من ذاكرة ثرة تبث "اعتدال شقير" متكئة على خبرتها المسرحية قصص وحكايات العصر الجاهلي، لمرتادي المنتديات الأدبية، بعشق لعصر كانت أشعاره ديوان العرب، وخزان علومه وحضارته.

مدونة وطن "eSyria" تابعت جلسات الشعر الجاهلي التي تؤديها بروح البساطة والأسلوب الجميل الذي ينهل من ذاكرة اختزنت بشغف معلقات العرب وشعر الصعاليك ونوادر ذاك الزمن، بهدف إعادة إحياء هذه الأشعار وتقديمها إلى الأجيال الصاعدة، كمن يزيل الرماد عن جمر المعرفة، وإيضاح أهمية هذا العصر وفق الكاتب "كمال عزي" المتابع للتجربة، الذي حدثنا بتاريخ 15 تموز 2016، حيث قال:

لأن المسرح بدأ بأشعار "هوميروس" فأنا منتمية إلى فكرة العلاقة الوطيدة بين الشعر والمسرح، لأن عشقهما كوّن شخصيتي، وإنني حرصت على إظهار هذه العلاقة من خلال مسرحت القصة وروايتها بمشهدية تتلاقى مع ما كان شعراء الجاهلية يقدمونه في سوق "عكاظ" وجلسات الشعر بحالة درامية فنية متكاملة كانت وسيلة التواصل والنقل الممزوج بالعاطفة والحنين والوقوف على الأطلال، وعشق فتاة الحي، ومدح الملوك، والرثاء، والهجاء، وهنا لا أنكر أنني كنت متعاطفة مع شاعر مثل "الحطيئة" وقصته مع المجتمع مجتمع ذاك الزمان الأرستقراطي، وكيف أثبت حضوره بشعره. وأثر لامية العرب في "استمزاجي" للشعر والتعلق به والتبحر في معانيه، ونقلها إلى رواد المنتديات وفق ما راقني، ونهلت منها الحكمة والمعلومة الصافية المنهل، بالتالي فحالة التمثيل جسر العبور لكل من تابعني

«بالعودة إلى دراسة الأدب الجاهلي سنجد من القيم والصفات الإنسانية ما يكفي لدراسة تاريخ شعوب ضربت جذورها في الأرض، ورفعت هاماتها إلى السماء، وقد عُنيت الفنانة "اعتدال شقير" -ولأكثر من مرة- بتقديم دراسة عن شعر المعلقات مع سرد مفصل لقصة الشاعر ومعلقته بأسلوب مسرحي جميل؛ لتنقل الظروف الاجتماعية والتاريخية التي أحاطت بالحدث في ذلك الحين، وكان لها الفضل الكبير في إيضاح أهمية هذا الأدب والبيئة التي نتج ضمنها.

الكاتب كمال عزي

هنا هي لم تكن "قابلة" ولا طبيبة نسائية، لتعين مولوداً سيأتي إلى الحياة، بل كانت كمن يزيل الرماد عن الجمر ليساعد طائر الفينيق على النهوض من جديد.

حفظت المعلقات وشعر الصعاليك وروته، هواية تتكامل مع عشقها للمسرح الذي رافقته أكثر من ثلاثة عقود؛ وفق ما حدثتنا به الفنانة "اعتدال شقير" ضيفتنا على هذا المنبر، وقالت: «عشقت معلقات العرب منذ الصغر وحفظتها سرداً يمتع نفسي ويأخذني إلى عالم جميل، جمعت من قصص شعرائه الكثير، ومن حوادث وثقت بأشعاره ما يحرضني على البحث.

الفنانة اعتدال شقير

ومع الزمن شعرت بأن هناك تقصيراً بالتعريف به، إذ يعد ديوان العرب خزان حكمتهم وعلومهم، ومستنبط آدابهم. ومن خلال هذا الشعر استحقت اللغة العربية الوصف؛ لغة الشعر والجمال، ولابد لنا من العودة إلى هذا الموروث الغني؛ نقدمه للأجيال ليتعرفوا بهذا الكنز الثقافي الجمالي الثمين، وكانت فكرتي التي طرحتها على الشاعرة "ليندا عبد الباقي" صاحبة منتدى "ليندا الثقافي"؛ أن يكون لهذا الشعر نصيب ألقي منه ما أحفظ وأقدمه برواية متضمنة قصة الشاعر، ومناسبة إلقاء القصيدة، والحادثة، وغيرها من التفاصيل التي تنفض الغبار عن مدخرات تلك المرحلة.

وكانت البداية منذ ثلاث سنوات لتكون لي جلسات شهرية شبه منتظمة في ملتقى "ليندا" ومنتدى "جذور"؛ ألقيها على مسمع مرتادي هذه المنتديات بطريقة تتلاقى بداية مع عملي الفني المسرحي الذي امتد لما يزيد على ثلاثة عقود.

