كتاب "الانفتاح الدلالي للنص" للدكتور "عاطف البطرس" يحتوي على دراسات نقدية لثلاث روايات، بعنوان "الرواية في جبل العرب وثقافة المقاومة" وقد تناول روايات "البراري لمحمد رضوان"، و"جهات الجنوب لممدوح عزام"، و"التجديف في الوحل لجميل سلوم شقير"، وقارب ثلاث روايات أخرى هي: "أوقات برية لغسان كامل ونوس" و"اغتيال نوبل لأسعد الجبوري"، و"اللحاف لأيمن ناصر"، أما في مقاربات القصة القصيرة فقد اتخذ تسع مجموعات قصصية.

وقد تحدث الأستاذ الدكتور "غسان غنيم" أستاذ في جامعة "دمشق" لموقع eSuweda ناقداً كتاب "البطرس": «لم يعد النقد عبارة عن إطلاق حكم قيمة فحسب بل أصبح منطلقاً ومنهجاً وفكراً يعالج فيه الناقد ما يحمل من ثقافة اجتماعية وسياسية وما استطاع أن يختزنه من تراكم معلومات لإجراء مقاطعات نظرية يجري عليها إسقاطاً تطبيقياً لمطلق حكم في معرفة ناجمة عن نهج معين أو جنس معين من الأجناس الأدبية المتعددة والمعروفة».

لم يعد النقد عبارة عن إطلاق حكم قيمة فحسب بل أصبح منطلقاً ومنهجاً وفكراً يعالج فيه الناقد ما يحمل من ثقافة اجتماعية وسياسية وما استطاع أن يختزنه من تراكم معلومات لإجراء مقاطعات نظرية يجري عليها إسقاطاً تطبيقياً لمطلق حكم في معرفة ناجمة عن نهج معين أو جنس معين من الأجناس الأدبية المتعددة والمعروفة

وأضاف يقول: «"الانفتاح الدلالي للنص مقاربات في الرواية والقصة القصيرة" كتاب جديد صدر عن دار الينابيع للناقد الدكتور "عاطف عطا الله البطرس"، وعلى الرغم من حبه أن يذكر اسم والده على كتابه إلا أنه لم يذكره في إصداره وقد يكون الأمر ليس بيده بل خطأ الناشر، فالعنوان ينطوي على إشكالية نقدية ومصطلح معرفي في المنهجية النقدية وقد يجعل الكاتب العنوان جزءاً من التطبيق النصي على بنية الكتاب المدروس.

الناقد الدكتور غسان غنيم

ابتدأ الكاتب بمقدمة بعنوان: "الممارسة النقدية بين الحكم الفني والقيمة الأخلاقية" نقلنا إلى عالم النقد الجميل وما يتمتع به من مصطلحات نقدية فيها صناعة فنية متولدة من قطب جمالي، فحين نقرأ له في المقدمة على سبيل المثال: "نحن أسرى لثقافتنا ويجب التحرر من أسرها باستمرار بتنوع مصادرها وتعدد مرجعياتها" نشعر بطريقة انسيابية أن الكاتب لا يملك ناصية الثابت بل المتغير والمتحرك، وهذا مؤشر على أن النص حواري ويجيز للمتلقي أن يتحاور مع الكاتب بنصه، ولذلك فقد أعطى دلالة معرفية تطبيقية على نحو معرفة قيّمة لبنية نصية أدبية لكنه لا يبتعد بمطلق إرادة عن الشخصانية الذاتية التي يملك فيها المساجلة والجدلية والديالكتيكية المؤدلجة، وهذه ثقافة ينتمي إليها الكاتب، وقد وفق في تقييم موضوع متصل ومنفصل في آن واحد وهو "المقاومة في رواية جبل العرب" إذ اتخذ من ثلاث روايات موضوع الدراسة ولكنه قسمها وبوبها بشكل علمي.

ويمكن أن نقول إن "د. عاطف البطرس" عندما تقرأ نصاً نقدياً له تشعر بأن صوته يخرج من بين الكلمات ولعل ذلك نابع من خطابه المباشر من ميكرفون ذاته ومساجلة ذاتية في وقت ليس للزمن مكان ولا للمكان زمن أمام نفسه، أي أجرؤ على القول إن جملته النقدية لها شخصية وإيقاع خاص وأسلوب إلقاء متفرد».

