نحو ثلاثة عقود والمربي "هندي حسون" يدرّس اللغة العربية بعشق، ليكون واحداً من أوائل المدرّسين لها في بلدة "القريا"، ويجمع الطلاب حوله قبل الامتحان مجاناً لمساعدتهم بمبادرة ذاتية.

حول مسيرته التعليمية وتميزه بها، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 آذار 2019، التقت المدرّس المتقاعد "هندي حسون"، الذي بيّن قائلاً: «ولدت عام 1947، ضمن أسرة فلاحية محبة للعمل والعلم، فكانت الأرض الجزء الأهم في حياتنا، والعلم الجزء الباني لشخصيتي. تعلمت على ضوء الكاز وفي عتمة الليل المدلهم، وعشت مع جيلي معاناة التعلم، لكن عزائي أنني كنت في مدارس القرية في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية كأول دفعة تتعلم الثانوية فيها، حيث استقدم لنا مدرسون من "السويداء" وغيرها لتعليمنا مادة اللغة العربية، فكانوا القدوة لنا في عشقها، على الرغم من أنني كنت من عشاقها قبل ذلك، وكونت لدي رؤية في التركيب اللغوي للجملة، إذ قلما قرأت جملة لغوية في كتب التاريخ ومصادر الأدب، إلا وكنت أعيش حالة من التماهي مع إيقاع الكلمة ودلالتها ومعانيها ومضامينها، وعليه فإن علاقتي باللغة العربية ليست من باب حبها حين دراستها أو تدريسها فحسب، بل باتت جزءاً من شخصيتي وثقافتي اليومية، لهذا بعد الثانوية درست معلم صف ليتم تعييني بعدها في مدينة "حلب" عام 1966، وفي قرى منطقة "عفرين" لمدة عام، عدت بعدها إلى "القريا"، وبدأت مرحلة مختلفة حين دخلت كلية الآداب، قسم اللغة العربية في جامعة "دمشق"».

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من العلاقة مع اللغة والبحث في أمّات الكتب من كبار الفقهاء فيها، مازال لدي خير جليس بالأنام كتاب، حتى إذا ما جلست مع عشاقها من المختصين نتداول أحدث الدراسات اللغوية، ونتحاور في القواعد وحداثة الأدب

وعن مبادرته الدائمة، يتابع القول: «في الجامعة تعرّفت إلى جهابذة العلم، وخاصة أصحاب الصرف والنحو والقواعد والأدب بأنواعه الجاهلي والأموي والعباسي والحديث، وأيضاً النقد وحكم القيمة للشعر أو الرواية وغيرها من الجناس الأدبية، وتخرجت فيها عام 1974، وتحولت من التعليم الابتدائي إلى الثانوي، وثلاثة عقود ونصف العقد وأنا أعمل في التدريس في قريتي التي أحببت، حيث حاولت ما استطعت تخريج طلاب يحبون اللغة العربية كما أنا، وهناك جيل من الشهادات العليا باتوا أساتذة جامعات يتقنون اللغة.

فارس العوام

وحقيقة من شدة تعلقي بالتعليم وحبي للنهوض بالجيل كنت قبل الامتحان بيوم أطلب من أهالي "القريا" عبر مكبر الصوت إرسال أولادهم إلي، والجلوس معهم لإعطائهم الدروس والتحضير الجيد لتحقيق النجاح، ونادراً من كان من طلابي ولم يتفوق، ووصل إلى مرتبة علمية عالية».

وحول التعليم وطرائقه، تابع بالقول: «بعد أكثر من ثلاثين عاماً من العلاقة مع اللغة والبحث في أمّات الكتب من كبار الفقهاء فيها، مازال لدي خير جليس بالأنام كتاب، حتى إذا ما جلست مع عشاقها من المختصين نتداول أحدث الدراسات اللغوية، ونتحاور في القواعد وحداثة الأدب».

المدرس هندي حسون بين طلابه

وعن علاقته مع مجتمعه، بيّن "فارس العوام" من أهالي البلدة قائلاً: «عرف المدرّس "هندي حسون" بأنه واحد من أوائل المعلمين لمادة اللغة العربية في بلدتنا، وقد تخرج على يديه مئات الطلاب الذين باتوا محاضرين في أهم الجامعات، إذ تميز بمبادرات إنسانية في حياته، حيث كان قبل امتحان اللغة العربية بيوم واحد، يقوم عن طريق مكبر الصوت بنداء لجميع أبناء القرية بالحضور إلى منزله أو مكان معين، ويقوم بإعطاء الدروس والتحضير لمواجهة الامتحان بثقة واقتدار مجاناً، إذ لم تشهد "القريا" يوماً أنه أعطى درساً خصوصياً، بل كان يشعر الجميع بأن الطلاب أولاده، وهو عاشق حقيقي للغة العربية، فهو أول من درّسها وربما نستطيع القول إنه من أهم الباحثين في مضامينها ودلالتها، وهو كشخصية اجتماعية تعدّ اعتبارية ثقافية، فهو الذي يفتتح المحافل والمناسبات الاجتماعية بصوته الجهوري وكلماته الأنيقة الملائمة للواقع واللحظة التي يعيشها، إضافة إلى أنه المرجع في قواعد اللغة حين يختلف المختصون بمعلومة ما عنها، ويتميز بأنه يدخل صفه بالفصحى ويخرج منه بالفصحى».

صورة قديمة للمدرس هندي حسون