فقد القدرةَ على السير بحادث مؤلم، وتخطى مصيبته بالإصرار على ترك بصمةٍ خاصةٍ في مجتمعه الذي سانده، فأثرى موهبته في هندسة الصوت، وكان العاملَ المحبَّ للتلاميذ والإدارة، وحديقة المدرسة التي تحولت إلى مرج قابل للحياة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 16 تشرين الثاني 2019 العامل "مؤيد جاد الله نوفل" الذي تحدث عن يتمه المبكر، وصراعه مع الحياة، فقال: «توفي والدي وأنا بعمر الثلاث سنوات، وكانت مسؤولية المنزل تقع على كاهل أخي الكبير -وما زال يرعانا حتى اليوم-، حصلت على الشهادة الإعدادية على مضض، ففكرة العمل والتخلص من الفقر كانت هاجسي الدائم، حيث سافرت بعدها إلى "لبنان" للعمل، وعدت منها بشكل نهائي بعد ثلاث سنوات للالتحاق بخدمة العلم، ولكني تعرضت لحادث سيارة كانت نتيجته وفاة والدتي وشللاً دائماً في أطرافي السفلية. جعلني الحادث أتجرع اليتم من جديد، وأدخل في صدمة نفسية كبيرة، لكن وقوف أهالي قريتي معي ومساندتهم لي جعلني أتغلب على أوجاعي، وكانت الفكرة أن أفتتح (بوفيه) في المدرسة الابتدائية، وأعمل فيه، حيث جلب لي رئيس المجلس البلدي المحامي "إميل مكارم" الموافقات وساعدني الأهالي لافتتاحه.

الاحترام الذي اكتسبه "مؤيد" نابعٌ من إرادته وتصميمه على الصمود، رغم ما تعرض له من مآسٍ، والمحبة التي يغمره بها الكادر التدريسي والإداري والطلاب ليست من فراغ، فهو الذي أثبت أنّ الإنسان قادر بعزيمة على العطاء. هو عامل البوفيه في المدرسة، ومهمته تنحصر في البيع للطلاب في الاستراحات القصيرة فقط، ولكنه يعدُّ المدرسة بيته الثاني ويهتم بكلّ محتوياتها قدر استطاعته، وعمله أمام الطلاب يعطيهم دروساً مهمة للحياة

دربت ساعداي جيداً، وحاولت بكل قوتي أن أتغلب على مشكلة الحركة على الكرسي المتحرك، وبدأت العمل بكل شغف، وعددت نفسي جزءاً من المدرسة وتعاملت معها على أنها بيتي الثاني».

في حديقة المدرسة

طوّر موهبته في هندسة الصوت، وبدأ معها من الصفر معتمداً على نفسه، وانطلق من قريته، وأضاف: «قبل أربع سنوات قررت أن أصبح "dj" أي منسق حفلات، وبدأت من أدوات بسيطة في المنزل، حيث كان أصدقائي يبثون فيّ الحماسة للمتابعة، وأرسل لي أخي "ماهر" المغترب جهاز كمبيوتر حديث، ورحت أنمي هذا الجانب بالمتابعة والمثابرة حتى أستطيع القيام بعدة حفلات صغيرة في القرية، لكنني كنت خائفاً من ردة فعل الآخر ونظرته لما أقدمه، وعندما سنحت لي الفرصة للقيام بأول حفلة في مدينة "شهبا" ترددت، ولكنها كانت فاتحةً لعدد كبير من الحفلات التي لاقت الاستحسان من الناس، واليوم عندي أجهزة متطورة وعملي يزدهر، وآخذ أجري حسب وضع الناس ولا أدقق مطلقاً على ذلك، ففي كثير من الأحيان أطلب فقط أجرة النقل، وهذا جزء من الوفاء لأهلي الذين وقفوا معي دائماً».

تقول المربية "سهاد الخطيب" مديرة المدرسة الابتدائية في قرية "عمرة": «لا ينفك "مؤيد" عن مفاجأتنا في كل عمل يقوم به، فهو الذي ساهم بتشذيب الحديقة، وترتيبها ونظافتها، وزراعة الأشجار فيها بمساعدة الطلاب الصغار، وتراه دائماً يقوم بما يلزم لكي تكون مرتبةً، وقد لوّن عجلات السيارات التالفة، وجعل منها قابلة للزينة، كما صنع منها بئراً جميلاً لكي يزيّن المعرض المدرسي، وفي كلّ الاحتفالات التي تجريها المدرسة يتكفل بالحفلة -من حيث أجهزة الصوت- دون مقابل.

الكادر التدريسي مع الموجه عدنان الأعور

"مؤيد" ليس فقط عامل البوفيه الذي أمضى في مدرستنا 14 عاماً هو جزء منها، وأخٌ للكبير والصغير، ومثال على الإرادة والتصميم».

المربي "عدنان الأعور" الموجّه التربويّ قال عنه: «الاحترام الذي اكتسبه "مؤيد" نابعٌ من إرادته وتصميمه على الصمود، رغم ما تعرض له من مآسٍ، والمحبة التي يغمره بها الكادر التدريسي والإداري والطلاب ليست من فراغ، فهو الذي أثبت أنّ الإنسان قادر بعزيمة على العطاء. هو عامل البوفيه في المدرسة، ومهمته تنحصر في البيع للطلاب في الاستراحات القصيرة فقط، ولكنه يعدُّ المدرسة بيته الثاني ويهتم بكلّ محتوياتها قدر استطاعته، وعمله أمام الطلاب يعطيهم دروساً مهمة للحياة».

يذكر أنّ العامل "مؤيد نوفل" من مواليد "السويداء" قرية "عمرة" عام 1985.