تعرفها كل حارات مدينة "شهبا" ومدارسها وشوارعها وآثارها، ويطرق اسمها كل أذن في كل لحظة. وهي المعروفة منذ صغر سنها بحبها للتميز، وقيامها بأعمال لا يقوم بها إلا الرجال.

مدونة وطن "eSyria" التقت يوم الخميس الواقع في 12 حزيران 2014، السيدة "نزيهة دنون" التي اشتهرت في سنوات شبابها الأولى ببنيتها القوية، وحسها المرهف في التعامل مع اللون، وقد ميزتها مواهبها منذ الصغر عن باقي أقرانها، وجعلتها تشعر بالمسؤولية مبكراً، فتحدثت تصف تلك المرحلة حتى انخراطها في سوق العمل: «نشأت في طبيعة حرة مبنية على الثقة والصدق، وقد امتلكت لياقة بدنية عالية، ورشاقة مكنتني أن أكون لاعبة درجة أولى على مستوى المحافظة في ألعاب القوى من رمح وكرة حديدية وقرص، والجري بأنواعه حيث حصلت لثلاث سنوات متتالية على بطولة المحافظة في الجري، وكانت لي مشاركات على مستوى القطر ولكن ضمن المحافظة.

صاحبة الأيادي البيضاء على أجيال من طلابنا، وذات شخصية مميزة تنشط في المدينة بشكل دائم، وتجدها في كل المبادرات الاجتماعية من أوائل الناس، ليس فقط بالفكرة بل بالتنفيذ، وهي متواضعة لا تسعى إلى منصب أو شهرة، ولكنها تأخذ دورها في العمل لمصلحة المجتمع وتحفز الآخرين على القيام بدورهم

أما الرسم فله حكاية جميلة، حيث كنت أعشق حجارة مدينتي وأوابدها التاريخية، ومنذ الصغر أتفقد حيطانها، فكانت رسوماتي للبوابات وللآثار وللجدران وعناقيد العنب. وحتى اللحظة أشعر بأن كل حجر في "شهبا" قد صقلته يداي ووضعته بعطف في مكانه. وعند التخرج في الصف الخاص عينت معلمة في قرية "دوما"، ثم انتقلت إلى مدينتي لأبقى مدرسة صف مدة واحد وعشرين عاماً كوّنت خلالها سمعة تعليمية وسلوكية عالية من خلال أسلوبي في التعليم وعلاقتي مع التلاميذ والأهالي الذين ما زالوا يدعمون عملي حتى اللحظة، والتعليم بالنسبة لي رسالة مقدسة أخذ كل وقتي وحياتي وجل اهتمامي من حيث التحضير وتصنيع الوسائل وترتيب الزيارات الميدانية المتعلقة بالمناهج، وأعمل على أن كل تلميذ هو بمنزلة مشروع أشتغل عليه وأحبه وأهتم به تربوياً».

من إحدى فعاليات مدرسة الأنشطة.

كان لمبادراتها الخلاقة، وعملها داخل المجتمع دور كبير في ثقة الناس بها، وحبهم لشخصيتها القوية، فكان أن اقترحت على مجلس مدينة "شهبا" مبادرات كثيرة ساهمت في العمل الإنساني، وقد أوضحت ذلك بالقول: «أعتقد أن الأمر يدخل من باب الواجب الذي يحتمه الظرف الحالي، والمرأة كالرجل معنية بما يجري على أرض الواقع، فقصة شارع الشهداء كانت فكرة صغيرة تحولت إلى حقيقة، عندما وجدت هذا الشارع الصغير مملوءً بالحجارة والردميات، وليس له الكثير من العمل في موقعه ذاك، وبقليل من العمل أصبح شارعاً يعج بالحياة عندما تبناه أهالي الشهداء الذين قدموا الدم دفاعاً عن الوطن، وغرسوا فيه لكل شهيد شجرة باسمه، أما مسألة توزيع المحروقات فهي مبادرة صغيرة لتحريك الماء الراكد لدى النساء من أجل العمل مع الرجال في الشدائد، وقد لاقت هذه المبادرة الصدى المناسب لدى الكثيرين، وبنفس الوقت هناك من يعتقد أنها خطوة ليست بمكانها، ولكنني لا ألتفت إلا لقناعاتي الشخصية التي تصب في خدمة المجتمع».

وتحدثت عن طفولتها وتعليمها بالقول: «تلقيت تعليمي في مدارس المدينة، ونلت شهادة الدراسة الثانوية في العام 1982، والتحقت بالصف الخاص الذي اختاره لي المرحوم والدي "مجول دنون"، وحصلت على شهادة أهلية التعليم الابتدائي من مدينة "السويداء" في العام 1984، وحصلت على إجازة في كلية التربية معلم صف من جامعة "دمشق" في العام 2008 بدرجة جيد جداً، وهو الحلم الذي ظل يلمع في سماء أحلامي حتى تحقق».

زملاء المدرسة مع السيدة "نزيهة".

السيد "خالد جعفر" تحدث عن معرفته بالسيدة "نزيهة" بالقول: «صاحبة الأيادي البيضاء على أجيال من طلابنا، وذات شخصية مميزة تنشط في المدينة بشكل دائم، وتجدها في كل المبادرات الاجتماعية من أوائل الناس، ليس فقط بالفكرة بل بالتنفيذ، وهي متواضعة لا تسعى إلى منصب أو شهرة، ولكنها تأخذ دورها في العمل لمصلحة المجتمع وتحفز الآخرين على القيام بدورهم».

أما المحامي "عماد الطويل" رئيس مجلس مدينة "شهبا" فتحدث عن الأفكار التي تطرحها السيدة "نزيهة دنون" وتصب في خدمة المجتمع، فقال: «قامت برفقة سائق "تركس" (بلدوزر متوسط الحجم) بإزالة الحجارة وتعزيل طريق المالية المهمل، واقترحت غرسه بالشجر ليكون لكل شهيد شجرة، وتحويل اسمه إلى شارع الشهداء الأمر الذي لاقى صدى ودعماً من قبل المجلس والأهالي الذين قاموا بتنفيذ الفكرة لترى النور. ومن مآثرها التي أدهشت الناس قيامها بتوزيع مادة المازوت على البيوت في الأزمة الراهنة، وهي خطوة لم يسبقها إليها أحد من النساء في "سورية". وهي دائماً تؤكدّ أن الجميع بمن فيهم هي مقصرون بالعمل، ويجب مضاعفة الجهود للنهوض بالمدينة لتصبح جنة على الأرض، ودائماً تصطدم أفكارها بعامل المال، وعلى الرغم من كل ذلك لا تيئس وتراها دائمة التفاؤل بالمستقبل».

شارع الشهداء إحدى أفكارها.

يذكر أن السيدة "نزيهة دنون" ولدت في مدينة "شهبا" في العام 1963 في أسرة تعمل بزراعة حقول الغلال وكروم التفاح والعنب.