يعيش التفاعل ضمن البيئات المختلفة بطرائق متعددة، لكن شبكات التواصل عبر الإنترنت ووسائل التواصل السريعة ودوافعها، قربت بين بيئاتها، وجعلت هجرة الإبداع تتزايد، ليصبح الإبداع في منظومتنا الثقافية حالة من التشاكل بين المفهوم النصي والفعل الإجرائي.

حول مفهوم الإبداع وآفاقه في عصر المعلوماتية مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 4 كانون الثاني 2015، التقت المهندس "جهاد أبو زكي" عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، ليتحدث قائلاً: «الإبداع هو نتاج تفاعل عوامل عقلية وبيئية وشخصية واجتماعية، والتفاعل ينتج حلولاً مبتكرة لمواقف نظرية أو عملية في شتى المجالات، ولا يوجد فضاء خصب لهذا التفاعل أفضل من الإنترنت، خاصة أن سمات الشخصية المبدعة تتميز بالذكاء والثقة بالنفس والقدرة على استنباط وتحليل الظواهر، تلك الصفات تطلق مواقع التواصل الاجتماعي لها العنان في فضاء رحب، وهذا ما يجعل آفاق الإبداع في عصر المعلوماتية الحامل الأوسع للحرية، لأن الإبداع يعني تجاوز أدبيات الفكر الفلسفي التي تتناول الحرية بوصفها موضوعاً للتأمل العقلي، والانتقال إلى الحديث عن الحرية بوصفها فعلاً من الأفعال التي تعبر عن "أنطولوجيا"، بهذا تشترك مع الإبداع في كونهما فعلين ينتقلان من الإمكانية إلى الوجود، والحرية لا يمكن أن تدرك إلا في صميم الفعل، الذي تمارس به وجودها ولذلك هنالك إحالة متبادلة بين الحرية والإبداع، فالحرية بمعناها العميق الأنطولوجي هي إبداع الإنسان لنفسه وتحقيق ذاته الكلية من خلال الفعل والإبداع، وفعل التحرر ذاته الذي يتجسد في علاقة الإنسان بالوسائط التي "يَفَعل" من خلالها، والحرية بهذا المعنى شرط أولي كما أن الإبداع شرط لكي تصبح أفعالنا ذات طابع حر، فالحرية لا تطابق المعقول، بل إن الوعي بالمصير يجعل الإنسان المبدع يطمح لتحقيق ما قد يبدو مستحيلاً وغير معقول، ولهذا هناك أسباب لهجرة الإبداع إلى مواقع التواصل الاجتماعي».

تتمثل السمات في النزوع القوي إلى الجماليات الشخصية، ولب التحدي أغلب الأحيان يكون في التعامل مع متاهة الغوامض في سبيل صياغة هوية جديدة أو كيان جديد، هذا ما يمكن أن نعدّه سمة أولى من سمات المبدع، أما السمة الثانية فتتمثل في القدرة العالية على اكتشاف المشكلات، ومن جهة ثالثة فالحراك العقلي سمة من سمات المبدع يتمثل بالميل القوي إلى التفكير بمنطق المتضادات والمتناقضات عندما يفكر المبدع بالبحث عن مركب جديد للأفكار، والسمة الرابعة تكون في الاستعداد للمخاطر وفي البحث الدؤوب عن الإثارة، ويرتبط بهذه السمة ما يسمى بتقبّل الفشل، وكلما ازداد إنتاج المبدع ازدادت لديه الفرص لإبداع شيء جديد، والسمة الخامسة تكون في إشادة المبدع في عمله عالماً خاصاً، لا حقيقة فيه ويشارك في النشاط لذاته وليس من أجل التقدير، ويبقى السؤال قائماً: هل استطعنا بما ذكر أعلاه أن نصف المبدع وصفاً على درجة عالية من الدقة وأحطنا بسمات شخصيته إحاطة وافية؟ وتتلخص عمليات الاتصال بما لخّصه "لا سويل" بأن عملية الاتصال بعبارات قليلة هي: "من يقول؟ ماذا يقول؟ لمن يقول؟ لماذا يقول؟

لعل ضمن أسباب هجرة الإبداع إلى مواقع التواصل الاجتماعي ما يأتي تعويضاً لعدم إمكانية الوصول للمنابر التقليدية، بل إن هذه المنابر لم يعد لها هذا الألق أيضاً وسهولة الوصول إلى الجهات الراعية، وتابع المهندس "جهاد أبو زكي" بالقول: «إن القدرة الترويجية الهائلة لهذه المواقع من الصعب تحقيقها بالوسائل القديمة، ومنها الكتاب، فالوطن ليس المكان أو التراب الذي يعيش فيه الإنسان، بل هو المكان الذي يستطيع أن يتحرك فيه، والتفاعل الفوري مع المتابعين والمتصفحين وعدم انتظار مراحل إنتاج الفكرة "طبع، وتوزيع، ومعرفة ردود"، فظهر أدب "البروفايل" أي "الجميع يكتبون، الجميع يقرؤون، الجميع ينتقدون"، الإيقاع السريع والولوج لآلاف الكتب يولد الأمل لدى الشباب ويولد الرغبة بالإبداع ويحد من أزمة المعرفة؛ فالمعلومة ليست حكراً على أحد، والأفكار ليست مختزلة وحبيسة لدى أصحابها، تغييب الهوية وعناصر التسلط، فالمعرفة هي أداة مواجهة السلطة المرئية وغير المرئية في الواقع، والتخلص من عنصر الرقابة القبلية التي يفرضها المجال التقليدي، مثلاً أصبحت المدونات هي المأوى للأعمال الأدبية؛ فلا يفقد الكاتب في شبكات التواصل الاجتماعي إلا شقاءه، الأمر الذي جعل للشبكات الاجتماعية أنواعاً منها الاتصال وتبادل المعلومات، والتعاون وبناء فرق العمل، ومواقع الوسائط المتعددة والرأي والاستعراض والمواقع الترفيهية والاجتماعية، ولكل نوع من الشبكات تعدده الخاص به وبهدف مشترك».

