هنا قلّما تجد بيتاً لا تصدح الموسيقا في أركانه، فلا تعجب إن وجدت أكثر من آلة موسيقية في المنزل، وأكثر من عازف لدرجة أن الموسيقا تطغى على كل شيء عند الشباب، وهي ظاهرة تستحق المتابعة في "جبل العرب".

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "نجيب السيد" في منزله ببلدة "شقا" يوم الأحد الواقع في 7 حزيران 2015 والمولود فيها عام 1959؛ الذي تحدث عن سبب اهتمام الشباب بالموسيقا قائلاً: «كان عددنا صغيراً في البداية، كنا شباباً متحمسين نعزف الأغاني الوطنية ونقيم الحفلات في البلدة والقرى المجاورة، كانت تلك تعد ظاهرة جديدة على المجتمع الذي شجعنا وبدأ يدفع أولاده نحو التعلم، فكثر الطلاب ومعه اجتهد المدربون وتغلغلت الموسيقا لتصل إلى كل بيت، ويدين عدد كبير من الشباب بالفضل للفنان الراحل "بديع أبو حسون" بزرع وإثمار الموسيقا كما يجب أن تكون في قلوبهم قبل بلدتهم، كان الراحل من علمني والكثيرين من قبلي الموسيقا، وهو الذي وضعنا على الطريق وترك لذوقنا العام الاختيار بين السير قدماً أو التوقف عند مرحلة الهواية، والجبليون بطبعهم يحبون الموسيقا وكأنها خلقت معهم؛ ففي الحصاد تجدهم يغنون للأرض على الرغم من قساوة تلك الأيام، وفي الحرب كان "المجوز" يرافق المقاتلين بل ويكون أمامهم، وفي الموت تجد تلك الترانيم الموسيقية التي تشدو بها حناجر النساء حزناً على فقيد راحل، وهكذا تجد الموسيقا متغلغة حتى النخاع فينا من دون أن نشعر، والأهم برأيي الشخصي للحالة التي وصل إليها الناس في "شقا" حبهم الجارف للحياة والموسيقا حياة».

الجميل في حالة المبدعين الشباب في "شقا" أنهم يعزفون على كافة الآلات الموسيقية، وقد كوّنت عدة فرق في البلدة مؤلفة من الآلات الشرقية والغربية، وهم يحيون إلى الآن الحفلات الفنية في البلدة وخارجها، وكانت الفرق تجوب القرى كلما طلب منها ذلك، وهناك عدد من المدرسين الذين ما زالوا يعلمون الأطفال بطريقة علمية مدروسة، ومن هنا تجد أن الكثيرين منهم يتابعون تعليمهم للوصول إلى المعهد العالي أو إلى المعاهد المتوسطة، ولا أعتقد أن هناك بيتاً خالياً من آلة موسيقية حتى لو ترك أفراده العزف؛ فكل واحد في البلدة لديه طموح أن يتقن العزف على آلة ما لكي تبقى تلك الروح تخيم في المنازل

وأوضح الملحن وعازف العود المغترب "وجيه ناصر" عما زرعته الموسيقا في المجتمع "الشقاوي" وأهم ما أنجبته البلدة من مبدعين بالقول: «ترافق الإبداع الموسيقي في البلدة مع الشعر والشعراء الذين سطروا بكلماتهم العذبة ألحاناً رقراقة تتناسب مع المناسبات، فمنهم من استلهم التاريخ للكتابة الجزلة عن القوة والبطولة، ومنهم من كتب عن الحب، وكانت تلك القصائد تلحن وتغنى وما زالت تردد حتى اللحظة، وأعتقد أن الحركة الفنية في "شقا" هي نعمة كبيرة ترافقت مع الحياة، ولهذا يمكنني القول إن التطور الثقافي والعلمي في البلدة عائد إلى تلك الآلات التي هذبت الروح والعقل معاً، وقد وصل عدد من فناني البلدة إلى العالمية غناء وموسيقا، مثل الفنانة الكبيرة "وعد أبو حسون" التي تجوب العالم ناثرة عبق صوتها وتراث بلدها في أهم مسارح العالم، وهناك الموسيقي الأكاديمي المشهور في الغرب "شفيع بدر الدين"؛ وقد كان مدرساً في المعهد العالي للموسيقا في "دمشق"، وعلى صعيد الفرق الشعبية اشتهرت فرقة "مفيد طحطح" لإحياء التراث، هذا على مستوى العالم، أما محلياً فيبرز عشرات الفنانين في المحافظة، منهم من شق طريقه في التلحين ومنهم ما زالوا شباناً صغاراً ينتظرهم مستقبل كبير».

الفنان نجيب السيد

ومن أشهر مدرسي الموسيقا في المنطقة الأستاذ "مثال طحطح" ذلك الفنان الذي يعيش في الظل من أجل الموسيقا فقط، حيث يقول: «الجميل في حالة المبدعين الشباب في "شقا" أنهم يعزفون على كافة الآلات الموسيقية، وقد كوّنت عدة فرق في البلدة مؤلفة من الآلات الشرقية والغربية، وهم يحيون إلى الآن الحفلات الفنية في البلدة وخارجها، وكانت الفرق تجوب القرى كلما طلب منها ذلك، وهناك عدد من المدرسين الذين ما زالوا يعلمون الأطفال بطريقة علمية مدروسة، ومن هنا تجد أن الكثيرين منهم يتابعون تعليمهم للوصول إلى المعهد العالي أو إلى المعاهد المتوسطة، ولا أعتقد أن هناك بيتاً خالياً من آلة موسيقية حتى لو ترك أفراده العزف؛ فكل واحد في البلدة لديه طموح أن يتقن العزف على آلة ما لكي تبقى تلك الروح تخيم في المنازل».

الفنان وجيه ناصر
المطرب مفيد طحطح