الأمانة تحمل في مضمونها الأمان والطمأنينة والضمير الحي وحماية الآخرين ومساعدتهم ومحبتهم أياً كانوا، فهي من القيم الاجتماعية الأساسية التي تقوم عليها الثقافة الجمعية للمجتمع، ويحاول علم الاجتماع إظهار أهميتها في تماسك المجتمع وتلاحمه.

حول المفهوم القيمي للأمانة خصوصاً والعادات الخيّرة عموماً، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 23 تموز 2014، التقت الباحث الاجتماعي "الدكتور فايز عز الدين" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بـ"السويداء"، فبين قائلاً: «لا يرجى للنظم السائدة والروابط الاجتماعية أي انتظام بمعنى الكلمة، إلا إذا ارتكزت واعتمدت على مركّب مكوّن من صنوف مختلفة من العرف وأساليب السلوك. وتوجد في كل مجتمع طرق متفق عليها، كالأمانة والوفاء، وأعراف الأعراس والأتراح والضيافة وطرق الاستقبال، وإغاثة الملهوف، وحماية الضيف... وغيرها الكثير، وهي طرق التصرف التي يقرها المجتمع بالعادات الجمعية أو العادات والتقاليد، ولأن العادات جزء أصيل في حياتنا الجمعية، يجب ألا نخطئ بتوهمنا أن عاداتنا الجمعية الخاصة تمثل خير الوسائل للقيام بهذا العمل أو ذاك، فالعادات الاجتماعية والأعراف عادات قائمة في وسط معين، والعرف هو عادة من العادات، فحين نقول عرف الأمانة هو جزء من العادات والتقاليد وهو أكثر من مجرد تكرار مألوف لطراز السلوك، ويصبح قاعدة سلوك، ورأى بعض العلماء أن أعراف شعب هي بذاتها أوامر، وهناك قول: "أن العرف يأمر، أو العرف يقتضي"، ولهذا فإن الذي يطبق الأمانة بمكوناتها فإن عمله يدخل ضمن فعل الفضيلة، والفضيلة اسم قيمة إيجابية، عكس الرذيلة التي هي قيمة سلبية».

حين كنت ماراً في شارع الملعب البلدي (أحد شوارع مدينة السويداء) ذي الاتجاهين، وجدت حقيبة وقد مرت فوقها سيارات عدة، حين رأيتها هممت بفتحها وإذ بها مبالغ مالية كبيرة من العملة الصعبة وجوازات سفر وتذاكر طائرات وشيكات بنوك وبطاقات سوا للصرافة وجوال من نوع فاخر جداً، بحثت عن اسم صاحب العلاقة من خلال جواز سفره، واتصلت به وكان حائراً يبحث عن حقيبته حينما كان يعد نفسه للسفر، وهو "أمين أحمد حكيم". ذلك الفعل يعد أمراً عادياً حين يشعر المرء بأنه يحمل ثقافة جمعية ورثها عن آبائه وأجداده بإغاثة الملهوف ورد الأمانة وإكرام الضيف، وعودة الحق إلى صاحبه، ولأن الأمانة والشهامة والمروءة جزء من ثقافتنا المحلية، وعادتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، كان ذلك الفعل لا يتعدى العمل الإنساني، لما له من أهمية في زمن تلاشت فيه القيم والأخلاق، لكن في الحقيقة أراه عادياً لما في موروثنا الاجتماعي من قيم جمعية وأخلاق وإنسانية نشأت مع جدودنا وأصبحت في تربيتنا وسلوكنا اليومي

وعن سلوك الأمانة أشار الأديب "جهاد الأحمدية" بالقول: «للأمانة عرف قيمي نابع من صميم عادات وتقاليد وتربية لها وجودها في بنية التفكير والعقل الجمعي للمجتمع، ويحمل رؤى وأفكاراً تشمل تاريخ وثقافة بيئة اجتماعية ببعدها السلوكي تتضح في انعكاس ممارسته على تنمية الفرد والمجتمع.

الدكتور فايز عز الدين والشيخ جابر زريفة

فالأمانة من شأنها ترك آثار إيجابية في نفوس المجتمع وأفراده، حينما يتناقل الناس فعل الأمانة، على سبيل المثال ما جرى مع الشيخ "جابر سليمان زريفة" الملقب "أبو خلدون" حينما أعاد حقيبة ملأى بأموال كثيرة ومبالغ كبيرة ووثائق مهمة لصحابها "أمين أحمد الحكيم"، في الظروف الحالية التي طغى فيها التلوث البيئي والاجتماعي والأخلاقي على طبيعة الحياة، وبات الطمع والجشع سائداً على حساب العفة والأمانة، فأصبح هذا الفعل جزءاً من ثقافة جمعية لها تأثير كبير على نمط السلوك، والآثار الإيجابية على أفراد المجتمع بعادات وتقاليد يتذكر الفرد فيها موروثاً قيمياً من عادات وأعراف ذات صلة بالقيمة الفكرية السلوكية العائدة للأمانة في المصدر والبحث، والسؤال: لو درسنا الحالة المادية لمن وجد الحقيبة وأعادها لأصحابها ووجدناه ذا حاجة مالية كبيرة، وأعاد الأمانة رغم حصوله على تلك المبالغ التي لو ظلت في جعبته لأصبح من الأغنياء، ألا نستنتج أن ذلك نابع من ثقافة أخلاقية تراكمية لبيئة اجتماعية تحمل البعد الزماني والمكاني في التربية وبناء فكر وشخصية الفرد؟ كما هو الشيخ "زريفة" في المثال السابق، وحين يطبق هذا الفعل يشعر المرء بنشوة إنسانية، وذلك ما حدث معي قبل عقد ونيف من الزمن حينما وجدت حقيبة وأعدتها إلى أصحابها؛ الأمر الذي دفع ببعض المنظمات توجيه شهادة شكر وتقدير لي، وهذا فعل كان له انعكاسه على شخصيتي وأبنائي أيضاً».

وحين توجهنا بالسؤال للشيخ "جابر سلميان زريفة" حول الأمانة أشار بالقول: «حين كنت ماراً في شارع الملعب البلدي (أحد شوارع مدينة السويداء) ذي الاتجاهين، وجدت حقيبة وقد مرت فوقها سيارات عدة، حين رأيتها هممت بفتحها وإذ بها مبالغ مالية كبيرة من العملة الصعبة وجوازات سفر وتذاكر طائرات وشيكات بنوك وبطاقات سوا للصرافة وجوال من نوع فاخر جداً، بحثت عن اسم صاحب العلاقة من خلال جواز سفره، واتصلت به وكان حائراً يبحث عن حقيبته حينما كان يعد نفسه للسفر، وهو "أمين أحمد حكيم".

الأديب جهاد الأحمدية

ذلك الفعل يعد أمراً عادياً حين يشعر المرء بأنه يحمل ثقافة جمعية ورثها عن آبائه وأجداده بإغاثة الملهوف ورد الأمانة وإكرام الضيف، وعودة الحق إلى صاحبه، ولأن الأمانة والشهامة والمروءة جزء من ثقافتنا المحلية، وعادتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، كان ذلك الفعل لا يتعدى العمل الإنساني، لما له من أهمية في زمن تلاشت فيه القيم والأخلاق، لكن في الحقيقة أراه عادياً لما في موروثنا الاجتماعي من قيم جمعية وأخلاق وإنسانية نشأت مع جدودنا وأصبحت في تربيتنا وسلوكنا اليومي».