حافظ العمّ "نايف خضير" على محبة أهالي قريته من خلال حضوره الاجتماعي في المناسبات؛ بتقديم الخبرة إلى جانب تلبية احتياجات أهالي القرية مهما اختلفت أنواعها بمحبة وصدق.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 آب 2016، زارت القرية للتعرف إلى تجربة العمّ "نايف خضير - أبو جميل" المعروفة في قريته "الكفر"، حيث كان الأقرب إلى أهالي قريته من خلال متجره الذي حافظ من خلاله على طقوس قديمة للتبضع بكل ما هو مطلوب من قبل الأهالي، واحتضن كل ما يخطر ببالهم، والجميل أن متجره استمر عبر الزمن بذات الطريقة، طوى الزمن، ولغاية اليوم يحتضن القماش والصباغ والطحين والسكر ومستلزمات المواشي واحتياجات المنازل، إلى جانب عقد القران والمشاركة بالتخطيط لمستقبل القرية، كما حدثنا الموثق "نور الدين الشعار"؛ وهو من أهالي قرية "الكفر"، ويقول: «كان الوحيد لسنوات طويلة يعقد القران من دون مقابل، ويتفرغ لهذه المهمة خدمة لشباب القرية، وتلبية لعلاقته الطيبة مع أهاليهم، وعلى مستوى التجارة للحصول على ما تطلبه في هذه القرية ليس لك إلا أن تقصد متجره الذي ظل لسنوات طويلة ولغاية اليوم مقصد أهالي القرية، فقد ساير العصر بفضل الخبرة التجارية، وهو من أقدم تجار القرية، الذي جسد فكرة التاجر المتحضر في ذاك الزمن، تتوافر لديه مختلف أنواع البضائع لتفي بحاجة القرية والقرى المجاورة، إلى جانب دوره المعروف على ساحة المجتمع في عقد القران وباقي المناسبات الاجتماعية.

العمّ "أبو جميل" تاجر عرف في قريته بصدق المعاملة وحسن التعامل، ولم يخب أمل أهل القرية به؛ حيث يجدون لديه كل ما يطلبون خاصة ما يطلب لمناسبات معينة، وأنواع مختلفة تفي بالحاجة؛ وعنده تجد عدداً غير محدود، أي بضاعة أسواق متعددة، يلتقي عنده الأهالي من كبار السن، وهم زوار دائمون يجدون حفاوة الاستقبال والترحاب

وقد يستغرب الزائر ما يراه على الرفوف والطاولات الخشبية القديمة لديه، فهناك الأقمشة ومستلزمات الزراعة من نوعية خاصة، وبضائع قديمة لا يعرفها أبناء هذا العصر، لكن كبار السن ومربي المواشي والمزارعين يطلبونها منه، إلى جانب احتياجات قروية متعددة تطلبها كبيرات السن، ومن أراد التسوق من القرية كي لا يسافر إلى المدينة، مع بعض القطع المنزلية والأواني التي لم تعد متداولة في مناطق أخرى، مثل: زينة الخيول، وزينة المواشي، وحذوات الخيل، وقطع لا تعرفها إلا القبائل البدوية المحيطة بالقرية، وزبائن اعتادوا الزيارة والاستفادة من بضاعته العتيقة».

الموثق نور الدين الشعار

عايش أهالي القرية بمحبة والتزام بكل ما لديهم من مناسبات وأعمال، وحافظ على ذاكرة تجارية ريفية تقليدية، حيث لم يخصص تجارته لبضاعة بعينها، بل استقدم بضائع أسواق مختلفة ليلبي الحاجة الريفية، كما حدثنا الثمانيني "نايف خضير"، ويقول: «تربيت على الارتباط بكل ما يهتم له أهالي قريتي؛ لنتشارك في كل المناسبات، وأقدم ما باستطاعتي عن طيب خاطر، ومن تجارتي القديمة التي ورثتها من والدي؛ الذي ورثها من جدي؛ ليكون عمرها اليوم قرابة المئة عام كنت الأقرب إلى أبناء القرية، حيث باشرت العمل في عام 1958 بعد أن تركت المدرسة لسبب صحي، حيث حصلت على الشهادة الابتدائية، وأتقنت القراءة والكتابة.

