تعلّم على يدي جدته فنّ خياطة الزي العربي للنساء، متقناً تصميم الثوب و"المملوك"، لتكون مهنته الوحيدة التي تطور فيها مع هوايات جديدة تسير في مسار المحافظة على التراث بأنواعه.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 نيسان 2016، زارت مشغله المطعّم بروح التراث، والتقت زبائنه من نساء يعرفن الأناقة بوصف هذا الثوب ومن يخيطه شخص له حظوة وتميز لكونه يحافظ على تراث وذاكرة مجتمع، وفق حديث "نجاة حمزة" التي ارتدت الزي من خياطة هذا الشاب، ووصفته بالفنان، حيث قالت: «لا ننكر أن تطور الزمن ترك بصماته على أزياء النساء في منطقة "جبل العرب"، وظهر ذلك خلال العقود الماضية بتراجع نسبة الراغبات بارتداء الزي العربي، لكن على المقلب الآخر بقيت كبيرات السن متمسكات بارتداء "التنورة العربية" وما يميزها من قصتها القديمة والتقليدية ونوع الأقمشة وجمال اللون، وأن يتوافر في المدينة شاب يهوى هذا النوع من التفصيل، تناسب مع رغبة سيدات كثر ليجدن من ينتج بيديه قطعة تراثية جميلة تناسب العصر وتحقق شرط الأناقة.

في منطقتنا نساء كثيرات أتقن خياطة البدلة العربية، وبالمصادفة تعرفت إلى الخياط "تيسير" وشاهدت العمل المتقن والطريقة التراثية الجميلة التي يقدمها، فهو لا يخيط لغاية الخياطة بقدر ما هو مهتم بالمحافظة على هذا الزي الجميل، وبالنسبة لي ولأخواتي وعدد كبير من أقاربي هو الخياط المفضل، وقد جهز أثواباً متعددة للعرائس اللواتي يرغبن بارتداء "الزي العربي"، واليوم جلبت ثوباً لعروس شابة، لأن هناك شابات اخترن العودة إلى الزي، وهو الخياط القادر على تقديمه بشكله المنسجم مع رؤية العصر، والأجمل أنه مستعد لمستلزمات إكمال الزي مثل "الطربوش" التقليدي لتظهر العروس في حفلات عقد القران بهذا الزي بحضور رجال الدين؛ لكونه لباساً مميزاً ومحتشماً

وبالنسبة لي، فقد اختبرت خياطته منذ سنوات طويلة، وكنت أكلفه بالخياطة منذ أن باشر العمل في المنزل بعد أن رأيت أثواب والدته المميزة، ومن خلال مشغله صمّم لي قطعاً متميزة تظهر قدرات فنية جميلة، ولأنني مهتمة بالجمال والفن، فقد وجدته متمكناً من مهنته إلى درجة متقدمة، ويكفي أن نرى المشغل لنلمس تعلقه بالتراث ونجد لديه قطعاً يعيرها للعرائس مثل "الدامر" القديم، ولديه خبرة في شك الطربوش الذهبي، ويتعمق بكل ما يكمل الزي ويجمله».

نجاة حمزة

هواية "تيسير شروف" صقلها وطورها لتتحول إلى مهنة أفرد لها الاهتمام وتفرد بها لسنوات طويلة كشاب يمتهن خياطة "الزي العربي" النسائي؛ وفق حديثه، وقال: «كنت أراقب جدتي من والدتي بعمر مبكر، وتعلمت على يديها طريقة عمل ماكينة الخياطة واستعمال الإبرة والخيط، وبعمر الخامسة عشرة صمّمت أول قطعة كانت فستاناً لوالدتي بمساعدة جدتي، ومن بعدها أخذت أتجرأ على قص القماش لأطبق ما يسمى "العروض"؛ وهو الجزء السفلي من الفستان، وأطبق "المملوك"؛ وهو القطعة الثانية من الثوب مع التكسير.

وبقيت أمارس العمل كهواية ولم يخطر ببالي يوماً أن أمتهن هذه المهنة التي سأتعامل بها حصراً مع شريحة من السيدات خاصة كبيرات السن، وبعد الشهادة الثانوية اتجهت إلى العمل في المنزل وتفرغت بالكامل لذلك، فقد أصبحت أمي ترتدي فساتين من خياطتي، وبمعرفة الجارات والأقارب بدأت أستقبل الأقمشة بكثرة، وارتبطت أكثر بهذه الهواية.

