كان الكاتب والمؤرخ "جمال أبو جهجاه" مربياً فاضلاً وكاتباً مبدعاً، وأباً روحياً لأهله وأصدقائه من خلال إرشاداته الدائمة وتوجيهاته الثقافية والاجتماعية والتربوية.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر والأديب الدكتور "ثائر زين الدين" مدير ثقافة "السويداء" بتاريخ 6 آذار 2014، فتحدث عن الأديب الراحل، وقال: «لقد عرفت الراحل منذ بداية العام 2001، وهي معرفة أعتز بها، كان رجلاً نقياً صادقاً خلوقاً، وتعززت هذه المعرفة مع بداية العام 2003 حين أسندت إلي مهمة إدارة الثقافة في المحافظة، فبدأت أدعوه لتقديم المحاضرات، والمشاركة في الندوات ضمن فعاليات مراكزنا الثقافية وكان متحمساً لذلك، وفاعلاً ومجتهداً في تقديم مساهمة جادة، تارة في الأدب، وأخرى في الآثار والتراث، وثالثة في المجال الاجتماعي».

لقد دعا هذا الرجل بكل حياته ومؤلفاته للمحبة. والسيد المسيح تحدث عن المحبة والسلام، وحثنا في كل حياته على فعل الحب الطاهر السامي للأرض والإنسان. ولكون الراحل مربياً فاضلاً وكاتباً مبدعاً فقد ربى الأجيال على تلك الشاكلة، فهو باق في القلوب والعقول

وعن معرفته بما كتبه الراحل، وما قدمه للحركة الأدبية، أضاف: «كنت سعيداً بإصداره عملين أدبيين حمل الأول عنوان (هن النعيم وهن الجحيم) تحدث فيه عن المرأة كما يراها وأقتبس مما قاله فيه: "ليست المرأة نصف المجتمع عدداً فحسب إنما هي المجتمع كله لأنها مصدر الطاقة الروحية، في الإلهام والإبداع، وفي الحب والخير والجمال. فإن كانت أسيرة عواطفنا، أو فتاة أحلامنا ستكون لنا الأمل المشرق، والمستقبل الزاهر، وإن كانت أماً فإنها تمدنا بالعطف والحنان، وتزودنا بالأخلاق وتسلحنا بالفضيلة، وتريدنا أن نكون قدوة حسنة في المجتمع، وكذلك إن كانت زوجة فإنها ترى نفسها في زوجها، وتبذل قصارى جهدها لترقى به إلى الأفضل والأحسن، وتتباهى وتعتز وتفتخر به شكلاً ومضموناً، فالمرأة حقاً فنانة هذا البناء الاجتماعي، دائمة العطاء الإنساني، مربية واعظة ناصحة مرشدة فهي النعيم في ذلك"».

في إحدى محاضراته بثقافي شهبا.

وتابع: «وجاء العمل الثاني تحت عنوان (أبو العلاء المعري والعقل النقدي). وموائد شخصية "أبي العلاء" وأدبه يصدق فيهما قول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم .. (هل غادر النقاد من متردم)، غير أن الأستاذ "جمال" وجد ما يقوله، وما يضيفه أحياناً على ما قيل قبله في شيخ المعرة، فكتب عن الفلسفة الإنسانية عند المعري، وعن الرسائل المتبادلة بين "الفاطمي" داعي الدعاة، و"المعري"، وعن الزهد، وعن مفهوم العقل عنده، وبرأه من الإلحاد، وما إلى ذلك من موضوعات هامة تستدعيها شخصية رهين المحبسين. بعد ذلك قبل الراحل عضواً في اتحاد الكتاب العرب، وكان الأمر اعترافاً رسمياً بأهمية ما كتب».

الدكتور "فايز عز الدين" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب، تحدث عن علاقته مع الراحل، فأضاف: «ونحن نحيي الذكرى السنوية الأولى لوفاة الكاتب "جمال أبو جهجاه" أجدني أتهيب اللحظة، لأنني كنت الشاهد على ربع الساعة الأخير من حياته، عندما وافته المنية في صالة اتحاد الكتاب العرب في "السويداء". فعلى هذه الأرض العريقة استنطق "فيليب العربي" في كتابه الأول ("شهبا" الحضارة) لكي يقص علينا أصداء موجة "روما"، واجتهد مستحضراً فينا عظمة من مروا على الشهباء حقل البراكين، وقطفوا من شامخ تل "شيحان" وردة للأمل، ثم فارقوا كالسهم العربي وهو يطارد غريماً مجهولاً على رمال ليل أبعد من النظر. وفي عمله الثاني "سلطان الأطرش" تحدث لنا وعنا وعن الذين دفعوا جزية الموت من أجل أن نحيا كما نريد ويريد. ربما يعتقد أنه علمنا كيف نتجول فوق جمر الحقيقة، وتنقلب النار سلاماً، وحين غابت صورته عنا عدنا إلى جليد التردد، وسكنا بما كان يكرهه، والفارق الآن هو حركته مع الموت، ورتابتنا مع الحياة».

