نقل "سعيد صلاح" من تفاصيل الحياة في قريته "سهوة بلاطة" رصيداً كبيراً من تراثها وحياتها الاجتماعية، فسجل مواقف وحالات اختزنها في صور، وأصبحت وثائق عن مراحل زمنية عديدة، ومازال مستمراً في التوثيق.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 18 أيار 2015، التقت "عماد مان الدين" من أهالي القرية ومشرف على الفرقة الشعبية للفنون فيها، الذي تحدث عن "سعيد صلاح" والحالة الاجتماعية التي أنشأها في القرية من خلال تنقله بآلة التصوير مسجلاً ذكرياتنا، ويقول: «ذكريات كثيرة جمعها "سعيد صلاح" برغبة ذاتية ليؤلف أرشيفاً منوعاً وغنياً عن حياة القرية ومختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية فيها، فهو لم يسخر موهبته كمصور يعمل في المناسبات والحفلات لغاية توثيقها لأصحابها فقط، بل كان له خياره الشخصي في العمل لتشكيل لوحة فوتوغرافية متعددة الفصول فيها من أهالي القرية؛ الشيوخ والشباب والأطفال ورجال الدين والهيئات المحلية وغيرهم، فلا تجد شخصاً في القرية إلا وله صورة بمناسبة ما في أرشيف "صلاح".

مع بداية القرن الحالي أخذت أكثف جولات التصوير بالمقارنة مع زيادة الفعاليات وكثافتها خاصة المرتبطة بأنشطة القرية ومشاريعها الاجتماعية المشتركة؛ ليكون في كل الألبومات الحديثة تجربة للمقارنة بين ما كان وما نحن عليه اليوم، ومع أنني احترفت التصوير في هذه المرحلة إلا أن لعملية التوثيق الأهمية الأولى في التحضير لعمل توثيقي أحمله رسائلي إلى المجتمع والحياة وكل ما التقطت عدستي عبر هذه السنوات

وقد تعاملت معه عن قرب خلال الإشراف على فرقة الفنون الشعبية، فكان متعاوناً جداً، وقام بحفظ الكثير من صور الفرقة في مناسبات مختلفة، لتبقى ذكرى جميلة لمشاركات أبناء القرية في فعاليات ثقافية مختلفة وتوثيق نشاطاتهم والمتابعين لها بلقطات معبرة وكافية لتقديم معرفة عن تلك المرحلة بكل تفاصيلها».

من لقطات سعيد صلاح

من عشقه للحياة الاجتماعية وتراث قريته اتجه إلى التصوير كوسيلة لتوثيق الحالات الإنسانية في القرية، يحدثنا المصور "سعيد صلاح": «لأنني ابن قرية وجدت فارقاً كبيراً بيني وبين أطفال المدينة، فعندنا يحظى الطفل بمساحات واسعة من الحياة الاجتماعية والتلاقي الصرف مع الطبيعة ومع الفلاحين ومواسم الحصاد والقطاف وتساقط الثلوج والأمطار، وكيف يتعامل أهالي القرى مع هذه التفاصيل، كل ذلك خلق حالة من المتعة ليكون للصور في ذاكرتي حيز كبير، ومنذ الطفولة اتجهت إلى التصوير بما توافر لدي من كاميرا بسيطة (فيلم 36 صورة)، ولم أمتلك كاميرا احترافية إلا بعد حصولي على الشهادة الثانوية، حيث اشتراها لي صديقي من "بيروت" في ذلك الزمن بمبلغ 25 ليرة سورية، فكانت غالية جداً بالنسبة لظروفي الاقتصادية، إلا أنها خطوة مفصلية في حياتي مكنتني من التماهي مع مشروعي في حفظ كل ما يدور في قريتي بروح الجامع لرصيد غني ومتفرع تتداخل في تكوينه الحياة الزراعية القديمة والحياة الريفية بكل طقوسها، والبحث الدائم في تلك العمارات القديمة التي تحكي عن مراحل زمنية مضت، فكنت أخاف من ضياع تلك الصور؛ فلجأت إلى التصوير كوسيلة للاحتفاظ باللقطة ونقلها إلى الأجيال القادمة وكل من بحث في تاريخ قريتي».

