الحدود الفاصلة بينها، ولكن ثمة محددات تموضع هذا الجنس وتحدد انتماءه إلى نوع معين من الكتابة الأدبية.

    الناقد الدكتور عاطف البطرس

    معايير المؤسسة الأجناسية تتراوح بين الثابت التكويني، والمتغير البنائي، أي بمعنى آخر ثنائية القيد والحرية، الالتزام ببعض الثوابت القاعدية المشكلة للجنس الروائي والاختيار الذاتي للبناء النصي، وهو هامش الحرية المتاح للكاتب مع المحافظة على هوية النوع وإن كنا نؤمن بأن الهويات غير منجزة وهي قيد التشكل وقابلة للانزياح.

    وهذا يعني ما الهامش المتاح للخروج على الأصول وفق قانون الثابت والمتغير..

    الأديب يوسف أبيض وهو يوقع روايته

  • هل للكاتب مطلق الحرية في اللعب بالأصول والقواعد ويستطيع تجاوزها وتخطيها كيفما يشاء، متى طاب له ذلك...أم إن هناك أصولاً فنية لذلك؟!..
  • ** مع أننا لسنا من الأصوليين المحافظين المتمسكين بالقواعد والأصول بشكل مطلق، لمرجعيتنا المعرفية برفض المطلقات كيفما كانت والتعامل مع النسبي في التشكل والصيرورة ومن الداعين إلى الاختراق بشكل منظم، ولا نؤمن بالثابت وإنما ندعو إلى المتحول والمتحرك، حتى في الأشكال الفنية شديدة الثبات والاستقرار، ولكن ذلك بأصول تمليها قواعد اللعبة الفنية ومقتضيات البناء الفني والتجربة الجمالية والمعرفية للكاتب والقارئ في وحدة التساوق والتوازي بين ظروف إنتاج النص وشروط تلقيه، مؤكدين أن الحرية هي قمة الالتزام...

    "مشروع حلم" كما كتب على غلافها رواية من واقعنا أي إنها تعترف مسبقاً بمرجعيتها الواقعية، وهي اقرب إلى السيرة الذاتية منها إلى العمل الروائي رغم ان موضوعها ليس شخصياً وإنما تعالج مشكلة عامة..

    كل ما في الرواية يحيل إلى المرجعية الواقعية: المكان، الشخصيات، الأحداث، السرد، وخاصة حالة التطابق التام بين السارد، المؤلف، الشخصية المركزية "أنا المؤلف".

    السارد "المؤلف" يروي تجربة حياتية، وهو الشخص الذي عاش التجربة، وهنا تطابق بين السارد والشخصية موضوع السرد، ولنا في ذلك شواهد وأمثلة كثيرة، علاوة على استخدام ضمير المتكلم ما يحيل إلى تجربة شخصية.. "كان بمقدوري أن استخدام المصعد، ليتني الآن وقد تجاوزت الستين استطيع أن أتحرك، أن أمشي على قدمي كما يمشي سائر الناس، من شقتي في الدور الخامس... إنني أشعر بضعف في حركة ساقي ويدي اليسرى، أصبت منذ سنوات بجلطة دماغية الخ".. تطابق السارد مع شخصية الكاتب "لا يوجد أي إيهام ولا يحاول الكاتب استخدام أقنعة التخفي، يقدم نفسه بوضوح وصراحة مما يدعونا إلى القول بسيطرة العنصر السيري على العمل، وهذا ما أبعده عن الرواية "مشكلة التجنيس" الذي يعتمد التخييل والخلق الفني، لأن المادة الحكائية تخضع لضرورات الفن، وللفن بطبيعة الحال قوانينه الخاصة ومنطقه الذاتي، والمهارة كيف يتحول المرجعي الواقعي إلى بناء فني قوامه التوليف والابتكار..

    اعتماد الكاتب على اليوميات والإحالات المرجعية أضعف بناءه الروائي مع انه استخدام التقانات الحديثة كالاسترجاع في أكثر من مكان... هذا الاسترجاع كان يمكن ان يوظف فنياً قصة وفاة الزوجة، التي لم تدخل كحكاية داخل الحكاية فتعزز فنية العمل وتقوي التشويق وتبعده عن الواقعية الجافة، عندما يربط الكاتب بين وفاة الزوجة والقضاء على الأشجار،/ المحافظة على حياة الأشجار والعجز عن مقاومة المرض وموت الإنسان أليس في ذلك موضوع درامي يشكل مادة تخييلية تخرجنا من جفاف الواقعي إلى جماليات التخيل؟/..

