هي ابنة منطقة "اللجاة" التي تربّت بين الأشجار، وتعدّ من أوائل السيدات اللواتي امتهنّ تقليم أشجار الزيتون؛ متسلحة بثقة والدها وخبرة زوجها، فساهمت معه في بناء بيت عماده العلم.

مدونة وطن "eSyria" التقت مساعدة المهندس الزراعية "سهام عامر" يوم الأربعاء الواقع في 25 آذار 2015، وهي المولودة في قرية "حزم" عام 1963؛ حيث تحدثت عن فكرة أنها امرأة وتقوم بعمل الرجال، فقالت: «يعدّ العمل في تقليم الأشجار صعباً وقاسياً على يد المرأة، وهو أمر غير مألوف في منطقتنا، لكن العادة الدائمة في القبض على "المقراط" يجعل اليد تتكيف مع صعوبة مسكه والتعامل معه بكافة الأحوال، وأنا ولدت في قرية يمتهن أهلها الزراعة، ولم أجد مانعاً من قبل والدي الراحل على الاعتناء بالأشجار المثمرة المنتشرة حول المنزل، بل على العكس من ذلك كان يرشدني ويشجعني ويعلمني بعض ما اكتسبه من الحياة».

قد تكون هذه المرأة المكافحة أول امرأة في الجبل تتقن فنون التقليم، وتعمل برفقة زوجها في البساتين للعناية بالشجر، وهو ما أعطى الدافع للكثيرات من العاملات في المجال الزراعي لكي يمارسن هذه المهنة الصعبة التي تحتاج إلى العلم والمعرفة والخبرة، وهي التي اقتصرت على الرجال فقط حتى جاءت لتكسر هذا التقليد

كان المعهد المتوسط الزراعي الذي اختارته لتكمل تعليمها مكملاً لهوايتها من خلال الجولات النظرية والعملية التي قامت بها طوال سنتين، وتقول: «تخرجت في المعهد عام 1988، وتم تعييني في إرشادية قريتي التي رحت من خلالها أمارس عملي على أشجار الزيتون ودوالي العنب المنتشرة بكثرة فيها، وكنت في البداية أشتغل على ما علّمنا إياه مدرّسونا في المعهد، ومع الوقت اكتسبت بعض الخبرة في التعامل مع الشجر، غير أن لكل صنف طريقة، ولكل شجرة أسلوباً في التعامل حسب سنّها وظروفها، وهي تحتاج إلى التعليم والمتابعة الدائمة، وفي كل مرحلة من العمل كنت أتعلم الجديد؛ فبعد إرشادية "حزم" عيّنت في "مشتل نمرة"، وبعدها في "مصلحة زراعة شهبا" التي اكتسبت منها الكثير، وبعد ذلك في إرشادية "أم الزيتون" حيث أتابع عملي مع زوجي المهندس "عادل الجرماني" وأساعده في المشاريع التي يعمل بها، ومن خلالها استطعنا أن نتغلب على ظروف الحياة الصعبة وخاصة خلال السنوات الأربع الماضية؛ حيث كان ابني الكبير "علاء" يدرس الهندسة في جامعة خاصة ويتطلب المال الكثير، إضافة إلى ابنتي الوحيدة "ليندا" التي تدرس الصيدلة في جامعة "دمشق"، ولدينا آخر العنقود "رئبال" الذي يتعلم المعلوماتية».

المقراط بين يديها يقلم أغصان الزيتون.

وعن خبرتها في هذا العالم وقدرتها على المتابعة أضافت: «من المعلوم أن شجر الزيتون يحتاج إلى تأسيس جيد عند بداية تربيته من خلال الفروع الهيكلية التي تكون الأساس في بناء الشجرة، وعندما نبدأ في التقليم نطلق عليه تقليم التربية؛ وهو يبدأ من عمر سنة ولمدة خمس سنوات، أما تقليم الإثمار فالقاعدة الأولى فيه تتمثل بمعرفة الفروع الحاملة للثمار من غيرها، وهناك ثلاث طرائق أساسية للتقليم أولها تخفيف الفروع المتشابكة مع بعضها، وثانياً تقليم الفروع اليابسة، وثالثاً إزالة الفروع الملامسة للأرض،هذه هي المبادئ الأساسية، وهناك مع الخبرة الطويلة يكتسب المرء الراية بالنوع وما يحتاج من عناية، وكذلك الأمر بالنسبة للأمراض التي تصيب الزيتون؛ وهو في غاية الأهمية للمحافظة على الشجرة وجعلها تعطي الثمار بصورة دائمة».

وقد برزت علاقتها بمنطقة "اللجاة" لأنها عاشت فيها زمناً طويلاً وشربت من مياه آبارها العذبة، وتصادف أن يكون زوجها من عشاق المنطقة، فامتلأت بالحب والحنان لتلك الصخور، وقالت: «ليس سرّاً أن هذه المنطقة تضم كنوزاً لا تحصى، وقد تعرّفت خيراتها من قريتي التي تضم ما يزيد على خمسين بئراً محفورة في الصخر، وفيها من الأشجار البرية والفرعونية الكثير، وتتميز أرضها بالنباتات النادرة، وعندما تزوجت اكتشفت تعلق زوجي بهذه القطعة الفريدة، فاكتسبت جرعة إضافية لحبها، وفي كل خطواته أستدل على شيء جديد عندما يقتنص معرفته من أرضها البكر».

قرية حزم التي ولدت فيها.

وتحدث زوجها المهندس الزراعي "عادل الجرماني" عن عمل زوجته وكيفية التعاون فيما بينهما قائلاً: «لا شيء يصعب عليها في العمل؛ وهي التي اكتسبته منذ أن كانت طالبة في المعهد، وتتميز بالفضول الدائم لمعرفة أحوال الشجر وما يصيبه وكيفية العلاج، وفي المنزل تتسلق السلالم العالية من أجل تقليم دوالي العنب والعناية الدائمة بها، وعندما أشرف على بساتين المزارعين للتقليم تكون معي يدي في يدها تساعدني لكي أنجز العمل بسرعة، فهي أم مثالية وزوجة مكافحة، ولها نفس الهواية في معرفة أحوال الشجر والنبات، والنادر الذي ينبت في منطقة "اللجاة"».

لا تكتفي المهندسة "رهام مرشد" بالحديث عن لغة الإبداع في عمل "سهام عامر"، وقالت: «قد تكون هذه المرأة المكافحة أول امرأة في الجبل تتقن فنون التقليم، وتعمل برفقة زوجها في البساتين للعناية بالشجر، وهو ما أعطى الدافع للكثيرات من العاملات في المجال الزراعي لكي يمارسن هذه المهنة الصعبة التي تحتاج إلى العلم والمعرفة والخبرة، وهي التي اقتصرت على الرجال فقط حتى جاءت لتكسر هذا التقليد».

المهندس الجرماني خبير الزيتون المعروف.