المهندس وائل أبو عاصي

أنتقي من جواهر العصر الجاهلي أجمل المعلقات وأغناها فكراً وحكاية بطريقة ارتجالية من دون الاستعانة بأي مخطوط، هنا أنتقل مع جمهوري إلى ذاك العصر بأسلوب بسيط أجمّله بعذوبة المفردة وجمال الرواية لتجاوز ثقل اللغة وصعوبتها، وتقديمها بما يمتع المتابعين، ويحقق رغبتي في التعريف بما جمعت من معلقات تمتعني على المستوى الشخصي، ولدي رغبة دائمة بمشاركة جمهوري بها لتعميم الفائدة».

بين المسرح والشعر علاقة تصفها بالوطيدة؛ لكونه بوابة العبور إلى عالم الرواية الارتجالية القادرة على تحقيق الهدف، كما أضافت بالقول: «لأن المسرح بدأ بأشعار "هوميروس" فأنا منتمية إلى فكرة العلاقة الوطيدة بين الشعر والمسرح، لأن عشقهما كوّن شخصيتي، وإنني حرصت على إظهار هذه العلاقة من خلال مسرحت القصة وروايتها بمشهدية تتلاقى مع ما كان شعراء الجاهلية يقدمونه في سوق "عكاظ" وجلسات الشعر بحالة درامية فنية متكاملة كانت وسيلة التواصل والنقل الممزوج بالعاطفة والحنين والوقوف على الأطلال، وعشق فتاة الحي، ومدح الملوك، والرثاء، والهجاء، وهنا لا أنكر أنني كنت متعاطفة مع شاعر مثل "الحطيئة" وقصته مع المجتمع مجتمع ذاك الزمان الأرستقراطي، وكيف أثبت حضوره بشعره.

وأثر لامية العرب في "استمزاجي" للشعر والتعلق به والتبحر في معانيه، ونقلها إلى رواد المنتديات وفق ما راقني، ونهلت منها الحكمة والمعلومة الصافية المنهل، بالتالي فحالة التمثيل جسر العبور لكل من تابعني».

وعن انتقاء القصة أو الشاعر تضيف أن ديوان الشاعر مصدرها الأول، وتقول: «من يبحث في ديوان الأشعار يجد من جمال القصص ما يأسر القارئ، وقد تبعت في هذا الانتقاء أهمية المغزى وما يقدم صوراً عن الحالة الاجتماعية والإنسانية في ذاك العصر، ومنظومة القيم التي تعيدنا إلى مآثر يجدر الاقتداء بها وفهم مصادرها، ففي بداية الرواية انطلق من النسب تبعاً لاهتمام العرب بالنسب، وبعدها إلى لقب الشاعر وسببه؛ وفي ذلك جمالية ومتعة، ومن قصة حياة الشاعر وتميزه سواء كان فارساً وثق بطولاته ونسبه أو ضعيف النسب والفروسية مكّنه الشعر من بلوغ مرتبة اجتماعية وحضور اجتماعي.

لكنني ومن خلال هذه الجلسات أمارس هواية نقلتها إلى أولادي وعدد من الأصدقاء والمتابعين؛ وهو ما يخلق لدي حالة من الرضا أتوج بها عملي المسرحي الذي تجاوز عقده الثالث وباشرته أثناء دراستي الثانوية، وكنت من أوائل الفتيات المشاركات بالعمل المسرحي على ساحة المحافظة، وانتسبت إلى عدة فرق مسرحية، وبقيت وفية له، وكانت آخر المسرحيات مسرحية أديتها "الاستيلاء"، إخراج الأستاذ "سمير البدعيش". وأتابع مع التمثيل تقديم جلسات الشعر الجاهلي لأنتقل في مرحلة قادمة إلى الشعر العباسي والأموي لأكمل مشروعي الثقافي الذي أقدمه متطوعة بمحبة وشغف.

من خلال مقهى "جذور" في "السويداء" تنتظم على تقديم جلسات شهرية وصفها المهندس "وائل أبو عاصي" بالحالة الإبداعية، وهو أحد المنظمين والمتابعين لهذه الجلسات، وقال:

«اختلف الباحثون على حقيقة تسمية المعلقات، منهم من قال: سميت معلقات لأنها شعر نفيس يعلق بالأذهان، وآخرون قالوا لأنها كتبت بماء الذهب وعلقت على أستار الكعبة، وعندما سمعت المعلقات على لسان الفنانة "اعتدال شقير" رجّحت أن تكون التسمية فعلاً لأنها أشعار نفيسة تعلِّق بالأذهان.

فكما تميزت بحضورها الجميل الراقي على خشبة المسرح، كانت أيضاً متميزة بحفظها ونقلها للشعر الجاهلي، حيث أخذت على عاتقها أمر تعريف جيل شاب بجمال اللغة العربية والشعر الجاهلي، وحفزت في عقول الجميع العودة إلى الإرث اللغوي والشعري البديع في الشعر الجاهلي بفترة ترهل الاهتمام باللغة العربية.

على هذا المنبر نتعرف أكثر إلى قامة اعتدنا أن تكون دوماً في المقدمة ولا تتوانى أن تتحفنا بإبداعات دائمة».

الجدير بالذكر، أن الفنانة "اعتدال شقير" من مواليد "القريا" 1960، عضو نقابة الفنانين، ومن أوائل صديقات خشبة المسرح المؤديات لأعمال مسرحية مميزة لغاية هذا التاريخ، ونالت عدداً كبيراً من الجوائز والتكريمات.