تفوق على إعاقته البصرية بوسائل ذاتية بسيطة، مكنته من الحفظ والكتابة بعيداً عن الحروف البارزة، فدخل كلية علم الاجتماع، وحصل على وظيفة ضماناً لمستقبله الذي قرر أن يعيشه بسعادة رغم المعاناة.

فقد "ماهر العلي" البصر وهو في عمر الـ7 سنوات، بعد عمل جراحي لاستئصال كتلة على الدماغ، ومع ذلك تمسك بمستقبله الذي يحلم به وعمل على جعل أيامه سعيدة كما يرغب رغم المعاناة والتعب، هكذا وصف "ماهر العلي" حالته لمدونة وطن "eSyria" عندما التقته بتاريخ 27 شباط 2015، وأخبرنا عن مراحل تجاوزها بمساعدة عائلته وعشقه للحياة والعلم، الذي تجسد بسنوات طويلة من الجهد والاجتهاد قاداه إلى دخول كلية علم الاجتماع، ويقول: «عندما فقدت بصري ابتعدت عن المدرسة لسنوات، لكنني لم أكن مرتاحاً لهذا الوضع، فتقدمت لدورة محو الأمية بمساعدة أفراد عائلتي، ونجحت بالامتحان ومن بعدها تقدمت لنيل الشهادة الإعدادية، حيث كانت عمتي تقرأ الدروس وتسجلها، ومن ثم أستمع إلى هذه الدروس وأعيدها حتى أحفظها، وهكذا أيضاً اجتزت امتحان الشهادة الثانوية.

من المواقف التي نتذكرها عن "ماهر" عندما دخل الجامعة جاء للجمعية، وقال مازحاً: (شباب لقد اندمج المعوق بالمجتمع نحتاج أن نقنع المجتمع ليندمج فينا). ولم يتوقف عند هذا الحد بل بدأ يرافقنا كمتطوع لزيارة المعوقين ويشجعهم للخروج إلى الحياة بوصفه مثالاً مقنعاً بالتحدي والإرادة والتصميم، تمنياتنا له بتحقيق أحلامه وحياة سعيدة لأنه جدير بها

لكن طريقة التسجيل هذه لم تكن كافية للحفظ والتحضير للامتحان، وبما أنني كنت قد تعلمت مبادئ الكتابة وتعرفت شكل الحروف في الصفين الأول والثاني الابتدائي قبل فقدان بصري، طلبت من أهلي أن يحددوا لي السطور على الورق لأقوم بالكتابة عليها، ليساعدني ذلك على تثبيت المعلومات التي أسمعها، واعتمدنا طريقة تمرير الورق على ماكينة الخياطة مع توسيع الفتحات لتحدد ثقوب الإبرة خط السطر، فأتمكن من الكتابة عليها كمسودة، وبفضل ذلك وصلت إلى السنة الثالثة في كلية علم الاجتماع وبقيت أتعامل بذات الطريقة لغاية هذه المرحلة، ولم أعتمد على أي تقنية خاصة بالمكفوفين لمتابعة التعلم، رغم توافر تقنيات جديدة تساعد الكفيف في مختلف مراحل الدراسة لكنها غير متواجدة على مستوى محافظة "السويداء" حتى الآن».

"ماهر العلي" أثناء العزف

يضيف "ماهر": «تقدمت بطلب للتوظيف، وكان المطلوب تجاوز امتحان يرتبط بالقدرة على التعامل مع الحاسب، وبالفعل تجاوزت الامتحان بنجاح وحصلت على وظيفة في مستشفى "صلخد"، وهي وظيفة إدارية تعتمد على حفظ ملفات العاملين، وخلال هذه المرحلة بفعل التواصل مع الحاسب وصلت إلى تقنيات متطورة وبرامج ناطقة خاصة تمكن الكفيف من التعامل مع الحاسب بسلاسة أكثر من الحروف البارزة، ولكن تلك البرامج مكلفة ولا تنسجم مع إمكانياتي، فتواصلت مع الجمعية "العلمية السورية للمعلوماتية" للمعوقين جسدياً في "دمشق" وحصلت على البرنامج، وساعدني كثيراً في العمل، كما استفدت من البرامج الناطقة بالاستماع إلى بعض المحاضرات».

ويتابع: «ظروف الكلية التي أدرس فيها ككلية حديثة الإنشاء في محافظة "السويداء" حرمتني من فرص يحصل عليها زملائي في جامعة "دمشق" وغيرها، حيث امتحانات المكفوفين شفهية وليس هناك حاجة لمراقب يقوم بمهمة الكتابة وهي عملية مرهقة لي وله، ومع ذلك فإنني قاربت على التخرج، ولكن أتمنى أن يحصل الطلاب القادمون بعدي على خدمات أفضل في هذا المجال، فقد لا يتوافر لكل منهم عائلة مثل عائلتي تساعده وتيسر له فرص النجاح، الذي أعتبره تحقق بفضل كل المحبين الذين ساعدوني ومدوا يد العون لي، كأسرتي وأصدقائي في المستشفى التي أعمل فيها».

"نزار شجاع" رئيس جمعية المعوقين جسدياً في السويداء

وفي لقاء مع "نزار شجاع" رئيس جمعية "المعوقين جسدياً" في "السويداء"، الذي راقب نشاط "ماهر" وتعرفّه عن قرب، فلمس ما لديه من إصرار وعزيمة، ويقول: «أتى "ماهر" إلى الجمعية شاباً في قلبه بصيرة رغم ما تعرض له من عمليات جراحية أفقدته البصر، وبقيت روحه جميلة مرحة، كان يشاركنا مختلف الأنشطة، وقد تابعنا نجاحه في كل المراحل، فكان من أعضاء الجمعية المكرمين لأننا نعرف ما لديه من إصرار وعزيمة قادته إلى النجاح، رغم عدم توافر أي عنصر مساعد لحالته بعيداً عن الأهل والأصدقاء، لكون المدارس والجامعات في المحافظة غير مجهزة لخدمة هذه الشريحة من الطلاب، فكان لجهده الذاتي أثر غيّر مستقبله فتعلم وحصل على وظيفة».

ويضيف: «من المواقف التي نتذكرها عن "ماهر" عندما دخل الجامعة جاء للجمعية، وقال مازحاً: (شباب لقد اندمج المعوق بالمجتمع نحتاج أن نقنع المجتمع ليندمج فينا). ولم يتوقف عند هذا الحد بل بدأ يرافقنا كمتطوع لزيارة المعوقين ويشجعهم للخروج إلى الحياة بوصفه مثالاً مقنعاً بالتحدي والإرادة والتصميم، تمنياتنا له بتحقيق أحلامه وحياة سعيدة لأنه جدير بها».

الجدير بالذكر، أن "ماهر العلي" من مواليد 1985، موظف وطالب في السنة الثالثة في كلية علم اجتماع، موهبته الغناء والعزف وشارك في عدد من الحفلات لمصلحة جمعية "المعوقين جسدياً".