عرفت المعلمة "عدلة النمر" مربية ناجحة لم تترك العمل الزراعي حرصاً منها على مساندة زوجها، كما أنها المواظبة على العمل اليدوي مستفيدة من توالف الأقمشة والصوف.

تربية ثمانية أولاد والقيام بواجبات الأسرة والعمل الزراعي؛ كل هذا لم يمنعها من الدخول في مشاريع تدوير الأقمشة التي تعد العنصر الأهم والفاعل في إنجاحها؛ هذا ما حدثتنا به السيدة "جنان كمال الدين" صاحبة مشروع "نساء تعدن الحياة" لتدوير الأقمشة الذي تنتسب إليه السيدة "عدلة النمر"، وقالت: «لن أتحدث عن والدتي هنا من منطق العاطفة ورعايتها لأسرة كبيرة العدد بفكر متحضر وعاطفة لا مثيل لها، بل سأنير على أفكارها التي ارتبطت منذ عقود طويلة بالعمل المتواصل من خلال رعاية حديقة منزلية تكفي العائلة من مختلف أنواع الخضراوات الصيفية والشتوية، لتكون السيدة المدبرة التي تكاتفت مع زوجها لتحقيق اكتفاء ذاتي، ولم تجعله عائقاً أمام هواياتها بالعمل اليدوي ابتداء من حياكة الصوف للتطريز وفنون الصنارة.

سنوات العمر لم تمنع الخالة "أم أيمن" "عدلة النمر" من إنتاج عمل يدوي جميل ومميز نلتقيها لنجد لديها كل ما هو جديد هنا؛ من تصميم وإرادة وخبرة واسعة في إنتاج القطبة والحياكة، والعمل على النول التي صممته يدوياً، وتقديم تصاميم، والأهم من ذلك الاستفادة من الوقت بطريقة مختلفة، فلديها للوقت قيمة ولا تعجز عن التجربة وتكرارها لتكون منتجة لمشاريع يصلح اتباعها خاصة في هذه الفترة التي نحتاج فيها للاستفادة من كل ما لدينا بما هو مفيد وجميل

وقد علمتني وأخواتي طرائق يدوية جميلة جعلتني أرتبط بهذا العمل، وشاركت بعمر متقدم بمشاريع كبيرة لتدوير الأقمشة. تميزت خلال معرض "أبناء الجولان" بما قدمته من مفارش يدوية أنتجتها من أقمشة تالفة لتسدل عليها رؤيتها الفنية وتنتجها بأبهى الصور، وهي اليوم عنصر فاعل في مشروعنا "نساء يعدن الحياة"؛ حيث تمدنا بأفكار وتجارب العمل اليدوي للمفارش والوسائد وأنواع مختلفة وأفكار نقدمها لسيدة المنزل لتستفيد منها وتطبقها، وتتمكن من تخفيف التكاليف والاستفادة من كل ما لديها من بقايا أقمشة وصوف تنقلها من حالة الإهمال إلى منتج فني جميل».

السيدة عدلة النمر تعرض من أعمالها اليدوية سلات الورود من الأقمشة

دراسة دار المعلمات في "درعا" وعملها المنزلي الزراعي واليدوي كان محور الحديث الذي خصتنا به السيدة "عدلة النمر" عند زيارتنا لمنزلها الكائن بجوار طريق "قنوات"، بتاريخ 4 كانون الأول 2014، وقالت: «خلال الفترة التي حصلت فيها على الشهادة الإعدادية؛ شجعني خالي المفكر والأديب "سلامة عبيد" على الانتساب لدار المعلمات في مدينة "درعا"، وهذا ما كان، ومارست العمل التربوي حوالي ثلاثة وثلاثين عاماً أعتز بها، وبما حقق لي هذا العمل من حضور كبير كان عماده العمل المخلص.

