خمس وخمسون مرت على الرحلة التي جعلت منه رجل أعمال كبيراً، ولكنه مازال يعتبر أيام العمر الأولى في قريته هي السبب في نجاحه... بكثير من الحنين وقليل من الدموع المحتبسة في العيون يسرد لك قصة حبه لهذه الأرض، وذكرى أيام الغناء في مواسم الحصاد، وعادات الكرم والشجاعة والإيثار، يقول تركنا هذا الوطن من أجل الطموح في حياة أفضل لكن ما تعلمناه هنا هو السبب في نجاحنا.

إنه المغترب "شكيب أبو حرب" أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الصداقة السورية- الفنزويلية وأحد أهم المستثمرين في محافظة "السويداء".

eSuweda التقى المغترب "أبو حرب" وكان له عن تجربته في الإغتراب هذا اللقاء.

"شكيب أبو حرب"

* لماذا تركت الوطن؟

في متجره

** أنا مهما تقدم بي العمر لا أستطيع أن أنسى تلك القرية التي ورثنا فيها أجمل العادات والتقاليد من الصبر والحب والشجاعة والكرم والإيثار، فأنا مازلت أذكر نساء قريتي اللواتي كن يخبئن بيض الدجاج عن أبنائهن لكي يطعموه لأي ضيف من المتوقع أن يأتي، ومازلت أذكر تلك الأيام التي كنا نعيش فيها السعادة ونحن نحصد القمح ونحرث الأرض ونتسابق لكي يريح بعضنا الآخر من العمل، ولكن كأي شاب كان لدي طموح لتحقيق نجاح يخصني، وكان أبناء الجبل وقتها يسافرون إلى أميركا اللاتنية وخاصة "فنزويلا" ويعودون ليحدثوك عن أشياء جديدة وأعمال أخرى فيها مكاسب مالية، ومن هنا بدأ هاجسي نحو السفر إلى فنزويلا لأجرب حظي وأحقق طموحي، وخاصة أنني كنت أسمع كلمة وأحبها وهي: "أنظر إلى الأفق وأريد ما وراءه".

  • بدأت الرحلة من لبنان ثم إلى إيطاليا قبل الوصول إلى فنزويلا فما أهم الأحداث في هذه الرحلة؟
  • "يوسف القضماني"

    ** أعتقد أن أهم ما حدث في هذه الرحلة هو بعد وصولنا من "بيروت"، إلى مدينة "جنوا" الإيطالية، حيث صعد إلى السفينة ما يقارب ستمئة شاب إيطالي يعملون بمختلف المهن، ويملكون أجساداً قوية وعضلات مفتولة، وكانت فنزويلا حينها تستقبل الكثير من الإيطاليين الذي يتقنون مهناً متعددة من الحدداة والنجارة والصناعات المختلفة، وبعد روئيتي للإيطاليين، روادني شعور بالانكسار وسيطر على ذاكرتي سؤال واحد، وهو ماذا سأعمل في تلك البلاد وأنا لا أملك قوة ومهارة هؤلاء الإيطاليين ولا أتقن سوى العمل بالزراعة؟ ولكن عدت وقلت في نفسي إن الصبر والشجاعة الذي تعلمتهما في قريتي هما من سيجعلني انتصر وأحقق النجاح هناك.

  • وصلت إلى فنزويلا في صيف عام 1955 وكنت لا تتقن لغة ذلك البلد فمن ساعدك لتبدأ حياتك هناك؟
  • ** بعد وصولي إلى فنزويلا، قمت بالتوجه إلى محافظة "كرا بوبو"، وذلك لأن للجالية العربية تواجداً كبيراً هناك، وفعلاً وجدت من الإخوة السوريين واللبنانيين من ساعدني وأمن لي عملاً بالتجارة الحرة، وعلمني بعض الكلمات التي يمكن أن أستخدمها كتاجر صغير يحمل بعض حقائب الألبسة ويدور على البيوت ليبيع ما فيها، وكنت أعمل بجد، حيث كانت ساعات العمل تصل إلى 14 ساعة يومياً، وبعد سنة واحدة أصبح لدي رأسمال مقبول أضف إلى ذلك أنني صرت أتقن اللغة الفنزويلية بشكل جيد، وهذا ما دفعني إلى الانتقال إلى مدينة "فلانسيا"، حيث أشتريت محلاً صغيراً في البداية وصرت أبيع فيه الألبسة، ومن هنا بدأ توسعي في التجارة، لأنتقل بعدها إلى تجارة العقارات التي كانت الأساس في تحقيقي للجزء الأكبر من ثروتي.

