قلّ من يقصد قرية "تيما" ضيفاً إلا وتكون مضافتها الشاهقة المتربعة فوق تلّة صخرية مفتوحة الأبواب من الفجر لتكريم زائريها، حيث تفوح منها رائحة القهوة المرة، وصاحبها متأهب لحلّ الخلافات والنزعات بين أفراد المجتمع.

حول سيرة صاحب المضافة المجاهد "أسعد شرف" وشخصيته، مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 17 حزيران 2020 التقت حفيده "حمد صياح شرف" الذي قال: «ثمانية عقود ونيف وهو يعمل على نشر المحبة والتسامح بعد خوضه تجارب الدفاع والمقاومة عن الأرض والعرض.

حين عاد الراحل "أسعد شرف" إلى أرض وطنه، وجرى للثوار ذلك الاستقبال التاريخي المدون والموثق في بطون المراجع التاريخية، دخل قريته "تيما"، وبدأ العمل لإعادة ترميم مضافته التي هدمها الفرنسيون، واستقبل ضيوفه القاصدين مشورته وحكمته في حل النزعات والخلافات الاجتماعية التي كانت تحدث داخل القرية وخارجها

ساد في تكوينه النفسي الرغبة في العمل، حتى بات معروفاً بين أفراد مجتمعه، ما جعل أعداءه يقصفون منزله رغم ما يحمله من خزائن أثرية. كنا نجالسه وهو يهزّ عكازه مستذكراً أياماً خلت من ذاكرة التاريخ في "وادي السرحان"، ومشاركته البطولية في العديد من معارك الثورة السورية الكبرى، فقد التصق الراحل مع بداية العقد الثاني من القرن الماضي بالمناحي الاجتماعية وعارك الحياة من منظور الوجود والانتماء، مقارعاً الاستعمارين العثماني والفرنسي وظلمهما، فكان من ضمن الرجال الذين التحقوا بركب الثورة عام 1925، وشارك مع بداياتها بمعارك "الكفر"، "صلخد"، "السويداء"، "المزرعة"، "المسيفرة"، "الغوطة"، "القلمون"، "خبب"، و"نبع قراصة"، وقد كلفه القائد العام للثورة "سلطان باشا الأطرش" بمهام قتالية عديدة، وارداً ذلك في مذكراته التي صدرت بعنوان (أحداث "الثورة السورية الكبرى" كما سردها قائدها العام "سلطان باشا الأطرش" بين عامي 1925 و1927)، مشيراً إلى ما قام به من أعمال ووقائع، ومن تلك المهام أنه ذهب مع مجموعة من المجاهدين لمساندة ثوار "الغوطة"، وأصيب في معركة "صلخد" بقدمه اليمنى، وحين عقد "سلطان باشا الاطرش" مع الثوار اجتماعاً في مضافته بقرية "تيما" تعرض منزله لغارة من الطائرات الفرنسية.

حمد صياح شرف

وفي عام 1927 رافق قائد الثورة إلى "الأردن"، وكان واحداً من الثوار المشاركين في مؤتمر الصحراء في "وادي السرحان"، ولم يعد إلى القرية إلا بعد أن صدر العفو وعادوا من "النبك" عام 1937، أي بقي في صحراء "النبك" عقداً من الزمن في أحلك الظروف من مخاطر العيش والبقاء بين الحر نهاراً والبرد ليلاً، عدا الجوع وتناول أعشاب الشوك والمياه الملوثة، وسرد لبعض من أراد معرفة معلومات عن تلك الفترة الزمنية الكثير من المعاناة وحالة الصمود التي ابتكرها ورفاقه الثوار، حيث كنا نستمع إليه وهو يقول أن العديد من الثوار أصابهم (العشى الليلي)، وسقوط أسنانهم لفقدهم عناصر غذائية في المأكل والمشرب».

وتابع "حمد صياح شرف" بالقول: «حين عاد الراحل "أسعد شرف" إلى أرض وطنه، وجرى للثوار ذلك الاستقبال التاريخي المدون والموثق في بطون المراجع التاريخية، دخل قريته "تيما"، وبدأ العمل لإعادة ترميم مضافته التي هدمها الفرنسيون، واستقبل ضيوفه القاصدين مشورته وحكمته في حل النزعات والخلافات الاجتماعية التي كانت تحدث داخل القرية وخارجها».

من أمام مضافة المجاهد أسعد شرف

وأوضح "أنيس ناصر" عضو مجلس إدارة جمعية "الأدب الشعبي وأصدقاء التراث" بالقول: «القارئ للتاريخ والمتابع لأحداث الثورة "السورية الكبرى" كما سردها قائدها العام "سلطان باشا الأطرش" يشعر بقيمة المجاهد "أسعد شرف"، حيث ذكر في أكثر من شاهد تاريخي بمقارعته للاستعمار الفرنسي وكيف أصيب في إحدى المعارك، وما يملكه من عقل راجح في اتخاذ القرار وتقديم المشورة، وتناقل أهالي قريته أن مضافته مشرعة أبوابها لكرم الضيافة، مطلقين عليها ألقاباً مثل "نجمة الصبح" حيث كانت مشعشعة أنوارها ليل نهار، كما تناقلت الأحاديث الاجتماعية أن طعامه يقدم مرات عديدة باليوم الواحد لتنوع زواره ودلالة على كرمه، فهو المجاهد الذي رافق الثوار في ميادين الحرب والقتال، وأبلى بلاءً مميزاً، وكلف بمهام جسيمة، وكان حكيماً في احل النزاعات الاجتماعية لقاصده».

الجدير بالذكر أنّ ولادة المجاهد "أبو صياح أسعد شرف" كانت في قرية "تيما" عام 1900، فارق الحياة في الثالث عشر من شهر شباط عام 1988.

أنيس ناصر مع أحد أحفاد المجاهد