أضاف المدرّسُ المتقاعد "صقر حمود البربور" لسيرته الاجتماعية والتربوية قيمةً مضافةً لعمله بتوثيق وتدوين التراث اللا مادي، إذ قلّما تجد أحداً من جيل الخمسينيات في منطقته إلا وقد تلقى العلم على يديه.

حول سيرة حياته، مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 27 أيلول 2019 التقت المدرس المتقاعد "صقر حمود البربور" الذي بيّن قائلاً: «في قرية "الهويا" كانت ولادتي عام 1938 ضمن أسرة فلاحية متوسطة الدخل، معتمدة على الزراعة وخيرات السماء، ذلك لأنّ طبيعة أرضنا بعلية، وإذا لم تنعم السماء عليها بأمطارها، يتسلل لدخلنا السنوي القلق، ولهذا كان العمل الزراعي المضني هو أحد مرتكزات حياتنا اليومية، مع الصراع على تحرير البلاد من ظلمة الاستعمار الفرنسي الذي رزح فوق تراب وطننا، فكانا جهادين معاً، جهاد من أجل الوطن وجهاد للعيش الكريم.

شكّل المدرس "صقر البربور" لنا كطلاب حالةً من الارتباط الروحي في التكوين والمعرفة، فهو أديب وباحث ولغوي متميز، ما زال إلى يومنا في المقاعد يسأل عن اللغة فيجيب بكل ثقة ومعرفة، وفي المجال الوطني معروف بحبّه للوطن والأرض وتعلق بهما وشجع على هذا المنوال من خلال إنشاء أسرة متعلمة، وهو المعروف بأنه المعلم الأول في منطقتنا منذ زمن، وكثر من الذين قد تقاعدوا اليوم؛ هم من طلابه، فلذلك هو أول المدرسين وما زال

درست المرحلة الابتدائية في القرية لأنتقل إلى مدينة "السويداء" بغية إتمام الدراسة، وحينما كنت في نهاية الفصل الأول للصف السابع اضطررت لترك الدراسة والعودة إلى القرية، استمر الانقطاع عن الدراسة مدة 8 سنوات واستأنفتها حراً، وحصلت على الشهادة الإعدادية عام 1962، واجتزت دراسة صفي العاشر والحادي عشر تمهيدياً بسنة واحدة عام 1963، وفي عام 1964 حصلت على الشهادة الثانوية، لأعمل معلماً وكيلاً على أساس الشهادة الثانوية حتى بلغ عدد أيام الوكالة 300 يوم، كي يسمح لي بالتقديم إلى معهد الصف الخاص أي دار المعلمين، وتخرجت من المعهد وعينت معلماً أصيلاً في محافظة "الرقة" عام 1967، ثم عدت إلى القرية للعمل في سلك التعليم، وحين لم يسمح لي بدراسة اختصاص الأدب العربي في جامعة "دمشق" درست في جامعة "بيروت" لعامين، وانتقلت إلى جامعة "دمشق" لإتمام دراستي الجامعية، وتخرجت عام 1976، وتمّ تعييني مديراً للابتدائية ثم مديراً للإعدادية، ثم سافرت إلى "ليبيا" في بداية تسعينيات القرن الماضي، وعملت مدرساً في معهد المعلمات مدة سنتين، ثم عدت واستقريت في القرية، وتقاعدت مع بداية القرن الحادي والعشرين».

عماد أبو ترابي

وتابع بالقول: «أحببت التدريس، وكان لدي رغبة بتحقيق أعلى نسبة نجاح، كوني من أقدم المدرسين في منطقتي الجنوبية، وأعدّ وما زلت أيّ طالب هو ابني، وأرغب في أن يحقق التفوّق، وبات طلابي الكثر يحملون شهادات عليا في مجالات مختلفة من العلوم.

أذكر أننا كنا نحمل الفانوس ليلاً كي نقوم بتدريس الطلاب، وفي كل مجلس اجتماعي نتيجة لنشاط قريتنا بالعلاقات الاجتماعية، تراهم يسألونني عن دروس اللغة العربية وهي رغبتي بالإجابة حتى بعد التقاعد يقيناً أنّ مهنة التدريس هي كالطبّ مهنة إنسانية ورسالة أخلاقية تبني بها جيلاً يرتقي ويرفع بيوتاً لا عماد لها، حتى أولادي أحدهم مهندس، واثنان يعملان في التدريس، ويتبعان نهج التعليم بحسّ المسؤولية في التربية؛ رغبة منهم ومني في إرساء قيم التربية الحديثة الممزوجة بالأخلاق وقيم المجتمع».

مع طالبه نسيم السايح

"عماد أبو ترابي" من طلابه في قرية "الهويا"، قال عنه: «يعدّ المدرس المتقاعد "صقر البربور" أقدم مدرس للغة العربية في الجهة الجنوبية من محافظة "السويداء"، فهو إضافة لما بذله أمامنا من علم وتدريس كنا نخشاه كثيراً، لدرجة أن دروسه ما زلت أحفظها إلى اليوم، إلا أنه كان يشعرنا بحنان الأب العطوف، المحب للتفوق والتميز، وهو بذلك ساهم في تربية جيل يحب العلم والمعرفة، حتى بعد التقاعد كان لديه دور بارز في الشأن الاجتماعي في القرية، إذ تراه يقرأ ساعات في النهار بتنوع الثقافة من الدراسات الروحانية، وكتب الأدب والشعر، وهو مرجع تربوي واجتماعي ولغوي وثقافي، له مساهمات عديدة في إحياء الأدب الشعبي والتراث من خلال مشاركاته الأدبية والشعرية في اللقاءات الاجتماعية على مستوى المحافظة، وذاكرة أدبية زاخرة بالأحداث والوقائع، ساهم في كثير من الوساطات الاجتماعية على ساحة المحافظة مع العديد من المرجعيات في سبيل حل الخلافات والنزعات والمشكلات المستعصية».

وأوضح "نسيم السايح" واحد من طلابه بالقول: «شكّل المدرس "صقر البربور" لنا كطلاب حالةً من الارتباط الروحي في التكوين والمعرفة، فهو أديب وباحث ولغوي متميز، ما زال إلى يومنا في المقاعد يسأل عن اللغة فيجيب بكل ثقة ومعرفة، وفي المجال الوطني معروف بحبّه للوطن والأرض وتعلق بهما وشجع على هذا المنوال من خلال إنشاء أسرة متعلمة، وهو المعروف بأنه المعلم الأول في منطقتنا منذ زمن، وكثر من الذين قد تقاعدوا اليوم؛ هم من طلابه، فلذلك هو أول المدرسين وما زال».

من تكريماته