تعدّ "ميلانة شرف" أن كل ما تصنعه من تحف فنية بواسطة توالف البيئة هو حالة من إعادة تدوير الذكريات، ولا يمكن لهذا العمل المرهق فكرياً وجسدياً أن يقدّر بثمن؛ فمن خلاله نرى الأشياء على حقيقتها، ويمكن أن يؤمّن دخلاً ذاتياً عالياً.

و"ميلانة" التي تعدّ واحدة من أهمّ معلمات الروضة في مدينة "شهبا"، إضافة إلى اهتماماتها الفنية العديدة بحكم تخرّجها في معهد الرسم، تعرف ماذا تعني إعادة التدوير وكيفية صناعة الجمال وتسويقه، وقالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 14 تشرين الأول 2016، عن بدايتها مع هذا العمل: «تعلمت فن الخياطة والتطريز من والدتي ككل فتاة في "جبل العرب"، ومع الوقت بات أمر الخياطة والتطريز حالة عادية وسهلة بالنسبة لي، خاصة عندما دخلت معهد الرسم الذي طوّر إمكانياتي وميولي الفنية التي استفدت منها في صنع الأشكال والألوان المناسبة لكل عمل أقوم به.

هي مبدعة وفنانة وخياطة من الطراز الرفيع، ولن أنسى أنها معلمة محبوبة في رياض الأطفال، وتبقى مشكلة التسويق التي هي بحاجة إلى العمل، وأظنّ أنّ هذه الأعمال القيّمة بحاجة إلى التسويق في الخارج لكونها مكلفة وجميلة بالوقت نفسه، وبرأيي إن أي بازار يأخذ نسبة عالية من ثمن القطعة فيذهب تعب النساء المضني هدراً، وأتمنى أن يكون هناك صالة عرض مخصصة لهذه الأعمال

والتدوير قديم جداً وليس مبتكراً كما يشاع، فكل ربّة منزل تعرفه وتتقنه من دون أن تدري، وعندما اشتدت الأزمة ولامست أغلب العائلات عادت هذه المسألة بأسلوب مختلف عن الماضي، وباتت مورداً لعدد كبير من النساء الباحثات عن الأمان».

من منتجاتها

وعن أعمالها وكيفية تعاملها مع المشغولات، أضافت: «على الرغم من معرفتي السابقة واهتمامي بهذا الموضوع، إلا أنّني اتبعت دورة خاصة في مدينة "شهبا" لكي أعزّز معرفتي وأزيد خبرتي، وقد فتحت هذه الدورة الكثير من الطرق أمامي للعمل، وجعلتني مدربة متقنة للعمل وعلى أساسها أعلم كل من لها رغبة بذلك من دون مقابل.

لقد أتقنت صناعة السجاد والشراشف والإكسسوارات النسائية، واستفدت من كل ما وقع بين يدي، وهذا لا يتم بسهولة؛ فالتدوير عمل متعب ومضنٍ، ويأخذ وقتاً كبيراً حتى تصبح القطع العديدة المستخدمة مثلاً من ملابس قديمة ورثّة تحفة لافتة للنظر، فالسجادة مثلاً خيطانها مؤلفة من أكياس النايلون التي تشبه خيط الصوف، لكن التعامل معها يحتاج إلى صبر، وأرضية السجادة تتكون من أكياس الخيش وقماش القطن، والسطح من الملابس القديمة الجميلة التي نحتفظ بها في العادة، وهنا الإبداع في التكوين حيث تظهر كل قطعة وهي تحمل في العقل والقلب ذكريات جميلة لا يمكن محوها، ولذلك تصطدم صاحبة العمل بين عقلها الذي يرغب بالبيع لتحسين الحالة، وبين قلبها الذي يرفض بيع ذكرياتها».

لمساتها ضمن المنزل

وهكذا تحوّل كيس النايلون إلى خيط يدخل في الصنارة، ويتحول إلى قطب متينة تشتبك لتشكل منظراً أخاذاً في صالون المنزل أو على الجدران، وتتابع: «صنعت أشكالاً كثيرة مما توفر لي من توالف، واشتركت بالمعرض الجماعي في المركز الثقافي العربي في مدينة "شهبا" الذي تابعه المئات من أهالي المنطقة، ونال الرضا والإعجاب، ووجدنا أن كثيرين من الناس يرغبون في اقتناء الأعمال، وهناك من يدفع الكثير لكي يقتني من صنع يد سيدة مبدعة، ولكن أمر التسويق يجب أن يأخذ صيغة أكثر احترافية من خلال مكان مشترك خاص بهذه الأعمال، يمكن أن يكون صالة عرض دائمة لجميع من يشتغل بهذا الفن، وبالنسبة لي فإن أعمالي الآن تباع تلقائياً، وتجد من يقدّرها جيداً؛ فزوجي يشتري ما أصنعه حتى الآن ولا يدعني أبيع أعمالي؛ لأنها تمثل ذكريات جميلة، ولها مكان في المنزل، ولكن القادم يحمل مشاريع ما زلت أجهلها، وأظنّ أن المعارض والبازارات قادرة على تسويق هذا النوع من الأعمال؛ فلا بدّ من وجود من يقدّر التعب والفن».

المربية "منتهى ناصيف"، التي ساهمت بالمعرض التي اشتركت فيه "ميلانة شرف"، عن فكرة التسويق، قالت: «هي مبدعة وفنانة وخياطة من الطراز الرفيع، ولن أنسى أنها معلمة محبوبة في رياض الأطفال،

حقيبة من إعادة تدوير التوالف

وتبقى مشكلة التسويق التي هي بحاجة إلى العمل، وأظنّ أنّ هذه الأعمال القيّمة بحاجة إلى التسويق في الخارج لكونها مكلفة وجميلة بالوقت نفسه، وبرأيي إن أي بازار يأخذ نسبة عالية من ثمن القطعة فيذهب تعب النساء المضني هدراً، وأتمنى أن يكون هناك صالة عرض مخصصة لهذه الأعمال».

الفنانة "ميسون أبو كرم" التي وظفت التوالف في الأعمال الفنية العديدة وخاصة في اللوحة، تعرّفت حديثاً إلى أعمال "ميلانة"، وقالت: «كانت رائعة بشغلها المميز واتساع فكرها الفني والأدبي؛ فهي قارئة من الدرجة الأولى وتجتمع مع مجموعة سيدات من خلال ورشة للقراءة، ومناقشة كتاب كل شهر، وهي خياطة درجة أولى على الرغم من الوضع الممتاز لزوجها، وهي تلبس من شغل يديها.

أفادت بخبرتها وذوقها الكثيرات من الصبايا بالدورة التدريبية التي أقامتها "لمة محبة" في مدينة "شهبا"، وكانت تفاجئ الجميع بعملها عندما نطرح فكرة للعمل، وتأتي بها جاهزة في اليوم الثاني».

يذكر أن "ميلانة شرف" من مواليد مدينة "شهبا"، عام 1975.