وقد حاولت اكتساب الخبرة من والدي لتعلم طريقة البيع والتعامل مع الزبائن، وأن هذا العمل ليس للربح وغاية لجمع المال بقدر ما يخلقه من فرصة للتعامل مع المجتمع، فلهذه التجارة من وجهة نظري أصول وقواعد أهمها الحرص على رضا الزبون بتقديم بضاعة جيدة ووفق طلبه وحاجته، خاصة أننا نعيش في منطقة ريفية، ولأن عملية الوصول إلى المدينة كانت صعبة ومرهقة، لتكون مهمتي تأمين كل يحتاج إليه الأهالي من الملح والسكر، حتى القماش والزيت والشمع والحبال ومعدات المدافئ، وكل ما يمكن أن يطلب».

من أهالي الكفر سالم الجوهري وفؤاد أبو حسن

الجمع بين القديم والحديث والسداد بعد الموسم عادة لم يطوها الزمن وحرص على إحيائها، يضيف "أبو جميل": «خمسة عقود قضيتها في هذا العمل، لم أفكر يوماً بتبديل طريقتي في الحصول على مختلف أنواع البضائع مهما كانت، وقديماً كنت أسجل احتياجات الزبائن وفق الطلب، وأجمعها قبل كل رحلة إلى "دمشق"، ومع الزمن تابعت بذات الطريقة، أضيف إلى ما لدي من البضائع الجديدة، اليوم نحضر "البوتاس" وهو مادة استخدمت لغسيل الملابس، ونتزود بمسحوق الغسيل، وكذلك الأدوات المنزلية والحبال هي تشكيلة وقائمة طويلة، لكنها الطريقة التي حافظت عليها ليكون متجري تحت طلب الأهالي، ونافذة للحصول على احتياجاتهم، هذا عنوان عملي وتجارتي التي أجدها من أجمل الأعمال التي ساعدتني مع العمل الزراعي على تربية الأبناء وتعليمهم، واكتساب مودة ومحبة أهالي قريتي.

ولأن الربح في معاملة الناس وخلق العلاقة الطيبة بقيت إلى اليوم أتعامل مع الأقارب والأهالي بطريقة السداد بعد الموسم؛ باعتماد الثقة والعلاقة الاجتماعية التي تربطني بهم، ومعرفتي أن المحاصيل الزراعية هي الدخل الوحيد لشريحة كبيرة من سكان الريف، وأتذكر في سنوات قديمة كان السداد قمحاً، وغير ذلك من المحاصيل في أيام كانت عامرة بالخير والبركة».

الدكان بهيئته الحالية والمتنوعة

من أهالي "الكفر" وزوار العمّ "أبو جميل"؛ "سالم الجوهري" موظف متقاعد، تحدث عن أهمية هذه الحالة التي رافقت الزمن، ويقول: «العمّ "أبو جميل" تاجر عرف في قريته بصدق المعاملة وحسن التعامل، ولم يخب أمل أهل القرية به؛ حيث يجدون لديه كل ما يطلبون خاصة ما يطلب لمناسبات معينة، وأنواع مختلفة تفي بالحاجة؛ وعنده تجد عدداً غير محدود، أي بضاعة أسواق متعددة، يلتقي عنده الأهالي من كبار السن، وهم زوار دائمون يجدون حفاوة الاستقبال والترحاب».

"فؤاد أبو حسن" من أهالي القرية، وأحد الزبائن، يقول: «مزارع وفلاح حافظ على علاقته مع الأرض طوال عقود مضت كانت فيها التجارة والزراعة مورد الرزق الحلال الذي استطاع به إيصال أولاده إلى برّ الأمان والحصول على الشهادات العلمية، كما حصل هو على شهادة من أهالي قريته بعمل جسد فيه أخلاق التاجر غير الهادف للربح من بضاعة جيدة ومناسبة، ولديه معلومات عن كل الأبناء وخبير بشؤونهم، وهذا ما أهله للقيام بدور اجتماعي كبير؛ ليكون مشاركاً في مختلف فعاليات القرية وداعماً لها، وبقي الوحيد لسنوات الذي "يكتب الكتاب" للشباب في أفراحهم، والمشارك الأساسي في المناسبات الاجتماعية التي تحتاج إلى الدعم، كما كان الموزع للأقمشة لـ"جهاز" العرائس وفرش المنازل وألبسة الرأس للرجال والنساء».

يذكر أن، "نايف خضير" من مواليد "الكفر"، عام 1930.