في ندوة حوارية بعنوان: "الشرائع السماوية مصدر ثراء روحي وإنساني"، أقيم على مسرح كنيسة النبي الياس- حي الفيلات فعاليات مهرجان النور السنوي الذي تنظمه مطرانية الروم الأرثوذكس بحلب.

وذلك بحضور سماحة المفتي العام للجمهورية الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، ونيافة المطران يوحنا إبراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذكس بحلب، وعدد من علماء الدين الإسلامي ورجال الدين المسيحي، وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة وعدد من أعضاء مجلس الشعب، وأساتذة جامعيين وحشد غفير من المدعوين.

ثم تحدث المطران يوحنا إبراهيم في كلمته عن الشرائع السماوية التي هي المصدر لكل هذا الذي نتغنى به حول الإخاء الديني والوحدة الوطنية والعيش المشترك، وكل هذا الثراء الموجود في تاريخنا وحياتنا التي نعيشها كل يوم.

وحول معنى الشرائع شرح أن المفرد هو شريعة، شرع، شرّع، أشرع، اشترع، وهي تعني سننَ أو نهج، أظهر، أوضح، وهذه الكلمة الترجمة لكلمة "توراه" باللغة العبرية، أو كما يقول اليونانية "نامْوس"، ومن هنا جاءت كلمة الناموس التي ذُكرت في الإنجيل.

كما لخّص المطران شريعة موسى الوضعية، من خلال الوصايا العشر التي هي أساس للشرائع التي استندت إليها المسيحية، و المعاملات التي ترتب شؤون الإنسان كفرد وجماعة، والتوصيات بالعبادة والطقوس، فعندما نقرأ عن الشريعة في التوراة، ندرك بأن هذه الشريعة قد تم التعبير عنها في أسفار التوراة من تعليم، شهادة، أمر، وصية، حكم، كلمة، و أخيراً مشيئة الله.

أما في المسيحية بشكل عام فإن الشرائع التي تحدث عنها السيد المسيح فهي شريعة موسى التي عنفها في أكثر من مكان ولخص كل الشرائع السابقة بموضوع المحبة " أن تحبَ الرب إلهك، من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، وأن تحب قريبك كنفسك"، كما أن السيد المسيح قد ركز على أن المحور الأساس ليس حرفية الشرائع بقدر ما هو الإنسان ولهذا وقع الخلاف بين الفريسيين والكتبة في أكثر من مكان، فالمسيح هو الذي قال: إنما جُعل السبت لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت" وأن في المسيحية قول يردد كثيراً ألا وهو" أن الحرف يقتل، والروح تُحيي".

ثم سماحة المفتي العام كلمته بشكر القائمين على المهرجان ثم تحدث عن توجه الناس خلال السنوات العشرة الأخيرة إلى شرائع الأرض وتخليهم عن شرائع السماء، ظناً منهم أن شرائع السماء تُقيدهم، فأعلنوا تخليهم عن الشرائع السماوية تحت مسميات كثيرة منها: الثورة الثقافية، العلمانية، التحرر من المسجد والكنيسة، التحرر من فكر رجال الدين....الخ، وانتهى سماحته إلى أنه لم يسمع مطلقاً عن أحد يقول " أريد أن أتحرر من الله!!" فحتى الذين لم يعترفوا بالله لم يعلنوا العداء له، بل كان التحرر من بعض رجال الدين ومن بعض ما فُرض عليهم باسم الشرائع، و انتشرت مصطلحات كثيرة في تعريف: الدين والشريعة، الحضارة، الثقافة، العلمانية، العولمة....الخ.

وطرح صاحب السماحة التساؤل عن ابتعاد الشباب عن الكنيسة والمسجد عبر بحثه عن الخلل هل هو في الشريعة أو الدين، أو في المشرعين أو أصحاب الدين.

مؤكداً على أن الشريعة هي مصدر ثراء للإنسان، لأن الدين يعتمد على الحب، وأن الروح إذا سعدت أسعدت جسدها وإذا حزنت أحزنت جسدها، مشيراً إلى أنه قرأ ذلك في ثلاث كتب طوال حياته وهي : الكتاب المدوّن "الكتب السماوية" والكتاب المكوّن "الكون وإعجازاته" والكتاب المؤنسن "وهو الكتاب الأهم والأخطر على حد تعبيره" لأن كل إنسان هو صفحة من صفحات الكتاب الإلهي، موجهاً كلامه إلى الحاضرين قائلاً: إنكم كلام الله الناطق، ولذلك في البدء كانت الكلمة..

كما أشار سماحة المفتي عن بحثه الطويل عن البشرية والدين فبدأ بالتساؤل: هل الدين خادم للبشرية ، أم أن الإنسان خادم للدين؟، فوجد أن ما جاء به الأنبياء والرسل كان في خدمة الإنسان، فالإنسان هو الأقدس في الكون بعد الذات الإلهية، فتأكد منه وناقش الكثيرين حولها، وكان دليله بأن آدم هو الذي خُلق أولاً، وثم علّم الله آدم الأسماء كلها فالعلم جاء بعد خلق آدم فالعلم خادم للإنسان، فجاءت جميع الرسالات لتخدم الإنسان.

وتابع المفتي حديثه حول وحدة الدين وتعدد الشرائع، وأنه بحث عن كلمة الدين في القرآن فوجدها تكررت بأكثر من 93 مرة، وكانت أقوى كلمة فيها هي " يوم الدين" أي يوم الدينونة، القيامة، وجعلنا جميعاً ندين لإله واحد وهو الله، و أن الله جعل الدين هو العلاقة بين الإنسان وبين الله وتسمى العقيدة، أما العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان فتسمى الشريعة، فالصلاة هي شريعة ظاهرها لله، ولكن الله ليس محتاجاً لصلاة الفرد، أما المجموعة هي التي تحتاج للصلاة، فالصلاة شريعة بين الإنسان تنظمها السماء ويجتهد في تطويرها علماء الشريعة، مستشهداً بقول الله تعالى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }الشورى13.

وختم صاحب السماحة بقوله أن لكل زمان ومكان تفسير أو أحكام خاصة بها ومن هنا جاءت ضرورة تجديد القراءة في الخطاب الديني وليس تجديد الخطاب الديني فبعض الأحكام الشريعية لمن يعيش في البلاد الاستوائية لا تنطبق بالضرورة على من يعيش في الاسيكيمو مثلاً، مختتماً بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62

الدكتورة شهلا العجيلي التي أدارة الندوة فتحت المجال لطرح الأسئلة على الضيفين الكريمين، حيث تم طرح عدة أسئلة أجاب عنها صاحب السماحة ونيافة المطران بأريحية كبيرة وصدر رحب.

وفي ختام الندوة قدم الأرشمندريت إيليا طعمة باسم مطرانية الروم الأرثوذكس بحلب الشكر للضيفين الكريمين، كما قدم الدروع التذكارية لهما.