لم يكن شخصية عادية منذ نشأته في "صلخد"، حمل ألقاباً عديدةً، وورّث مهنة الفن المعماري والنحت لذريته، وترك لهم أيضاً قصصه البطولية، وبعض أدوات تراث أهل الجبل الكرام.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان المغترب "فؤاد الورهاني" المقيم في "سيدني" بتاريخ 6 آذار 2015؛ الذي تحدث عن جده "ضاهر الورهاني" ويقول: «يعد جدي شخصية معروفة في الأوساط الاجتماعية فهو الفنان الذي امتهن البناء بالحجر البازلتي وتقصيبه والنحت عليه، وأورث تلك المهنة الأصيلة لأولاده وأحفاده، حيث تعلم هذه المهنة من أهله وأقاربه القاطنين في "لبنان"، وكان معروفاً بين قبائل البادية؛ حيث لقبه البدو بـ"غول الكارس" نسبة إلى القرية التي أسسها؛ لشجاعته وإقدامه وتمرده على السلطة، وكان لاستشهاد والده "حسن الورهاني"، وعمه "إسماعيل الورهاني" تحت بيرق مدينة "صلخد"، وإصابة شقيقهما الثالث "يوسف" في معركة "خراب عرمان" عام 1896 الشهيرة؛ أكبر أثر في خلق شخصية متمردة بداخله، دفعته للقيام بمغامرات للانتقام من الاحتلال العثماني، ولهذا يوجد أكثر من حكم بالإعدام بحقه، لتصديه للمتسلطين من موظفي الدولة العثمانية، وخاصة عند قيامهم بأعمال تمس الشرف والعادات وغيرها.

كانت مهنة العائلة بناء الحجر والحفر عليه منذ أن كانت في قرية "الورهانية" في "لبنان"، وقد انتقلت معها إلى "السويداء" حيث تميز الكثيرون من أفرادها بهذا النوع من الفن الصعب والمعقد، وقد قام المجاهد الراحل "ضاهر الورهاني" ببناء منزله وتوسيعه وهو الآن تحفة فنية مزينة بالمنحوتات الجميلة، وكان ابنه "شاهر الورهاني" وولداه "غالب وفؤاد الورهاني" قد اكتسبوا شهرة واسعة وكبيرة من خلال تصميمهم وتنفيذهم لقصر "موسى" في "لبنان"

وتم سجنه مرات عديدة مع بعض الأعيان من الجبل مثل: "حمزة درويش"، و"حمود بشنق"، و"خليل السعدين"، وفي إحدى المرات خلع شباك الحديد في أحد سجون العاصمة عندما كان مسجوناً مع "نسيب الأطرش"، وتسلل الاثنان إلى بلدة "دير علي" جنوبي "دمشق" ومنها إلى "صلخد"».

قبر "ضاهر الورهاني" في "الكارس"

ويتابع الحفيد "الورهاني": «لم يكن جدي يعلم أن ما أسسه يمكن أن يستمر حتى الآن بذلك الزخم، ولكن لوثة الفن انتقلت إلى الجميع، ولطالما كان الملهم والمعلم الذي نتمنى أن يكون قد شاهد أعمالنا، ونحن نفخر بفنه كما نفخر بمواقفه البطولية العديدة والمعروفة في تلك الحقبة، فكان فارساً مغواراً يجيد الفروسية منذ شبابه وخبيراً بسلالات الخيول الأصيلة، وكان يقتني أنواعاً منها مثل "المعنقية"، التي أتته من أمير إحدى القبائل، ثم "كحيلة العجوز"، و"العبية"، وكان ثمة بقايا من أدوات الفروسية باقية بين أيدينا ونحن أطفال، ومنها ما زال يستعمل كالسرج أو "المرشحة" حتى ستينيات القرن الماضي.

كما كان شديد الاهتمام بالضيف، ومازالت أدوات الضيافة في مضافات أحفاده حتى اليوم، ومنها "الجرن والمحماسة والبراد"، والأباريق النحاسية و"الطاسة"، وأواني المطبخ النحاسية الإسطنبولية، وكان متحدثاً لبقاً في المضافات، وهو عارف بأنساب العرب وسكان الجبل والعائلات، والشاعر "رشيد نخلة" واضع النشيد الوطني "كلنا للوطن" كان صديقاً له ويحرص على زيارته في قرية "الورهانية" مسقط العائلة في لبنان والقريبة من "الباروك"».