  • ما الأسلوب السردي وكيف تدخل المؤلف؟
  • ** استخدامه لضمير المتكلم في السرد ليس نقيصة وهو كثير التداول، ولكن طغيان "الأنا" السردية وعدم قدرتها على الالتحام والانفصال بالمسرود، بحيث تغدوان وحدة متكاملة توهم القارئ بغياب الأنا أو بمعنى آخر تصبح "الأنا" إيهاماً هو سردية، منفصلة إلى حد ما عن السارد، لكن تدخلات الكاتب ذات الصبغة الإنشائية عززت حضور الأنا وجعلتها مكشوفة.. "يا لذكريات الطفولة... نجوت بأعجوبة، يا لطيش الشباب صـ 2، وكذلك الصفحة 11 حيث بدأت بسرد وصفي أو وصف سردي ما لبث أن قطع بـ: لكم بدا لي منظر هذا المساء...ثم بعده بمقطع آه ما كان أجمل المنظر...

    هذه الجمل الإنشائية تقطع السرد وتبدو مقحمة عليه مما يضعف حدة التوتر، والنمو الدرامي للأحداث..

    حاول الكاتب لعبة التلوين الحكائي، لكنه لم يوفق في ذلك، فالتلوين الحكائي لا يتأتى عن طريق التلوين الإنشائي.. استفهام، تعجب الخ.. وإنما عن طريق التلوين السردي، باستخدام تعدد الضمائر اختلاف مستويات اللغة، والاستخدام الموفق والمدروس للوصف والسرد والحوار.. واستثمار روافع الاسترجاع والاستباق والتداعي والقفزات الزمانية...

    في صفحة 23 وبعد حديثه عن بردى.. يأتي قفلة تحية إلى ثوارنا الأبطال الذين سطروا بشجاعتهم أنشودة الحرية والاستقلال.. تحية إلى نهر دمشق ثم يختتم الصفحة يا لبهجة الشباب وانطلاقته، تملأان الفضاء مسرة وحبوراً.. فما علاقة ذلك بلغة السرد...؟

    صحيح ان الكاتب استطاع أن يحول الموضوع العام "قتل الحديقة، وبناء المشفى" إلى قضية خاصة، فالحديقة إضافة إلى دلالتها العامة، تعني للكاتب أشياء كثيرة، فهي "أوكسجينه بسبب وضعه الصحي" وهذه الفكرة علاقة العام بالخاص، وكيف نحول القضية العامة إلى قضية جوانية خاصة، تعطي مادة أولية لعمل روائي متماسك، لم يحسن الكاتب اللعب عليها.. النزول اليومي إلى الحديقة لرجل مجرب وأديب يعطي إمكانية الاستفادة الثرة من عمليات الاسترجاع حيث يمكن تحت كل شجرة أن يقص علينا حكاية من تجاربه... ومن تداخل الحكايا يمكن أن يقدم عملاً روائياً يعتمد أفقياً على التوالي الحكائي وعمودياً على الدلالة من فعل الحكي الذي يتكون عند القارئ من التفاعل مع المقروء..وهذا ما افتقدناه علماً بأن "الراوي" الكاتب الشخصية تملك الكثير من التجارب التي يمكن تعميمها فنياً.

  • ما العتبات النصية التي يمكن توضحيها في رواية؟
  • ** "إشارة لا غنى عنها، الإهداء، كلمة.. كلها لا تنقذ العمل فالنوايا شيء، والمنجز النصي شيء آخر تماماً كالواقع، والفن، صحيح أن كل عمل روائي ناجح يجب أن يتصل بسبب ما بالواقع، ولكنه بالضرورة ليس الواقع كما هو، وإلا وقعنا في المرآتية والأدب بعيد عن ذلك طالما أنه يمر عبر ذات الكاتب الإبداعية ويتلون بتلاوينها...

    "وقد يصعب علينا أحياناً، أن نجد حدوداً فاصلة بين ما نعيشه، وما نفكر به، وبين ما نرويه وقد تتماهى هذه الحالات بعضها مع بعض في نسيج واحد تتناغم، تتلاحم، هو هذه الرواية التي أضعها بين أيديكم"، حقاً صدقت النوايا وأخفق النص، لم تأت النوايا على مقاسات الرواية بصفتها عملاً بنائياً تخييلياً واكتفت بأن اعتمدت الواقع مرجعاً وحيداً لها.