  • من المعروف أن الجاليات العربية تتواصل فيما بينها بالاغتراب في الأفراح والأتراح بالإضافة إلى تواصلها مع الوطن فأين تجد قوة هذا التواصل؟
  • ** النشاط الاجتماعي بين الجاليات العربية هو فسحة طيبة تبعد عنا ألم الاغتراب بعض الشيء، وتجعلنا نشعر بأننا عبر ممارسة العادات والتقاليد وتبادل اللغة العربية أننا روحياً في وطننا الأم، ونحن كجالية عربية بشكل عام وجالية سورية بشكل خاص كنا نقطع أحياناً مسافة 700 كلم لكي نشارك بعضنا هذه المتعة، كما كنا نهب لاستقبال أي قادم من أرض الوطن ونسأله عن حال الأهل وحال الوطن، وهذا كان مصدر الأخبار بالإضافة إلى ما نسمعه بالمذياع من بعض القنوات الفنزويلية التي تتحدث بالعربية، وقوة هذا التواصل جعلتنا نؤسس نادياً سورياً على غرار النادي اللبناني في عام 1958، وكان هذا النادي بمثابة بيت وطني في الاغتراب يقدم المساعدة لكل من يحتاجها، ويؤمن التواصل بين أفراد الجالية بشكل عام ويؤمن جمع المساعدات من التبرعات ليصار إلى نقلها إلى الجمعيات الخيرية فيما بعد، ومثال ذلك جمع مبلغ عشرة ملايين ليرة عام 1965 لمساعدة جمعية الرعاية في "السويداء".

  • عدت إلى سورية بعد غياب سبعة عشر عاماً ألا تعتقد أنها فترة طويلة لرجل يحب بلده إلى هذا الحد؟
  • ** في الحقيقة طبعاً كانت فترة طويلة للغياب الجسدي، ولكن الوطن كان حاضراً دائماً في ذهني، وسبب طول المدة هو إصراري على النجاح المتميز وهذا سبب طول المدة، ولكن بعد عودتي كان أول عمل قمت به هو شراء بيت لي ولأسرتي لأستقر فيه، والبدء بتأسيس مشروع تجاري يحقق لي العيش الكريم ويخدم أبناء بلدي.

  • أقمت مشروعا تجاريا ضخما عرف باسم "المجمع التجاري" في الساحة العامة "بالسويداء" فما تفاصيل هذا المشروع؟
  • ** هذا المشروع بدأ في عام 1976، وكان نتيجة لرؤيتي للمشاريع التجارية الضخمة في فنزويلا ودورها في خلق فرص عمل واستقدام الزبائن عبر تواجد عدد كبير من المحلات تبيع عدة أصناف من البضائع في مكان واحد، وهذا المجمع يضم 25 محلاً تجارياً تمتد على مساحة 500 متر مربع بطابقين، وكلها مضمنة وتساهم اليوم في إعالة 25 أسرة عبر استثمارها من قبل أشخاص من المحافظة في مهن مختلفة فمنهم من يبيع القماش والألبسة ومنهم من يبيع الكتب ومنهم من يبيع الأواني الشرقية.

  • أنت من المؤسسين لجمعية الصداقة السورية- الفنزويلية فمن أين بدأت فكرة التأسيس وعلى أي قاعدة؟
  • ** تأسيس الجمعية كان له علاقة بعلاقتنا بالشعب الفنزويلي، فأنا أعتبر أن عاداتنا وتقاليدنا التي حملناها معنا إلى تلك البلاد من الكرم ومساعدة الجار والإيثار كان لها الدور الأساسي في نجاحنا، وذلك لأنها ساهمت في تقبل المجتمع الفنزويلي لنا ومعاملتنا كمواطنين وليس كغرباء، وأذكر أن أحدهم قال لي وهو يعرفني لأول مرة، أنا أحب العرب لأن جيراني منهم حافظوا على أسرتي وساعدوها أثناء غيابي، ومن هنا كانت فكرة التأسيس للجمعية لزيادة التواصل والتنسيق بين أبناء الشعبين السوري والفنزولي وخاصة الذين أصبحت فنزويلا تشكل لهم وطناً ثانياً، فقمت أنا والسادة: "صالح نصر" و"نايف الشاعر" و"هاني جربوع" و"يوسف سمارة" و"نبيه القاضي" بطرح الفكرة في فنزويلا وجمعنا مبلغ 15 مليون ليرة لنقوم بعدها بشراء الأرض الواقعة في ظهر الجبل قرب مطعم المرج، وقد تلقينا الدعم الكبير بزيارة الرئيس "هوغو شافيز" إلى "السويداء".

    يذكر أن السيد "أبو حرب" من مواليد قرية "لاهثة" عام 1930، متزوج ولديه 7 أبناء، ويعمل الآن بالاشتراك مع بعض المغتربين لإقامة مشروع سكني يؤمن شققاً سكنية لشباب المحافظة.