المهندس جهاد أبو زكي

وعن الإبداع وسماته أوضح الباحث الأستاذ "إسماعيل الملحم" عضو اتحاد الكتاب العرب بالقول: «يصدر الإبداع كما يقول "روجرز": "عن ميل في الإنسان ليحقق ذاته ويستغل أقصى إمكاناته". وعندما يتفتح ذهن الإنسان أمام خبراته كافة يصبح سلوكه سلوكاً إبداعياً، ويصبح بنّاءً. ولكن هل نستطيع وصف الإبداع وصفاً مقنعاً مهما امتلكنا من القدرات المعرفية؟ يجيب "ويليامز": "الإبداع أمر يعزّ وصفه"، ففي لحظات ما يشعر المرء خلالها بأن الفعل الإبداعي صار طوع بنانه وقد هبطت على ذهنه أو شعّ ذهنه بشرارة أو قبس منه، وفجأة يخبو كل شيء، وفي أحيان يبدو له أن اقتناص الإبداع سهل وفي المتناول، لكن هذه السهولة لا تلبث أن تصبح أثراً بعد عين تتبدد على نحو يعصى على الفهم، الاهتمام بالإبداع كقدرة عقلية عالية إن في مجالات العلم والتكنولوجيا، وإن على المستوى الفني والجمالي، مطلب إنساني وضرورة ملحة في عالم سريع التغير، وتسعى باستمرار مراكز البحث والدراسات وأشكال التدريب والتمرين لاكتشاف الطاقات الإبداعية وتربيتها. لكن ما يمكن بوساطته أن نضع تحديداً للإبداع والفعل المبدع يبقى سراباً؛ فسرُّ العبقرية يبقى غامضاً، يفترض في المبدع أن يمتلك نوعاً من التفكير المنطلق المتشعب، وبناء على هذه الفرضية فإن العديد من الدراسات ينفي الارتباط العالي بين الإبداع والذكاء، كما يمكن أن يظن كثيرون من الناس الذين يخلطون بين هاتين القدرتين المعرفيتين، لهذا فإن نتائج روائز الذكاء لا تعطي إجابات مفيدة في هذا الشأن. لأن المبدع عامة قلما يلتزم في إجاباته ببنود الرائز.. فإجاباته تجنح نحو الجدّة والابتكار وتبتعد عن المنوالية التي تفترضها مقاييس الذكاء؛ فالإبداع ليس مشروطاً بنسبة الذكاء العالية. كما يقول "فرانك بارون" عالم النفس الشهير: "ليس شرطاً أن تكون نسبة ذكائك مرتفعة كي تكون ثاقب الحدس"، إذ إن الحدس يعتمد على الإحساس والمجاز أكثر من اعتماده على قدرة الاستدلال والقدرة على الفهم اللفظي، وهما مما تعتمده بوجه رئيس مقاييس الذكاء"».

أما عن سمات المبدع فتابع الباحث "إسماعيل الملحم" حولها بالقول: «تتمثل السمات في النزوع القوي إلى الجماليات الشخصية، ولب التحدي أغلب الأحيان يكون في التعامل مع متاهة الغوامض في سبيل صياغة هوية جديدة أو كيان جديد، هذا ما يمكن أن نعدّه سمة أولى من سمات المبدع، أما السمة الثانية فتتمثل في القدرة العالية على اكتشاف المشكلات، ومن جهة ثالثة فالحراك العقلي سمة من سمات المبدع يتمثل بالميل القوي إلى التفكير بمنطق المتضادات والمتناقضات عندما يفكر المبدع بالبحث عن مركب جديد للأفكار، والسمة الرابعة تكون في الاستعداد للمخاطر وفي البحث الدؤوب عن الإثارة، ويرتبط بهذه السمة ما يسمى بتقبّل الفشل، وكلما ازداد إنتاج المبدع ازدادت لديه الفرص لإبداع شيء جديد، والسمة الخامسة تكون في إشادة المبدع في عمله عالماً خاصاً، لا حقيقة فيه ويشارك في النشاط لذاته وليس من أجل التقدير، ويبقى السؤال قائماً: هل استطعنا بما ذكر أعلاه أن نصف المبدع وصفاً على درجة عالية من الدقة وأحطنا بسمات شخصيته إحاطة وافية؟ وتتلخص عمليات الاتصال بما لخّصه "لا سويل" بأن عملية الاتصال بعبارات قليلة هي: "من يقول؟ ماذا يقول؟ لمن يقول؟ لماذا يقول؟».

الباحث إسماعيل الملحم