جمع مع الشجاعة والإيمان بقدسية قضيته، خصالاً حملها مع النسغ الذي رضعه من مضافات الجبل ثورةً وكرامةً وعزةً، جعلت لشخصيته خصوصيةً حملها عبر عقوده الستة، وكللها بتواضعه وحب أهل بلدته "أم الرمان" له.

ولعل "نايف العاقل" الفتى الذي كان يعيش الوجد بين علاقته بالحياة وطموحه، حمل بين جوانحه ما كان يروى عن أبطال سدّوا مدافع الفرنسيين بعماماتهم، وهزموا جيوشاً مدربة بإيمانهم وحبهم لوطنهم، وحلم بالفارس الذي يمتشق سيفه ويشق الصفوف.

المرصد له ميزات عدة أهمها ساحته الواسعة التي تستطيع الحوامات الهبوط فيها لأنه مجهز لذلك، وهو محمي من أي قصف مدفعي خارجي، وهو نقطة تجسيسة هامة ليس على سورية فحسب بل على المنطقة كلها

"مدونة وطن" eSyria وبتاريخ 9/10/2013 زارت قرية "أم الرمان" ودخلت منزل العميد المتقاعد "نايف العاقل"، ليتذكر ذلك الفتى وبداياته بين ربوع قريته، فسرد قائلاً: «ولدت في قرية "أم الرمان" الواقعة جنوب محافظة السويداء(40كم) عام 1949 وتلقيت علومي الأساسية في مدارسها وتابعت دراسة المرحلتين الإعدادية والثانوية في بلدة "القريا"، هناك، حيث كنا نقف على عتبات مضافة المغفور له "سلطان باشا الأطرش" ونتأمل كم فعل هذا البطل في التاريخ ليكون واحداً من الأبطال ويسجل بسجل الخالدين، مجسدين بلحظات الوقوف حكايات الأهل عن إرادته وصلابته في المعارك، ومذ كنت صغيراً وأنا أحلم بتقليده في الرجولة والشجاعة والقتال، ولهذا وبعد أن نلت الثانوية تقدمت إلى الكلية الحربية، وتم قبولي فيها مع بداية عام 1969، راغباً في تجسيد ما نهلته من مضافات قريتي "أم الرمان" عن الأدب والشعر والثورة، متأثراً بالأبطال الثوار وعلى رأسهم المجاهد "حمد البربور" شهيد معركة "تل الخروف" 1925، والمجاهد "شهاب غزالي" شهيد معركة الكفر 1925، كذلك بالثقافة الثورية المتمثلة بأدب الشاعر الثائر المرحوم "عيسى عصفور"».

اللواء مجيد الزغبي

وعن دراسته الحربية تابع بالقول: «درست في الكلية الحربية سنتين متتاليتين، وجراء الأحداث في بداية السبعينيات اتخذت القيادة قراراً بإنهاء مرحلة الدراسة قبل ثلاثة أشهر من نهايتها المقررة منهجياً، وأثناء دراستي في الكلية جاءت لجنة عسكرية من القوات الخاصة، لتنتقي مجموعة من الضباط وتخضعهم إلى دورات قاسية جداً في التدريب على القتال الليلي والنهاري ضمن كتيبة سميت "المغاوير"، إلا أننا لم ننهِ الدورة للمشاركة ولأول مرة في القتال بأحداث أيلول "بالأردن"، لنعود في أواخر عام 1972 إلى تدريباتنا التأهيلية في منطقة "الغاب" التي خضنا فيها تدريباً قاسياً جداً بصعود الجبال حاملين العتاد العسكري الكامل».

ويتابع "العاقل": «من الممكن أن أقول إن الظروف التي وضعتني في طريق البطولة كثيرة جداً، وأهمها بنظري ما يدفع المرء للتمثّل بمثل أعلى دائماً، والذي لم يبرح ذاكرتي أبداً الفارس الذي يضرب بسيفه وببندقيته وهو ينطلق على فرسه كالسهم: عمر المختار، سلطان باشا الأطرش، عبد الكريم الخطابي، أحمد مريود... وما إن وصلت إلى المرصد- وكنت أول الواصلين له- حتى استليت حربة البندقية من أحد المقاتلين الذي استشهد بجانبي، وهو برتبة رقيب أول، وقطعت أوصال العلم الإسرائيلي وغرست العلم السوري مكانه، بزمن قياسي، لأن الزمن كان يداهمنا وكل تأخير يعني خسارة لنا، وأخرجت من المرصد خمساً وثلاثين جندياً إسرائيلياً من بينهم طبيب وضابط برتبة عقيد احتُجزوا كأسرى، وكل تلك العملية لم تتجاوز ثلاثين دقيقة، حتى تمت السيطرة على المرصد بالكامل، وحصلنا على مجموعة من الوثائق وأجهزة الاتصال والمراقبة الدقيقة».