آلاف الصور في رصيده ليكون مرجعاً لكل من بحث عن معلومة ومعرفة ترتبط بقرية "سهوة بلاطة" موثقة بالتاريخ والمعلومات، ويضيف: «هذا الرصيد بالنسبة لي محسوب بقيمة وجوده وليس بالعدد، واليوم أبحث في ألبومات وصور ظهرت واحتفظت بها كصور فوتوغرافية جميلة لمناسبات لا تتكرر، وكنت في كل مرحلة أحتفظ بنسخ منها، اليوم صنفت آلاف الصور وفق نموذج خاص اعتمد على الموضوع والمرحلة الزمنية، وبذلك يكون الأرشيف جاهزاً ليقدم لكل باحث إعلامي أو موثق دارس أو غير ذلك، لكن المفيد اليوم أنني مع أهالي قريتي نناقش فكرة الاستفادة من هذا الرصيد لحالة توثيقية واسعة نتعاون فيها مع أصحاب الاختصاص؛ ليكون لكل موضوع تتمة ودراسة مقارنة مع الشخصيات التي كانت ضمن الصور، ففي هذه القرية قصص عائلية واجتماعية تستحق الإضاءة عليها لنقدمها لجيل الشباب كما حدثت في عصرها».

لقطات سعيد صلاح للبلدة القديمة

التوثيق الحالي تنوع ومتابعة يومية للفعل الاجتماعي؛ كما حدثنا "سعيد صلاح" بالقول: «مع بداية القرن الحالي أخذت أكثف جولات التصوير بالمقارنة مع زيادة الفعاليات وكثافتها خاصة المرتبطة بأنشطة القرية ومشاريعها الاجتماعية المشتركة؛ ليكون في كل الألبومات الحديثة تجربة للمقارنة بين ما كان وما نحن عليه اليوم، ومع أنني احترفت التصوير في هذه المرحلة إلا أن لعملية التوثيق الأهمية الأولى في التحضير لعمل توثيقي أحمله رسائلي إلى المجتمع والحياة وكل ما التقطت عدستي عبر هذه السنوات».

باشر مشروعه منذ الطفولة وطعمه بكل جديد، ومع نضجه نضجت الفكرة لتأخذ اليوم مسارها الثقافي الجميل المرتكز على حرفية وقدرات فنية عالية؛ كما تحدث المغترب "رياض صلاح الحناوي" من أبناء القرية (إجازة تجارة واقتصاد)، وقال: «عند "سعيد صلاح" تطورت الهواية لمشروع ثقافي نحصد اليوم نتائجه؛ فمن كان يتوقع أننا سنبحث عن لقطات اتخذت منذ عقدين أو ثلاثة لتكون متممة لوثيقة تاريخية أو اجتماعية، وقد كانت له بصمات واضحة في هذا العمل الفردي الذي قدم له جهداً ذاتياً صرفاً غذاه من ثقافته الخاصة واحتياجه إلى تقديم أفكار جديدة تعزز قيم المجتمع وتطوراته المختلفة وفق تصنيف زمني قريب، ليكون للأجيال القادمة نصيب في هذه الذكريات والقصص والحكايات التي تكتمل فيها مواصفات الدقة والعمل الفني المتميز، وفي الأغلب فهذا الرصيد هو المرجع الذي نعود إليه عند البحث عن مناسبة أو حدث في هذه القرية، مع أنه لم يغادر القرية إلا سنتين أو ثلاث سنوات، وحرص أن يوثق المكان والمواقف الصغيرة والكبيرة وحملها من عشقه لهذه القرية الكثير، وطعمها بتجاربه التي عكست حالة من الجمالية والفن المطلوب لهذه التجربة».

المغترب رياض صلاح

الجدير بالذكر، أن "سعيد صلاح" من مواليد 1967، حاصل على الشهادة الثانوية، اختبر عدة أعمال وفي النهاية احترف التصوير.