الخياط تيسير شروف

وجمال "التفصيلة" جذب نساء جدد لأخيط "البدلة العربية" للعرائس وكبيرات السن، والقميص المرافق للبدلة، وكنت أبتكر تكوينات جديدة لصدر "التنورة" الذي يجعلها أكثر تميزاً وجمالاً».

الانتقال وتأسيس مشغل فكرة شجعته عليها النساء اللواتي استفدن من خياطته، حيث يضيف: «لم تعد غرفة تكفي لإنجاز العمل في المنزل، وكانت النصيحة التي تلقيتها من زبائني؛ الانتقال إلى مشغل مستقل، تأخذ تفكيري، وبالفعل ومنذ عشرين عاماً انتقلت للعمل وسط السوق؛ لأبقى عدة سنوات الخياط الوحيد للزي العربي في المحافظة، ليتبعني بالمهنة منذ عامين أو أكثر خياطون جدد من الشباب؛ في الوقت الذي كانت المهنة منذ القدم حكراً على النساء.

من مقتنياته التراثية في مشغله

ولغاية هذا التاريخ أعمل في مشغلي الخاص، وحاولت أن يكون للمكان نمط تراثي ينسجم مع فكرة العمل لكوني تخصصت بهذه الخياطة، لتكون القطع المتوافرة غير الماكينات صناديق وخزائن خشبية قديمة، واحتفظت بالماكينات القديمة، وأول ماكينة تعلمت عليها لتبقى ذكرى لبداية العمل. وسعيت إلى التجديد مع تنوع الأقمشة والاهتمام بذوق الزبونة، والحالة التي ترغبها لقصة الصدر، وغيرها من التفاصيل، ووجدت فرصة كبيرة للتجديد في الاستفادة من قصات عصرية لتكون "البدلة" مناسبة لعمرها ورغبتها.

ومنذ عدة سنوات ولاهتمامي الكبير بالتراث واقتناء قطع متميزة من الأزياء التراثية، حصلت على قطع منها يدعى "الدامر"؛ وهو "جاكيت" من قماش المخمل مطرز بطريقة تراثية دقيقة بخيوط ذهبية، ارتدته عروسي مع الزي العربي، وكانت قطعة مميزة أحتفظ بها وأعيرها لمن تطلبها، وقد تعلمت إضافة إلى ذلك طريقة شكّ وتكوين الطربوش الذهبي على الرأس الذي يكمل الزي ويغطى بـ"الفوطة" الشفافة، لتقصدني السيدات لتجديد خياطة الطربوش ورصّ القطع الذهبية عليه، وقد استعنت بقطعة مقلدة من الطربوش لتلبية حاجة العرائس ومن ترغب بارتداء الزي الشعبي، ولدي عدة قطع مميزة منه وأزيدها باستمرار، إلى جانب رصيد كبير من القطع التراثية التي أعرضها في منزلي».

من قرية "شنّيري" بجوار مدينة "صلخد" تزوره "ابتسام الحجار" لخياطة "البدلة العربية"؛ وفق ما حدثتنا: «في منطقتنا نساء كثيرات أتقن خياطة البدلة العربية، وبالمصادفة تعرفت إلى الخياط "تيسير" وشاهدت العمل المتقن والطريقة التراثية الجميلة التي يقدمها، فهو لا يخيط لغاية الخياطة بقدر ما هو مهتم بالمحافظة على هذا الزي الجميل، وبالنسبة لي ولأخواتي وعدد كبير من أقاربي هو الخياط المفضل، وقد جهز أثواباً متعددة للعرائس اللواتي يرغبن بارتداء "الزي العربي"، واليوم جلبت ثوباً لعروس شابة، لأن هناك شابات اخترن العودة إلى الزي، وهو الخياط القادر على تقديمه بشكله المنسجم مع رؤية العصر، والأجمل أنه مستعد لمستلزمات إكمال الزي مثل "الطربوش" التقليدي لتظهر العروس في حفلات عقد القران بهذا الزي بحضور رجال الدين؛ لكونه لباساً مميزاً ومحتشماً».

ومن ذكريات الخياط "تيسير شروف" الذي ولد عام 1968 في مدينة "السويداء"؛ أنه قد تقاضى أجراً لم يتجاوز مئتي ليرة سورية لأول بدلة قام بخياطتها.