في رحلة حبة القمح الأخيرة في البيدر، كان اعتماد الفلاحين في درس القمح على "النورج"*، ضمن أجواء تنافسية تعاونية، أما اليوم فقد وفرت الآلات الحديثة في ساعات العمل وعدد العمال.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 6 آب 2015، المزارع والباحث "عدنان مكارم" من قرية "بريكة"؛ الذي تحدث عن عادات البيدر في درس القمح، ويقول: «من أجمل العادات التي كانت سائدة في الماضي قصة "الداروس" و"المشوعب"** في البيادر، وهي الحالة التي كانت تشغل الناس في النهار وتكون محور أحاديثهم في "المضافات" ليلاً، فالأغاني التي كانت تصدح من حناجر العاملين كان فيها الكثير من المعاني والمواضيع وليست لدراسة القمح فقط، كما في أغنية "الداروس"، ويقولون فيها:

ومن الأشياء التي كانت سائدة عندما يقوم أحد "الدواريس" بترديد مقطع من الأغنية، يردد بعده "داروس" آخر على بيدر مجاور له، وفي حال عدم وجود "داروس" قريب يقوم "المشوعب" بالغناء ويردد خلفه الأغنية ذاتها

(يا هوعي.. ما قلتلك ياهوعي.. ياهوعي يا بو قميص رفوعي.. لا تسكن البرية.. خيل العرب محذيّة.. خيل العرب ومهارة.. ومربطة للغارة.. خيل العرب بالغارة.. تلعب كما السّنارة.. سنارتك يا الهندي.. دوا الأعادي عندي.. يوم نشن الغارة)».

البيادر عندما يعم الخير

ويتابع: «ومن الأشياء التي كانت سائدة عندما يقوم أحد "الدواريس" بترديد مقطع من الأغنية، يردد بعده "داروس" آخر على بيدر مجاور له، وفي حال عدم وجود "داروس" قريب يقوم "المشوعب" بالغناء ويردد خلفه الأغنية ذاتها».

يشير الكاتب والمهتم بالتراث "سلمان البدعيش" إلى أن "الداروس" و"المشوعب" يتابعان الرحلة حتى ينعم القش جيداً ويصبح جاهزاً لـ"الذراوي"؛ وهي عملية فصل القمح عن "القصل والتبن"، ضمن حالة من التنافس الحاد بين "الدواريس" في القرية يغذيها أصحاب البيادر من أجل المتعة والمنافسة، ويقول: «على الرغم من حالة الجمال التي يبثها "المشوعب" و"الداروس" في أرجاء القرية، إلا أن قصة التنافس وقوة النفوذ واعتبارات أخرى كانت سائدة فيما مضى، تنفيذ في قوة الإنتاج.

الباحث سلمان البدعيش

وتتلخص ظاهرة التنافس بين "الدارسين" في الأغنية التي يغنيها "الداروس" وهو واقف على "لوح الدراسة" ومنهمك بدرس القش، ويقول فيها: (نسف يا طبقنا.. تا نلحق رفقنا.. رفقنا صبحية.. واردة عالمية.. لاحقها شبين.. واحد اسمه سلامة.. على خده علامة.. والعلامة بالصندوق.. والصندوق ماله مفتاح.. والمفتاح عند الحداد.. والحداد بدو بيضة.. والبيضة تحت الجاجة.. والجاجة بدها قمحة.. والقمحة تحت الداروس.. والداروس بدو عروس.. تفرش وتنام بحدو.. والمشوعب بدو موس.. تا يزين حنجرته)».

أما المزارع وجامع التراث "جمال مهنا" الذي تحدث عن دخول الآلات الحديثة إلى البيادر، واعتماد الفلاحين عليها في إنجاز محصولهم بسرعة، فيقول: «بدأت "الدراسات" في العمل ضمن الحقول منتصف الثمانينيات، لكنها كانت تتم بصورة صعبة قليلاً وتعتمد على الكثيرين من العمال، وهم كانوا على الأرجح من أقارب وأصدقاء أصحاب الحقل الجاهزين لـ"الفزعة"، حيث يقوم الشباب بنقل القمح إلى سطح "الدراسة" ويقوم عامل آخر بإدخال السنابل إلى فرامة حديدية حلزونية، وتطورت هذه الآلة لتصبح قادرة على الوصول إلى القمح المتجمع على الأرض، وهذه العملية وفرت في عدد العمال.

"الداروس والمشوعب"

وفي مطلع التسعينيات دخلت "الحصّادات" إلى العمل الزراعي لتصبح أيام الحصاد معدودة، حيث تحصد القرية محصولها كاملاً في شهر واحد، إضافة إلى أن الحصّادات تؤمن "التبن" الذي كان الفلاحون يستغنون عنه لفترات طويلة من الزمن، وهو ما خلف الكثير من السلبيات أهمها تخليهم عن تربية المواشي، أما الآن فقد عادت "الدراسات" من جديد بعد أن عاد عدد كبير من المزارعين إلى الحصاد اليدوي من أجل تأمين "التبن" المخصص لغذاء المواشي، و"القصل" من أجل نار التنور المخصص للخبز العربي».

*النورج: لوح الدراسة المعدني.

**الداروس: الفلاح الذي يركب لوح الدراسة، والمشوعب: يساعده برمي القمح أمام اللوح (كما هو موضح في الصورة).