كتاب شهبا مدينة الحضارة

وقال المهندس "سليمان سلوم" نائب رئيس مجلس مدينة "شهبا" عن مكانة الكاتب اجتماعياً، فقال: «لقد كان الراحل متفانياً في العمل النقابي من خلال حرصه على وحدة الصف داخل نقابة المعلمين طوال ثلاث دورات كاملة، وله بصمات واضحة من خلال العمل على إيجاد مركز دائم للمعلمين، وتحسين وإنشاء صيدلية للنقابة، وجمعية استهلاكية. وكذلك من خلال عمله في بيت اليتيم كعضو نشيط وموثوق الجانب من الجميع. وفي المناسبات الاجتماعية العديدة التي كانت تقام في مسقط رأسه كان المحفز على عمل الخير، ودعم الجمعيات الأهلية، وكذلك المحافظة على التراث العريق، والأوابد الشامخة التي تزخر بها مدينة "شهبا"».

الأب "عطا الله جبيل" راعي كنيسة "الهيت" للطائفة المسيحية، قال: «لقد دعا هذا الرجل بكل حياته ومؤلفاته للمحبة. والسيد المسيح تحدث عن المحبة والسلام، وحثنا في كل حياته على فعل الحب الطاهر السامي للأرض والإنسان. ولكون الراحل مربياً فاضلاً وكاتباً مبدعاً فقد ربى الأجيال على تلك الشاكلة، فهو باق في القلوب والعقول».

..................

السيد "تيسير أبو جهجاه" شقيق الراحل تحدث عن حياته الخاصة، وتأثيره في محيطه، فقال: «ولد أخي في مدينة "شهبا" عام 1946 ضمن أسرة فقيرة الحال، كان رب الأسرة فلاحاً ومهتماً بالعلم والتحصيل العلمي على الرغم من العوز الشديد. وقد تابع أخي تعليمه والتحق بمعهد إعداد المدرسين، وتخرج فيه عام 1970، وقد عمل مدرساً لمدة ثلاث سنوات، وكان له الشرف بخوض حرب تشرين منذ الساعات الأولى بصفة ممرض. ومن القصص التي يرويها الناس عنه في المدينة أنه أثناء نقله للجرحى من الجيش العربي السوري في الجبهة وجد أحد أبناء المدينة مصاباً، ومضرجاً بدمه، فجلس إلى جانبه يبكي بحرقة، وبمشاعر جياشة، فقال له الجريح بعد أن عرفه: ("جمال" دخيلك أسعفني بدل ما تبكي).

وأكمل عمله في بداية الثمانينيات نقيباً لشعبة معلمي "شهبا" مدة 12 عاماً كان فيها حريصاً على مصلحة زملائه. وأثناء ذلك تابع دراسته الجامعية، وحصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة "دمشق" في العام 1986. وكان المنعطف المهم في حياته عند نهاية التسعينيات بعد سؤال المذيع الراحل "مهران يوسف" عن معنى مدينة "شهبا" في برنامجه (سؤال على الماشي)، فأجاب أخي وهو بكامل الثقة أن إجابته صحيحة، ولكنه دهش عندما عرف النتيجة، وفي اليوم التالي كان في مكتبة "الأسد" زائراً يومياً لمدة تزيد على تسعة شهور حتى كان ثمرة إنتاجه الأدبي الأول (شهبا مدينة الحضارة). وبدأ إنشاء مكتبته الخاصة ليتابع رحلته مع البحث والأدب، وينجز خمسة مؤلفات متنوعة غير المحاضرات والندوات والمقالات. وكان عضواً فاعلاً في جمعية "العاديات"، وفي جمعية "بيت اليتيم"، ولجنة جمع التراث لصرح الثورة السورية الكبرى. كان الراحل بالنسبة لأسرته المكونة من سبعة أفراد، ولأبنائنا الأب الروحي من خلال إرشاداته الدائمة وتوجيهاته الثقافية والاجتماعية والتربوية. ونحن كإخوة نسكن في عقار واحد كان يجمعنا في كل يوم عند الساعة السادسة والنصف، ويحدثنا وكأنه لم يرنا منذ أيام».