وكنت معلمة وعاملة حقيقية في المنزل أقتنع أن واجبنا كربات منازل الاتجاه للزراعة وتحقيق حالة من الاكتفاء الذاتي لأحافظ على حديقة منزلية متنوعة، وغنية وساعدت زوجي في العمل بأرض تصل مساحتها إلى خمسين دونماً في منطقة "ظهر الجبل" هي اليوم مشروع تفاح منتج، ولغاية هذا التاريخ أعمل مع زوجي يومياً.

السيدة جنان كمال الدين

وكل ذلك لم يحل دون تطبيق هواياتي بالعمل اليدوي الذي ارتبطت به وكان فرصتي الكبيرة لأتمكن من صناعة ألبسة أولادي الثمانية، وكنت في كل عيد أحيك الفساتين للبنات، وكل موسم أحيك لكل الأولاد الثياب الصوفية بتصاميم جميلة ولافتة، ومع كل مرحلة كنت أتجه لنوع من العمل اليدوي فقد نصبت النول وصنعت سجادة يدوية عرضتها عام 1973 في "درعا" ونالت جائزة التصميم، ولغاية هذه المرحلة لا أستخف بأي قطعة قماش أو أي نوع من الأصواف أحتفظ بها وأدخلها في أفكار جديدة لأنتج من الأقمشة التالفة قطعاً أنظمها بدقة وأخيطها بعناية لتكون صالحة للاستخدام في المزرعة والبيت».

وتتابع: «خلال السنوات الماضية عملت في مجال تدوير الأقمشة ليكون لدي اليوم رصيد كبير من المفارش أحدها قدم هدية للسيدة الوزيرة باسم المعرض أثناء زيارتها لمعرض المنتجات البيئية العام الحالي، وكان من القطع الفنية المميزة التي استفدت فيها من بقايا القماش لتشكل لوحة فنية تحكي حكاية جبل العرب بأسلوب فني جميل، واليوم أنتج عدة مفارش لمصلحة مشروع "نساء تعدن الحياة" لتقدم في معارضه مع أنني لم أنتج يوماً قطعاً يدويةً بهدف البيع، بل حرصت على الإنتاج لتعليم النساء أننا بالعمل نكافح الفراغ وننتج حياة أفضل للأسرة، فالعمل بديل جيد ومنتج أكثر من الأحاديث الهاتفية والزيارات وتقطيع الوقت وهذه وصية أنقلها للفتيات وربات المنازل، ويدا المرأة القادرتان على إنتاج الحياة بتربية أولادها قادرتان على استثمار كل ما لديها لتزين منزلها وتعد مستلزماته؛ فالعمل بناء للحياة وتجميل حقيقي لها».

السيدة عدلة تعرض مفرشاً صنعته بعناية وذوق

السيدة "كارميلندا رسلان" المهتمة بأعمال تدوير الأقمشة وصاحبة فكرة بنك الأقمشة في "السويداء" أخبرتنا عن جودة العمل الذي تنجزه السيدة "عدلة" وما لديها من أفكار مميزة بالقول: «سنوات العمر لم تمنع الخالة "أم أيمن" "عدلة النمر" من إنتاج عمل يدوي جميل ومميز نلتقيها لنجد لديها كل ما هو جديد هنا؛ من تصميم وإرادة وخبرة واسعة في إنتاج القطبة والحياكة، والعمل على النول التي صممته يدوياً، وتقديم تصاميم، والأهم من ذلك الاستفادة من الوقت بطريقة مختلفة، فلديها للوقت قيمة ولا تعجز عن التجربة وتكرارها لتكون منتجة لمشاريع يصلح اتباعها خاصة في هذه الفترة التي نحتاج فيها للاستفادة من كل ما لدينا بما هو مفيد وجميل».

الجدير بالذكر، أن السيدة "عدلة النمر" من مواليد 1939، وحصلت على رخصة قيادة السيارة بعمر السبعين عاماً، وتحتفظ بإنتاجها اليدوي الجميل كميراث تحرص على تقديمه لأولادها ذكرى جميلة عن مشوار عمل طويل.