واكبت الرواية العربية مراحل متعددة من الزمن حملت معها رياح الاستبداد وشمس الحرية، وكانت على الدوام النص الإبداعي الثقافي والفكري، حيث نقلت أحداث ووقائع المجتمع وهمومه ورؤيته.

حول مظاهر الاستبداد في الرواية؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 17 تشرين الثاني 2014، التقت الروائي والناقد "محمد رضوان" عضو اتحاد الكتاب العرب الذي بين قائلاً: «رحل المستعمر واستعادت البلاد استقلالاً غير منقوص، وارتاح الروائي العربي إلى نعمة الحرية المنقرضة، فقسم الزمن إلى ماضٍ مرذول يسقط متداعياً، وإلى مستقبل مملوء بالأحلام والآمال، غير أن الروائي العربي، الذي وعد جمهوره بمطر سخي، وربيع دائم في أوطان مشمسة ما لبث بعد الاستقلال الوطني أو خلاله، أن اعتلّت أحلامه بالخيبة والانكسار عبر ازدياد تمركز السلطة وهيمنتها على جميع المرافق الحياتية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، لتنشر تدريجياً آليات القمع والاستلاب ضد الآخر وإلغائه، ففي الزمن العربي الحاضر، يمكن الجزم بأن سطوة الاستبداد الذي نال من كل شيء في تفاصيل الحياة، غيب الكثير من عناصر الإبداع في الخطاب الروائي، ودفعه إلى منطقة العناصر المغيبة، لذا ازدادت نسبة المسكوت عنه بصورة متزايدة في الرواية العربية، وهو ما يحفز الخطاب النقدي إلى الكشف عن جوهر عملية الفساد، واستقصاء أسبابها ومكوناتها ونتائجها في النص الروائي، عبر أنساقه المعرفية والثقافية، الواقعية والمتخيلة، فقدم "نجيب محفوظ" "أولاد حارتنا"، إذ لم يكن يسائل سر الخليقة والمعجزات كما رأى بعض النقاد، بل كان يسأل عن جوهر السلطة المتسلطة التي تبدأ باحتكار الكلمة وتنتهي باحتكار إرادات البشر، وإذا كان "محفوظ" قد انتظر سنوات قبل أن يتهم السلطة، فإن الجزائري "الطاهر وطار" قد ارتعب من جنين السلطة قبل أن يرى النور، كان رأي واحد يرى من يخالفه خيانة، إذ يؤكد الروائي السوري "نبيل سليمان" في روايته "دلعون" استبدادية ذلك الطيف الأوحد، ولهذا كان على الرواية التي واكبت الأزمنة الحديثة في صعودها الفني والفكري أن تتصدى لهذه السلطات وتفضح أساليبها وآليات قمعها، فبدا حلم الحرية ضائعاً بين زمنين قديم حمل سجوناً وأغلالاً واستبداداً، وزمن جديد مسكون بطيف واحد، ولغة ورؤية واحدة».

بعد الحرب العالمية الثانية، نالت الدول العربية استقلالها السياسي، وتحررت من الاستعمار. وحلَّت البدائل أو الأنظمة العربية مكانها، ووضعت أياديها على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية. وتحوّلت إلى أنظمة شمولية قمعية، لم يقف الأدباء في كافة المراحل مكتوفي الأيدي. ظلَّت أقلامهم تروي الأوراق والصحف والروايات والقصص، من حبر إبداعاتهم وغربلة نتاج حصادهم في بيادر الدفاع عن الكلمة والعدالة والحرية والديمقراطية. وظهر "أدب السجون" في النصف الثاني من القرن العشرين، وعبَّر الأدباء بأقلامهم المستنيرة عن اعتقالهم ومعاناتهم في أقبية الأجهزة الأمنية العربية وزنزاناتهم المتعفّنة، أو بأقلام الروائيين أنفسهم عن مناهضة الاستبداد السياسي واحتكار السلطة والتضييق على الحريات الديمقراطية. ودخل السجون والمعتقلات السرية عشرات ألوف الكتاب والمفكرين والسياسيين، ولا يمكن استثناء أحد. وأصبح "أدب السجون" شعراً ونثراً من أصدق أنواع الكتابة

