خلق العالم الافتراضي نموذجاً من وسائل الاتصال انعكس خصوصاً على علاقة الشباب بمجتمعهم، وحدد اتجاهاتهم، وخلق قواسم مشتركة بينهم، فتحت الأبواب واسعة أمامهم بسلبياتها وإيجابياتها.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 17 تشرين الثاني 2014، وبحثت في هذا الموضوع ورصدت آراء عدد من الشباب ضمن كليات "السويداء" وخارجها، والتقت الشابة "ديما عبيد" (طالبة في كلية الفنون - هندسة الديكور) التي بينت دور وسائل الاتصال بالنسبة للشباب، وتقول: «تعد وسائل الاتصال بالنسبة لنا وسيلة من وسائل الاستسهال في العمل للوصول إلى المعلومة، خاصة أن هناك فارقاً عمرياً وافتراضياً وسلوكياً ومنهجياً بين جيل الشباب والفئات العمرية الأكبر، لأننا بتنا نعيش حالة من الفوضى لا يستطيع الجيل الأكبر مواكبتها معنا، ولسنا قادرين على التخلص منها بسهولة، وربما هذا يجعلنا نفكر ملياً أن وسائل الاتصال هي المنقذ لنا من الهموم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تعترضنا».

إن قدرة وسائل الاتصال على سرعة إيصال المعلومة تحكمت في الاستقطاب، ولكن لماذا لا يتم إقامة مشاريع شبابية تنموية لخوض غمار الحياة بأبوابها الواسعة؛ فنصبح شباباً منتجين بدلاً من أن نكون مستهلكين؟ وهذا يقع بتقديري على عاتق الخطط والبرامج المستقبلية، ولهذا تبقى وسائل الاتصال الاجتماعي العامل المساعد لنا لحين توافر البديل الأفضل

وتتابع: «إن قدرة وسائل الاتصال على سرعة إيصال المعلومة تحكمت في الاستقطاب، ولكن لماذا لا يتم إقامة مشاريع شبابية تنموية لخوض غمار الحياة بأبوابها الواسعة؛ فنصبح شباباً منتجين بدلاً من أن نكون مستهلكين؟ وهذا يقع بتقديري على عاتق الخطط والبرامج المستقبلية، ولهذا تبقى وسائل الاتصال الاجتماعي العامل المساعد لنا لحين توافر البديل الأفضل».

الطالبة ديما عبيد

الشاب الجامعي "أشرف الجرماني" يقول: «لعل الفضاء الافتراضي فتح أمام جيل الشباب رؤية متعددة، حيث استطاع أصحاب المواهب الأدبية والفكرية نشر ما يريدون دون رقابة أو تحديد معيار لها، كذلك الحصول على آراء وأفكار العديد من القراء وتوسيع رقعة المتلقي، وهذا يحقق تمازج الأفكار وثقافات للعديد من الفئات العمرية الشبابية، وخاصة لطلاب الجامعة الذين وقعوا بين سلطة النص المحدد وبين سلطة الاسم وبين الأوساط الثقافية والعلمية، حيث اتضحت مؤخراً عدم قدرة الشباب على اختراق دائرة الفكر والثقافة وتحقيق الحضور في ظل أسماء كبيرة لها وجود أشمل وأعم دون النظر بنوعية النص وماهيته، وعليه فإن شبكات التواصل كسرت تلك الحواجز وخلقت روح التبادل والتواصل بين الإبداع والمبدعين».