العميد نايف العاقل

وعن أهمية احتلال المرصد أوضح "العاقل" قائلاً: «المرصد له ميزات عدة أهمها ساحته الواسعة التي تستطيع الحوامات الهبوط فيها لأنه مجهز لذلك، وهو محمي من أي قصف مدفعي خارجي، وهو نقطة تجسيسة هامة ليس على سورية فحسب بل على المنطقة كلها».

أما عن شعوره الوطني فيقول: «لحظة الانتهاء من المهمة ونجاحها شعرت بالفخر لأنني كنت أول الواصلين إلى المرصد، وشعرت بأن ثقافة "سلطان باشا الأطرش" الوطنية والثورية التي تعلمتها في المضافات كانت لي سنداً وإرادة، وشعرت بأن سورية بعلمها المرفوع وهو يرفرف فوق المرصد وقد حطم أسطورة العدو الذي لا يقهر، أصبحت نجمة في السماء».

براءة وسام بطل الجمهورية

وعن إصابته بالحرب قال: «في اليوم الثالث قمنا بصد هجوم للعدو الإسرائيلي وأصبت في ذراعي وخاصرتي، وطلبت من قائدي المباشر آنذاك إعطائي بندقية لأستكمل القتال بعد إصابتي فرفض لأن جراحي كانت تتطلب إسعافي إلى المشفى، وبعد تماثلي للشفاء عدت إلى قطعتي العسكرية لأرى نفسي مع المقاتلين وأنال شرف وسام بطل الجمهورية، وهذا ما جعلني أحمل مسؤولية أكثر طوال خدمتي».

وحول يقينه بخوض الحرب ضمن التحضيرات التأهيلية بيّن "العاقل" بالقول: «نتيجة التدريب القاسي واللياقة البدنية التي اكتسبناها، خاصة في القلاع المرتفعة عن سطح البحر أكثر من 2000 متر، أدركنا أن تلك القلاع تتشابه في تضاريسها مع "مرصد جبل الشيخ"، وخاصة أننا انتقلنا بداية عام 1973 إلى منطقة "عرنه" الواقعة على الخط المحاذي للمرصد لاستكمال التدريب، الذي استمرّ على مدار الساعة واليوم والشهر، وما إن حانت الساعة الثانية بعد ظهر يوم السادس من تشرين الأول عام 1973 حتى قمنا بهجوم على المرصد».

اللواء الطيار المتقاعد "مجيد الزغبي" حائز وسام بطل الجمهورية، صديق "نايف العاقل" قال: «كنا معاً في معارك تشرين التحريرية، هو في الأرض وأنا في الجو، وأنا طائر عند لحظة الصفر قلت له: يا "نايف" عانقني فأنت على المرصد رافعاً العلم السوري، وعليَّ بإسقاط طائرات العدو"، حقاً لقد استطاع أن يحقق زلزالاً في احتلال مرصد "جبل الشيخ" مع رفاقه الأبطال، وهو أول الواصلين إلى المرصد رغم صعوبة الوصول إليه، لكنه مع رفاقه المقاتلين كانوا مؤهلين جيداً لكيفية القتال وكانوا عند حسن الثقة الممنوحة لهم، وقد استحق وسام بطل الجمهورية عن جدارة، واللحظة التاريخية كانت عندما تسلم كل منا وسام بطل الجمهورية من القائد الخالد "حافظ الأسد"، فهي لحظة لا تمحى من ذاكرة كل ضابط نال ذلك الوسام».

الجد "شبلي البربور" الملقب "أبو محمود" أحد أهالي قرية "أم الرمان" تحدث عن "نايف العاقل" قائلاً: «إنه انتمائيّ لقريته وأهله، لأنه ما زال يزرع في نفوس الشباب حب الوطن والتضحية، وهو متواضع يحب الناس ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وبعد تقاعده نراه لا يترك الكتاب والمطالعة، ويتابع النشاطات الثقافية، وهو محاور ثقافي مميز، والجميع يحبه ويحترمه لدماثته وقربه من الجميع كباراً وصغاراً.

وأستطيع أن أشبهه بقول الشاعر الكبير "عمر أبو ريشة": (تقضي الرجولة أن نمد جسومنا / جسراً فقل لرفاقنا أن يعبروا) ما إن تدخل مضافته حتى تشاهد صورته مع القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" وإلى جانبها "وسام بطل الجمهورية"، لعل ذلك رسالة أحب أن يوثقها للأجيال.

عرفنا العميد "نايف العاقل" بطلاً، فهو من تربى في مضافات الجبل واستفاد من دروس الثورة السورية الكبرى، وهو واحد ممن جسدوا البطولة قولاً وفعلاً، فعندما تسلم وسام بطل الجمهورية من القائد الخالد "حافظ الأسد"، كشف "نايف" عن صدره وخاطبه قائلاً: "خز" إبرة الوسام في صدري كي يمتزج مع دمي، فقبله الرئيس وقال له: أعرف مدى بطولتك وأقدّرها».