نحت لوجهه في بيته الذي بناه

أما قصته مع الجهاد ضد المحتلين فهي حكايات لا يمل المستمع منها، وقد أوردها حفيده "غالب الورهاني" النحات المعروف كما سمعها من كبار السن في القرية وفي مدينة "صلخد" التي خرج منها، حيث قال: «هو مجاهد من مجاهدي تلك الحقبة ضد الأتراك والفرنسيين، وقد أصيب بالمعارك أكثر من مرة، والإصابة الأكبر كانت سبب خروج أمعائه خارج الجلد عند خاصرته اليسرى، عندما كانوا جنوب "تل قليب" في مجابهة الجيش التركي، وكان شقيقه "ذياب" وزميله "خليل السعدي" بين المجاهدين ولم يعلما أنه قد أصيب، حيث قام بالزحف كي يتوارى عن أعين الجند الذين كانوا يجهزون على المصابين، وبقي في أرض المعركة حتى نهايتها، ونقل مع جرحى وشهداء بلدة "ملح" وتم علاجه وشفاؤه عند "آل غزالي" هناك، وأثناء الثورة السورية الكبرى بقيادة "سلطان باشا الأطرش"، وعلى الرغم من تقدمه بالسن إلا أنه شارك وحث الشباب على الالتحاق ببيرق "صلخد"؛ إذ كانت "الكارس" تابعة لها لأن القرية كانت مؤلفة من أربعة أو خمسة بيوت فقط».

وتابع يصف عملية تأسيس القرية والعائلات التي سكنتها: «كان جدي "ضاهر" تواقاً للاستقلال بقرية خاصة به وبعائلته من بعده، وقد حذا بذلك حذو العائلات التي سكنت بعض القرى وخاصة مع رحيل "آل الحمدان" عن زعامة الجبل، وكان له ما أراد بعد أن قايض بأرضه في جنوبي "صلخد" وجمعها حول أهالي قرية "الكارس"، وتعرض للمعارضة كالعادة بمثل هذه الخطوات من كبار العائلات في "صلخد"، لكن فريقاً هنا كان يؤيد فكرته، ولم يعارضه "نسيب الأطرش" بسبب وحدة الحال بينهما واعتماده على "ضاهر" في بعض المواقف، ولقد نجح في تحقيق استقلال "آل الورهاني" بقرية "الكارس" وقام بتوسيع رقعة الأرض والمراعي حول القرية؛ حيث منع قطعان البدو بالقوة من الرعي فيها، وبسط نفوذه عليها، ثم وزعها مجاناً على من سكن "الكارس" لاحقاً، وكان أول من سكن فيها وذلك عام 1904 في بيت من "الشعر"، وبعدها حسم أمره ورمم البناء الروماني القديم في "الكارس"، والمسمى بالقصر حتى اليوم، فبنى عام 1912 غرفتين و"مضافة"، ورمم الأبنية المخصصة للحيوانات (البوايك) ثم بنى أشقاؤه منازلهم، وهم: "مزيد"، و"سند"، و"ذياب"، وأبناء عمه "يوسف"، و"محمد"، و"هاني"، ثم "أسعد بن جاد الله بن إسماعيل" الشهيد في معركة "الخراب"، وفي ذلك العام كان عدد سكان القرية لا يزيد على عشر عائلات، واليوم يسكنها أكثر من ألف نسمة وهم من "آل أباظة"، "شرف"، "ياسين"، "صيموعة"، "جريرة"، "حكيم"، "شميط"، "ورهاني"، وفيها أكثر من مئة بيت، وها هم الآن يشبهون عائلة واحدة تداخلت بالمصاهرة والنسب على مدى العقود العشرة المنصرمة».

النحات فؤاد الورهاني

أورد جامع التراث المعروف وصديق العائلة المقرب "جمال مهنا" المقيم في قرية "أم الزيتون" عن عائلة الراحل وما تركه من أثر في الحياة بالقول: «كانت مهنة العائلة بناء الحجر والحفر عليه منذ أن كانت في قرية "الورهانية" في "لبنان"، وقد انتقلت معها إلى "السويداء" حيث تميز الكثيرون من أفرادها بهذا النوع من الفن الصعب والمعقد، وقد قام المجاهد الراحل "ضاهر الورهاني" ببناء منزله وتوسيعه وهو الآن تحفة فنية مزينة بالمنحوتات الجميلة، وكان ابنه "شاهر الورهاني" وولداه "غالب وفؤاد الورهاني" قد اكتسبوا شهرة واسعة وكبيرة من خلال تصميمهم وتنفيذهم لقصر "موسى" في "لبنان"».

يذكر أن المجاهد "ضاهر الورهاني" توفي عام 1943.