«أحببت العلم كثيراً، ولكن ثمانية إخوة في منزل واحد عبء كبير على الوالدين، وبشكل خاص عندما تكون الزراعة العمل الوحيد لتلك العائلة، لذلك قررت السفر سراً، لم أخبر أحداً سوى جدي وبدأت بتجهيز أوراقي، وعندما اكتمل كل شيء أخبرت والدي».

ويتابع السيد "غالب صلاح" من مواليد قرية "سهوة بلاطة" عام 1937 حديثه لموقع eSuweda قائلاً: «كان ذلك في عام 1955 وفي شهر آب بالتحديد عندما صعدنا الباخرة، شباباً في مقتبل العمر قاصدين البلاد البعيدة، كانت وجهتنا فنزويلا، كنا صغاراً وكانت أمورنا ميسرة في بداية الأمر، نأكل ونشرب ونسبح على متن الباخرة حتى وصلنا الغويرة، هناك لم تعد باخرة الشركة مسؤولة عنا وعلينا تدبير أمورنا بأنفسنا، وقفنا على شاطئ تلك البلاد البعيدة غرباء لا نعلم شيئاً ولا حتى لغة تساعدنا.

أفكر بمشروع معمل أو مصنع يخدم البلد ويوفر فرص عمل لكثير من الناس، إن لم يكن المشروع لي فهو لابني، أتمنى أن أتمكن من تحقيق هذا الحلم

أذكر أن عدداً ممن سافروا معي بدؤوا بالبكاء ساعة الوصول، دائماً الإنسان يرسم آفاقاً لسفره وكأن الجنة تنتظره، أنا أجيد بعض الكلمات باللغة الانكليزية الأمر الذي ساعدني قليلاً بتدبير أموري ورفاقي، كنت قد سمعت ممن سافروا قبلي عن فندق لشخص عربي لبناني في العاصمة كاركاس، ذهبنا إليه وكنا ستة أشخاص، مكثت في الفندق أربعة أيام دون نقود، ما دفعني لبدء العمل مباشرة لم أكن أجيد اللغة بل كنت أخاطب الناس بلغة الإشارة».

المغترب "غالب صلاح"

وتابع "صلاح" سرد قصته في بلاد الاغتراب، فقال: «مرت تلك الأيام صعبة للغاية، أحد أقربائي وأصدقائي كان يقيم في منطقة تدعى ماركاي وتبعد عن العاصمة مسافة 700 كم، لم أتمكن من زيارته حتى جمعت مالاً كافياً للسفر، وعندما ذهبت إليه وجدته مريضاً، بقيت شهرين حتى شفي وبعدها عدت لمتابعة عملي في التجارة اشتريت دراجة هوائية، فقد سهلت عملي ووسعته وبعدها استأجرت منزلاً فيه غرفة تطل على الشارع فأصبحت محلاً، لأبدأ مرحلة مستقرة بعض الشيء من حياتي، بدأت الأوضاع تتحسن وتتطور وأصبح المنزل الذي استأجرته ملكاً لي، اضطررت لشرائه لأن صاحبه أراد أن أتركه وأنا في بداية التأسيس لعملي وكان الناس قد اعتادوا محلي وعرفوا مكانه، فكان من الصعب ترك كل شيء والبدء من جديد، لذلك اشتريت المنزل».

وعن زيارته للوطن، أضاف: «لم تبتعد صورة الوطن عن ناظري، ولم يفارقني الحنين إليه أبداً، الآن وبعد خمسين عاماً في الغربة أقول إن جذوري هي من أعادتني، نحن العرب لم نوسع أعمالنا هناك لارتباطنا بأرضنا بقيت أفكارنا وأحلامنا مرتبطة بالوطن وبالأهل، فنزويلا وبعد الحرب العالمية الثانية استقطبت عدداً كبيراً من الناس ومن جنسيات مختلفة وثقافات مختلفة أيضاً، منهم الطبيب والمهندس هم من بدؤوا بقوة وأسسوا لمصالحهم في ذاك البلد، ذهبوا إليه ولن يتركوه أبداً، نحن لا نستطيع التفكير بهذا الأمر أن نترك الوطن ونستقر هناك كان هو المستحيل، وأول زيارة لي كانت في عام 1974 من أجل أبنائي ومدارسهم، وضعت بناتي في مدرسة خاصة في "دمشق" وعدت لمتابعة أعمالي وبعدها بدأت زياراتي تتكرر وبشكل مستمر، في عام 1976 بنيت منزلاً جميلاً في فنزويلا، منزلاً يحمل طابعاً شرقياً، عبارة عن طابقين خلافاً لمنازل الشعب والتي كانت بسيطة، أثار دهشة الجميع وإعجابهم وتم تكريمي لمساهمتي بنهضة بلدهم، أردت أن يكون لي في البلد الذي قضيت فيه خمسين عاماً من عمري بصمة خاصة، حالياً تقيم فيه ابنتي مع زوجها».

وعن الجالية العربية في بلاد الاغتراب، تحدث: «الجالية العربية في فنزويلا وخاصة السورية كبيرة، دائماً هناك زيارات متبادلة، في بداية سفري كانت الجالية قليلة العدد ومع مرور الوقت بدأ العدد بالتزايد، فاقترحت أن نقيم النادي العربي في فنزويلا وبالفعل أقمناه على مساحة 21 دونماً، وأسميناه النادي العربي- الفنزويلي، وأصبحنا نجتمع فيه ونقيم مختلف نشاطاتنا وأعراسنا على أرضه».

السيد "غالب" مستقر حالياً في قريته "سهوة بلاطة" منذ خمس سنوات، وكان قد ساهم بتأسيس المركز الصحي والعيادة السنية في القرية، جمع التبرعات من المغتربين في فنزويلا وقدمها لأهالي قريته من أجل تأسيس المركز الصحي، بعد تجهيز المركز بقي مبلغ من التبرعات أسسوا فيه عيادة سنية، كما قدم جائزة المتفوقين في القرية بدعم مادي منه، وهذا العام هو العام التاسع لهذه الجائزة، وعنها تحدث: «العلم هو عماد للأمم وعليه تبني تقدمها وتطورها، للبلد حق كبير علي، أردت من خلال تكريم المتفوقين تكريم بلدي وقريتي وأهلي والنهوض بمستوى العلم، هي عبارة شكر مني لكل مجتهد ومتفوق يساهم بنهضة بلدنا وازدهاره».

أما عن أحلامه وطموحاته، فقال: «أفكر بمشروع معمل أو مصنع يخدم البلد ويوفر فرص عمل لكثير من الناس، إن لم يكن المشروع لي فهو لابني، أتمنى أن أتمكن من تحقيق هذا الحلم».