العمل النقدي

وتابع: «وقد دهشت عندما استمعت إليه لأول مرة في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين إذ بدأ ينقد قصصاً مقدمة لمسابقة الاتحاد المذكور، ومع ذلك فإن الانفتاح الدلالي للنص يحمل الكثير من المفارقات بين ما يحمل الكاتب من فكر نقدي ثاقب وبين الدرجات المعرفة التي كونها لمجموعات قصصية أدبية وروايات جعل منها مادة أدبية نقدية في كتابه، لأنه تفاوت في تعاطيه مع النص بين الواحدة والآخر، وهذا يعود بشكل حتمي إلى النص المدروس والدلالة المعرفية التي يتكئ عليها القاص، وحاول أن يعتمد على تقسيم الموضوع إلى عدة أقسام كي يعمل على الاستهلاك والاستسهال للمتلقي بتلقيه الفكرة كما في دراسته لثلاث روايات معاً "البراري والتجديف في الوحل، وجهات الجنوب" وهو أوضح موقف المقاومة وشهامة الثوار ونذالة المعتدي وهمجيته.. ولكن هناك سؤال له مشروعيته: لماذا وضع الكاتب مقالتين لرواية واحدة في كتابه؟ ولماذا لم يتخذ أكثر من رواية بدلاً من أن يصب نقده على موضوع واحد في ثلاث روايات؟

رغم أنني على يقين أن الكاتب لا تنقصه ثقافة القراءة ولا قراءة الثقافة المتعددة بل لديه نظرة فلسفية وجودية خاصة بنظريته لمقالتين لرواية واحدة وقد أبرر له ذلك بإثبات أن قراءة واحدة لا تكفي للنص بل زيادة القراءات تعطي دلالة وتعددية في أوراق المعنى كأن اتخذ من رواية "التجذيف في الوحل" بمقاله الأول ثقافة المقاومة وبالثانية علاقة شخصية بتاريخها قراءة واحدة لا تحمل المدلول المعرفي وإطلاق حكم قيمة لأي نص دون تعدد الدلالات المعرفية.

الدكتور عاطف البطرس

ونتساءل: هل لأنه على علاقة شخصية بتاريخ وأحداث تلك الروايات درسها؟ أم ضيق فضاء الرواية، جعل الكاتب يحمل رؤية مختلفة؟.. أنا على يقين أن الكاتب يملك ناصية القراءة المعاصرة لكن قراءته منهجية ضمن البوتقة المؤدلجة ولهذا أتمنى عليه أن يخرج من دائرة التقيد الفكري إلى تفتيت المرجعيات النقدية والفلسفية وخاصة الوجودية منها، كأن يأخذ قرارات متعددة في النص والأمل في المعرفة والحقيقة متعددة الدلالات والمرجعيات مع المحافظة على التجديد.

استخدم الكاتب العنوان النقدي المبهر أكثر من مرة في كتابه إذ وضع في مقدمة الكتاب عنوان "الممارسة النقدية بين الحكم الفني والقيمة الأخلاقية"، وعاود في ص79 عندما كتب عن "رواية اللحاف بين السيرة الذاتية والبناء الروائي" إذ وضع عنواناً فرعياً "الحكم الفني والقيمة الأخلاقية" لعل استخدام الكلمة بدلالة مختلفة يعطي إيقاعاً مختلفاً إذ كان الفرق في كلمة /بين/، وقد يكون ذلك نابعاً من أن قراءة واحدة للنص لا تكفي في الإمعان به.

وهناك مطب أشعر بأن على الكاتب تجاوزه عندما أخذ السرد النقدي منه الكثير بإطلاق حكم القيمة المعرفية بتحميله معلومات تعليمية بقوله: "على كتابنا بذل المزيد من الجهد"، ثم يقول: "وعلى الكاتب أن يتقن صنعته"، ويقول: "وعلى الناقد ألا يتساهل فيعلي الأخلاقي على الفني، وعلى الناقد محاربة الغوغائية"، ويتابع: "عليه أن يكون كذا ويجب على الناقد أن يفعل كذا.." وهذه الدينامكية لا تعطيه أحقية التصرف في النص الإعلامي بل في النص التعليمي التلقيني».