وتابع الروائي والناقد "محمد رضوان" بالقول: «كان على الرواية أن تعبث بالرقابة وتنقيها، ثم تحتال عليها لتقول الحقيقة بالمجاز والرمز والدلالات والانزياحات الفنية الأخرى، وهي تدرك حدود المسموح والممنوع، وقد خرج "حيدر حيدر" عن هذه القاعدة في روايته "وليمة لأعشاب البحر" ومن قبله "عبد الرحمن منيف" في معظم أعمالهما، وسواء أكانت الرواية فناً ماكراً يعتمد على التخييل والمجاز والرموز الأخرى، أم فناً واضحاً يعتمد على المباشرة فإنها تندرج في شروط الديمقراطية الموءودة في بلاغة المقموعين التي ترتدي أقنعتها الفنية والدلالية لتقول الحقيقة وتعري زيف الاستبداد، وفي حالات أخرى يحاول الروائي أن يوطد مبدأ التقية بأمكنة ومدن وأسماء متخيلة دارت فيها مآسي الحاضر، واستشرت فيها شرور الاستبداد ونتائجه، كما فعل "جمال الغيطاني" في رحيله التاريخي إلى زمن "الزيني بركات" ليقول إن ما حدث في ذلك الزمن يحدث الآن، وهكذا فعل "هاني الراهب" في روايته الأخيرة قبل رحيله "رسمت خطاً في الرمال" متكأ في نزوعه التاريخي على مقامات "بديع الزمان الهمذاني" في تعرية الاستبداد والقمع الوحشي الذي حضر في التاريخ، إلا أن "خيري الذهبي" يستأنف في روايته المهمة "فخ الأسماء" بلاغة المقموعين متخذاً مبدأ التقية في العودة للتاريخ، معتمداً على عناصر ثلاثة الزمن الماضي يماثل الحاضر، وإن تغيرت الأسماء فتبدو قناعاً واهناً أو فخاً مرواغاً، ويستبدل العالم العربي بقبائل قريبة هي قبائل "الجغائيين" التي تدخل العالم العربي وتخرج منه وتبقى فيه، وثالثاً يصنع من التاريخ البعيد "فانتازيا" هي التعبير الأدق عن الرعب السلطوي، إلا أن الخطاب الروائي المعاصر في ظل الهيمنة المطلقة والاستبداد السياسي والاجتماعي والثقافي الذي فرخ الإرهاب عبر أصوليات ظلامية وعدمية، حمّل ثناياه نصاً غائباً أو موازياً للنص الظاهر، لا يقل أهمية وتأثيراً عن النص المكتوب».

الأديب والروائي باسم عبدو

وحول أدب السجون والاستبداد الروائي أشار الكاتب والروائي "باسم عبدو" عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب بالقول: «بعد الحرب العالمية الثانية، نالت الدول العربية استقلالها السياسي، وتحررت من الاستعمار. وحلَّت البدائل أو الأنظمة العربية مكانها، ووضعت أياديها على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية. وتحوّلت إلى أنظمة شمولية قمعية، لم يقف الأدباء في كافة المراحل مكتوفي الأيدي. ظلَّت أقلامهم تروي الأوراق والصحف والروايات والقصص، من حبر إبداعاتهم وغربلة نتاج حصادهم في بيادر الدفاع عن الكلمة والعدالة والحرية والديمقراطية. وظهر "أدب السجون" في النصف الثاني من القرن العشرين، وعبَّر الأدباء بأقلامهم المستنيرة عن اعتقالهم ومعاناتهم في أقبية الأجهزة الأمنية العربية وزنزاناتهم المتعفّنة، أو بأقلام الروائيين أنفسهم عن مناهضة الاستبداد السياسي واحتكار السلطة والتضييق على الحريات الديمقراطية. ودخل السجون والمعتقلات السرية عشرات ألوف الكتاب والمفكرين والسياسيين، ولا يمكن استثناء أحد. وأصبح "أدب السجون" شعراً ونثراً من أصدق أنواع الكتابة».

وتابع بالقول: «يزداد عدد الروايات الصادرة عن أدب السجون في العالم العربي، وإن اتفقت في المضمون عموماً، فالأساليب تختلف من روائي إلى آخر، من حيث اللغة والمشاهد الحوارية، وعمق التجربة والتخيل الذي يضفي على السرد نفحات مشوقة، وكيفية التعاطي مع الأشخاص بضمير المتكلم والغائب والعلاقة بين المكانين المكان المغلق الذي هو السجن. والمكان المفتوح بعد الخروج من المعتقل، وصمود السجين ومواجهته لآلة التعذيب الجسدي، وممارسة التعذيب النفسي، والأثر الذي يتركه هذا المناضل في الحزب الذي ينتمي إليه، وكذلك في المجتمع والبيئة ومدى اندماجه وعودته لحياته الطبيعية، لقد أسس النظام العربي مدرسة الاستبداد، من الماء إلى الماء مروراً بالصحراء الكبرى، نصب خيمة واحدة على مساحة أربعة عشر مليوناً من الكيلو مترات المربعة، جمع فيها أبجدية السياسة والإبداع والفكر وطمرها في أقبية سجونه ومعتقلاته، وكأن الحليب الذي رضعه هؤلاء الأسياد من أثداء أمهاتهم، زرع بجينات القمع وتعذيب البشر دون أسباب، أو لأنهم فقط يناضلون من أجل تحقيق إنسانية الإنسان والدفاع عن الأوطان».

الناقد والروائي محمد رضوان