يعدّ الأدب الشعبي وليد المجتمع وأفراده والنابع من منظومة العادات والتقاليد، فهو يؤثر ويتأثر، لكونه يساهم في تعزيز دور العادات بنشر ثقافة جمعية تحمل المفاهيم القيمية.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 24 تموز 2015، التقت الدكتور "فايز عز الدين" الباحث الاجتماعي؛ الذي بيّن العادات والتقاليد من منظور علم النفس قائلاً: «في المعنى القاموسي لمصطلح العادات والتقاليد نقف عبر مبادئ علم النفس العام عند معاني كثيرة؛ فالعادة تمثل قدرة مكتسبة لأداء عمل بطريقة تكتمل فيها الخبرة، والدقة، والإتقان. وخلق العادة أي تمكين الحالة من التكرار السليم على النمط المعهود، والمتوافق عليه، والتقاليد تمثل العادات المتوارثة التي يُقلِّدُ فيها الخلفُ السلفَ الصالح، والتقاليد هي أفضل ما تعارفت عليه الجماعة الاجتماعية من قيم، وأعراف، وعادات، تصوغها على هيئة منظومة ذهنية وسلوكية وأخلاقية لكي تنظم فيها حياتها، وطريقة حياة الناس في المجتمع الواحد. ومن المعروف أن الذي يزيد التماسك الاجتماعي قوة هو هذا الضبط القيمي السليم لمنظومة العادات والأعراف والتقاليد؛ حيث إنها تأتي بصورة القانون الاجتماعي الملزم؛ وخاصة في المجتمعات التي لم تتكوّن الدولة المدنية فيها بعد، ولم تتكوّن الدولة القانونية، والمجتمع، والحياة القانونية بوجه عام، ولقد شَهِدَ تاريخنا في هذا الجبل قوة غير معهودة لهذه العادات، والأعراف، والتقاليد لما قامت به من تنظيم الحياة كقانون عام، وتمكين المجتمع من التناسج، والتعاقد الاجتماعي بما فيه المراعاة الكبيرة لقيم العيش المشترك، والمصير الواحد، ومواجهة الخصوم».

في تصنيف هذه العادات والتقاليد بين اجتماعية، وأخلاقية، ووطنية قومية سنجتمع بكل ما يتصل في هذه القضايا، فالمواطن في هذا الجبل اجتماعياً تكوّن، وما يزال على الارتباط بالجماعة، والحرص على الوقفة المشتركة وحسّ المشاركة ميزة جليلة فيه، وتربّى على إغاثة الملهوف وهي من أعلى القيم والشيم العربية الأصيلة، كما تربى على تقدير الشأن العام، والمصالح الاجتماعية العليا وخدمتها. وتعوّد ربط سلوكه دوماً بكرامة الأسرة والعائلة والعشيرة فهو ذو أصول ممتدة، وتاريخ ممتد، وكرامة ممتدة من الماضي إلى الحاضر والمستقبل. وتربى على الكرم وحسن استقبال الضيف، واحترام الكبير "العود"؛ أي الرجل الكبير وتقدير آرائه وحكمته ومعارفه، والإدارة الذاتية لحل الخصومات قبل اللجوء إلى الدولة والقضاء

وتابع الباحث "د. فايز عز الدين" بالقول: «في العلوم الاجتماعية، وفي الأنتربولوجيا إقرار واضح بخصوصية التشكيل الاجتماعي وفق مقتضيات التاريخ والجغرافية والإرادة الواحدة، والآمال المشتركة والآلام، والمصالح المتكاملة، ووفق هذا الإقرار نجد أن الإنسان الاجتماعي في هذا الجبل قد واجه قضيتين مهمتين: كيف ينتظم تاريخياً، ثم كيف يُكَوِّنُ نسيجه الاجتماعي وفق مشاريعه الفردية والجمعية ووفق متلازمات الوجود المشترك لتنوّع ديني، أو مذهبي، أو اجتماعي، وكان مظهر التوافق وقبول الآخر يتم عبر احترام خصوصية الآخر، والتعاقد معه على ضرورات حياتية تهمُّ الجميع، والمثال واضح أولاً من صعوبة الحياة في الجبال وأحراشها، ومناطقها الوعرة، ومسالكها غير الآمنة، إنْ من الطبيعة أو من البشر. وبناء عليه فقد كانت العادات والأعراف، والتقاليد الضامنَ الوحيد لانتظام الحياة وفق قانونية لا يمكن الخروج منها؛ وفي رأس هذه العادات عادة الوقفة المشتركة، والتآزر، والنخوة، وإغاثة الملهوف المستجير، وحماية الدخيل وتأمينه، والمعروف أن مظاهر الوقفة المشتركة عند الفئة، أو المكوّن الاجتماعي المحدد، تشير في الدلالة الأولية إلى رغبات واحدة في الاندماج الاجتماعي، وتلاحم البنية الاجتماعية، وفق مقتضيات متعددة، وهذا ما حصل في حياة القاطنين في هذا الجبل منذ قرون؛ وخاصة حين نرصد حياتهم المشتركة فنجد أن جميع سكانه على اختلاف أصولهم الدينية والاجتماعية قد تمسكوا بعادات واحدة متقاربة إلى حدود التطابق، فالجميع مثلاً يرتبطون بالأسرة، والعائلة، والعشيرة، والقبيلة ارتباطاً كيانياً يجعلهم يشعرون بهويتهم في هذا الانتظام التاريخي وبلونهم الاجتماعي».

