حمل همّ العلم طوال عقود من الزمن فكان رمزاً للعطاء، وسعى إلى تحقيق رفاهية الناس واستقلال الوطن، استطاع بقوة إدراته التغلب على إعاقته التي رافقته طوال الحياة، وترك إرثاً أدبياً بعضه لم يبصر النور.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 12 آذار 2015 في مضافة "آل مزهر" الواقعة إلى الشرق من موقف "ساحة سمارة" في مدينة "السويداء" عدداً من أهالي وأصدقاء الراحل "صلاح مزهر"، وكانت البداية مع "إبراهيم أبو كرم" نائب رئيس جمعية العاديات في "السويداء"، والذي تحدث عن الآثار التي تركها الراحل في الحياة العامة وفي الشعر والأدب، ويقول: «وجوده كعضو مؤسس ومشرف على "بيت اليتيم" الذي ما زال قائماً حتى اليوم، ونشاطه في نقابة المعلمين وفرع الهلال الأحمر، جعله متواجد في كل المناسبات والأحداث، حاضراً بعقله وصوته الجهوري ورأيه الذي لا يخاف أن يطرحه مهما كانت العاقبة، وتميز بقوة إرادته على تحصيل العلم في ظروفه قاهرة التي لم تنل من عزيمته، وقدرته على تلقينه للأطفال في زمن الاحتلال، فكان المثال الذي يحتذى به بالعطاء والرعاية».

وجوده كعضو مؤسس ومشرف على "بيت اليتيم" الذي ما زال قائماً حتى اليوم، ونشاطه في نقابة المعلمين وفرع الهلال الأحمر، جعله متواجد في كل المناسبات والأحداث، حاضراً بعقله وصوته الجهوري ورأيه الذي لا يخاف أن يطرحه مهما كانت العاقبة، وتميز بقوة إرادته على تحصيل العلم في ظروفه قاهرة التي لم تنل من عزيمته، وقدرته على تلقينه للأطفال في زمن الاحتلال، فكان المثال الذي يحتذى به بالعطاء والرعاية

ويضيف: «قدم نتاج أدبي افتخر به أهالي المنطقة، فكتب رواية "ثوار من بلادي"، وشارك في صياغة "مذكرات سلطان باشا الأطرش" التي نشرت حلقات منها في صحيفة "بيروت المساء"، و"الرأي العام" الكويتية، كما ترجم بعض الأعمال الفنية والفكرية هي مجموعة قصص للأطفال بعنوان "الأصدقاء الثلاثة" وهي من منشورات وزارة الثقافة عام 1978، وكذلك "أزمة النموّ" وهي أيضاً من منشورات وزارة الثقافة عام 1977، و"رأسمالية القرن العشرين" الصادرة عن "مؤسسة العلاقات الاقتصادية والقانونية" في "دمشق" عام 1972، وترك عدداً من المؤلفات والمختارات المخطوطة التي ينتظر أن ترى النور، حيث توفي في العام 1989».

كتابه الشعري "من حصاد الأيام"

الباحث "رفعت الديك" الموثق لعدد من الشخصيات في "جبل العرب" يقول: «ظروف الاحتلال جعلته يتجه نحو الأدب فخلف كتاباً شعرياً واحداً هو "من حصاد الأيام" الذي أشرف بنفسه على نشره واختيار مواضيعه مع الشرح والمناسبة، وكان طوال أكثر من نصف قرن مثقلاً بأعباء التربية والتعليم وهموم "بيت الأيتام" والمجتمع، فكان بحق المعلم الصادق الباحث عن رفاهية الناس واستقلال الوطن بما كان يمتلك من إمكانيات، كما كان يعنى بالأحداث السياسية فيرافقها ويعتني بها منذ مطلع الحركة الوطنية وعلى الأخص عام 1936 وكان هذا كلفه الكثير من الجهد والعناء، أما مأساة الاحتلال والتجزئة الوطنية والقومية فقد رافقها منذ الولادة وذاق مرارتها على الدوام من سجن وملاحقة».

وفي لقاء مع المدرس المتقاعد "يحيى مزهر" يقول: «ولد عمي في العام 1915 في قرية "الدور" الواقعة في منتصف طريق "السويداء – إزرع"، وقد قضى في قريته أيام الصبا، وفيها تعلم العادات والتقاليد التي يفاخر بها الريف الغربي، ونشأ في زمن النهضة العربية ضد المحتل فنمى خياله الجامح قصص البطولات الكبرى، وقد أصيب في سن الخامسة بطلق ناري عن طريق الخطأ من مسدس كان يلهو به أخيه مما تسبب له بعطل دائم في الفخذ الأيسر، ولكن العزيمة لم تنل منه أبداً.

يحيى ونايف مزهر

تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مدينة "السويداء" فحصل على الإعدادية 1949 والثانوية الموحدة 1951، والتحق بكلية الحقوق بالجامعة "اليسوعية" في "بيروت" لمدة ثلاث سنوات، ولم يكملها».

أما "نايف مزهر" يقول: «دخل "مزهر" معترك الأدب والسياسة مبكراً فارضاً ذاته وكيانه بقوة، وكان من الأشخاص الذين دفعوا ثمناً باهضاً لقول الحقيقة، وقد عانى الأمرّين في سبيل تحصيل العلم كثيراً، فهو الذي كان يسير من قريته "الدور" إلى مدينة "السويداء" مشياً على الأقدام على الرغم من إصابته الدامية التي مات وهو يعاني من تبعاتها، ومنذ أن تخرج من الصف العالي في "السويداء" عام 1933 عين معلماً في المدارس الابتدائية الرسمية، وانتقل من قرية إلى أخرى حتى استقر به المقام عام 1948 في مدينة "السويداء" بتكليف من محافظها آنذاك المصلح "عارف الكندي" لاستلام إدارة "بيت اليتيم" ومدرسته ورعاية أيتامه وتربيتهم حتى عام 1954، حيث كلف بعده بتدريس اللغة الفرنسية في المدارس الإعدادية والثانوية إلى أن أحيل بطلب منه إلى التقاعد عام 1969، عندئذ بات أكثر اهتماماً بالأعمال الكتابية والمشاكل الاجتماعي».

الباحث رفعت الديك