المحلل والباحث الدكتور "فايز عز الدين" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب، الذي بيّن اتجاهات الشباب أمام وسائل الاتصال، ويقول: «وسائل الاتصال تحتل الأهمية الأولى عند الشباب، ولعلها تؤثر فعلاً في وقتهم المطلوب للتعليم والدراسة، لأن الزمن الذي تستهلكه وسائل الاتصال يزيد على زمن الدراسة عند الطلبة، والجلوس الوحيد المنفرد عند الشاب أمام وسائل الاتصال يغرقه في عزلة عن الجماعة من حوله، وتتحول المسألة إلى عادة الانفراد، والانطواء، وفقدان المهارة الاجتماعية اللازمة لعلاقة الفرد بالمجتمع، وبسبب تعوّد العزلة أمام وسائل الاتصال تنشأ مظاهر الاضطراب في التعامل مع الآخرين، وتتراجع قدرة التفاعل الاجتماعي عند الشاب، حيث يصبح قليل الثقافة الاجتماعية اللازمة، ولا يجيد الكلام المطلوب في المناسبات، وحتى التعبير عن نفسه والكشف عن ذاته وخصوصية قد يقلُّ إلى حد مرضي لديه، فهو لا يجيد الحوار المباشر وثقته تتراجع بنفسه، وبالآخر، والخطير في ما تقدمه ثقافة الإنترنت قد يفتّح عيني الشاب على ثقافة الاستهلاك، وتكثر نسبة محاكاة الشباب لاتجاهات ثقافة الغرب المتصهينة؛ وهو ما يخلق اتجاهات غير وطنية لديهم، فنحن أمام شباب مشغولين دوماً بوسيلة إلكترونية شاغلة لوقتهم، مشغولين عنّا، يمارسون كل ما فيها من توتر عصبي، أو انفعال، أو قلق، ولديهم شعور بالحب أو الكره من الرسائل المطبوعة، والصوتية، ومثل هذا فضاء محبة مجهول، يدخل عالم التمثيل والتسلية في قنوات التجارة العالمية، وقد أصبحنا أمام رغبة جامحة في استخدام تقنية الإنترنت من قبلهم، ولا يمكن أن نمنعهم عنها، أو أن يستغنوا هم عنها، وقد نثير صدامات بيننا وبينهم إذا قمنا بمنعهم عن هذه التقنية».

الطالب أشرف الجرماني

ويتابع الدكتور "عز الدين": «الإنترنت، وما فيه من وسائط الاتصال الاجتماعي أصبح مسألة خطيرة علينا إن لم نتواصل مع شبابنا ونوضح لهم الصورة إيجاباً وسلباً فنحن بحاجة الإنترنت كتطور علمي، معرفي، واجتماعي، وفيه خبرة نحتاجها في فنون الحياة، لكن علينا أن نتّقي سلبياته إذا أعطتنا اتجاهات ثقافية مغايرة لقيمنا التقدمية أو لأخلاقنا التاريخية، أو لسلوكنا الوطني السليم، إضافة إلى ما نجده من شيوع مصطلحات الإنترنت بين الشباب حسب مواقع الدردشة، والبريد الإلكتروني، والمدونات، والمنتديات، قد لا يتفق مع القيم العليا للوطن والمجتمع، وهنا يغرق شبابنا في ثقافة عالمية افتراضية، ونخسر عاطفتهم الوطنية، والمجتمعية».

وعن المقترحات يقول: «الاتصال بالشباب بكافة الوسائط، والأطر وخلق مجتمع مشترك معهم وتوجيههم بالتوافق معهم دون قسر خارجي، أو فوقي، أو سلطوي، والبحث عن شغل أوقات الفراغ لدى الشباب بالعمل المنتج المدروس وطنياً، ومجتمعياً، وتشجيع ظاهرة البرمجيات حتى تُمكنَ الاستفادة من جهود الشباب، ويتحولوا إلى أدوات نافعة وطاقات منتجة تشعر بوجودها، وتفتح أمامها أجواء الأمل بدلاً من الهروب إلى الغرف التي تقتل الوقت، والشخصية الاجتماعية، والثقافة الوطنية عندهم».

الدكتور فايز عز الدين

الجدير بالذكر، أن هذا الموضوع تم تقديمه في الندوة التي أقامتها مدونة وطن "eSyria"، بالتعاون مع فرع اتحاد الكتاب العرب في "السويداء".