الدكتور فايز عز الدين

وبرؤية أدبية في العادات أوضح الأديب "فرحان الخطيب" بقوله: «في تصنيف هذه العادات والتقاليد بين اجتماعية، وأخلاقية، ووطنية قومية سنجتمع بكل ما يتصل في هذه القضايا، فالمواطن في هذا الجبل اجتماعياً تكوّن، وما يزال على الارتباط بالجماعة، والحرص على الوقفة المشتركة وحسّ المشاركة ميزة جليلة فيه، وتربّى على إغاثة الملهوف وهي من أعلى القيم والشيم العربية الأصيلة، كما تربى على تقدير الشأن العام، والمصالح الاجتماعية العليا وخدمتها. وتعوّد ربط سلوكه دوماً بكرامة الأسرة والعائلة والعشيرة فهو ذو أصول ممتدة، وتاريخ ممتد، وكرامة ممتدة من الماضي إلى الحاضر والمستقبل. وتربى على الكرم وحسن استقبال الضيف، واحترام الكبير "العود"؛ أي الرجل الكبير وتقدير آرائه وحكمته ومعارفه، والإدارة الذاتية لحل الخصومات قبل اللجوء إلى الدولة والقضاء».

وتابع الأديب "فرحان الخطيب" بقوله: «في العادات والتقاليد الوطنية نجد مكونات جليلة تسبق ربما كل من ينطلق من وطننا الكبير لإعلاء هذه القيمة؛ فالوطن أرض، وعرض، وكرامة، ومقدّس لا يمكن التفريط به، ولا النزوح عنه. وفي تقاليد الزواج، والأفراح، والموت، والمآتم وقفة مشتركة يندمج فيها المشاركون مع صاحب العلاقة فرحاً أو ترحاً بروحٍ اجتماعية، إنسانية واحدة. وفي حل الخصومات التي قد تصل نتائجها إلى نزيف الدم، والقتل يتدخل عندئذٍ كبارُ القومِ سِنّاً وقدراً، ويقومون بالوساطة لحقن الدم، وعقد الراية، واستعادة السلم الأهلي من دون أن يحتاج ابن الجبل إلى القضاء، والدولة فالمحكمة المجتمعية أسرع حكماً، وأسهل ترويضاً للنفوس حتى يتم تأهيل المصابين للاندراج السلمي في الحياة العامة من جديد أو ضمان انتهاء عقابيل ما حدث، من هنا لا بد الربط بين الأدب الشعبي والعادات والتقاليد الاجتماعية».

الأديب فرحان الخطيب

وللشباب رأي قد يختلف مع الباحثين، الشاب "معن دوارة" أوضح بالقول: «لعل الأدب الشعبي الذي نال حضوراً في الماضي وله تأثير واضح في العادات، ربما اليوم لا ينسجم مع متطلبات الحياة اليومية، فهو موجود نتيجة الظروف التاريخية وطبيعة المواد المستخدمة في الحياة، والصراع الوجودي من خلال فرض أدواته وتأثيره وتأثره بالعادات والتقاليد، أما اليوم وفي زمن الصورة الخاطفة والقرية الصغيرة فلم يعد للأدب الشعبي تأثير سوى بالتماهي مع الأحداث الجارية، وبالتالي هو ذاكرة شعبية، ولا يمكن أن يكون حاملاً فعلياً آنياً مؤثراً في الأوساط والنخب والفئات الاجتماعية، ولعل التقنية الحديثة التي تتغير يومياً، لا تتأثر به، ذلك لأن تأثيره يحتاج إلى زمن طويل والمتغيرات الفعلية هي يومية، من ذلك نستطيع أن نختلف على أن تأثير الأدب الشعبي بالعادات والتقاليد بات بطيئاً جداً، ويكاد لا يتعدى اللحظات الآنية غير مستقرة في الحركة والفعل اليومي».

الشاب معن دوارة