من منا لا يتذكر ذاك الطيار الذي كان يظهر على شاشاتنا، ويعطي إشارة الاستعداد كي يحلق في سماء الوطن؟

لابد حين تمر ذكرى حرب تشرين أن نتذكر اللواء الطيار "مجيد الزغبي" الحائز وسام بطل الجمهورية.. الذي تربى بمنزل المرحوم الشيخ "قاسم الزغبي" الثائر الذي جُرح في معركة المزرعة عام 1925، وهو بصحبة القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش"، وهو القائل حين تسلم أولاده أوسمة البطولة: «لاشك بأنه شعور وطني وفخر، فأنا قدمت ثلاثة للجمهورية: واحد نال الشهادة، واثنان قلدهما الرئيس "حافظ الأسد" وسام بطل الجمهورية "مجيد ونسيب"، وأنا صويب معركة المزرعة بقيادة المغفور له "سلطان باشا الأطرش"، و"يا ما حلا الملتقى" بين ثورة 1925 وبين 1973 بقيادة الرئيس "حافظ الأسد" فهذا هو فخر الوسام».

لاشك بأنه شعور وطني وفخر، فأنا قدمت ثلاثة للجمهورية: واحد نال الشهادة، واثنان قلدهما الرئيس "حافظ الأسد" وسام بطل الجمهورية "مجيد ونسيب"، وأنا صويب معركة المزرعة بقيادة المغفور له "سلطان باشا الأطرش"، و"يا ما حلا الملتقى" بين ثورة 1925 وبين 1973 بقيادة الرئيس "حافظ الأسد" فهذا هو فخر الوسام

بين الأوسمة والشهادات وصور الذكريات أمام طائرته التي عشقها وكوّن معها علاقة حب لا تنسى تحدث اللواء الطيار المتقاعد "مجيد الزغبي" عن طفولته ونشأته لـ"مدونة وطن" eSyria بتاريخ 10/10/2013 قائلاً: «عشت في أسرة تكتنفها البطولة، ولها شأن عندها، فأنا ولدت في قرية "عرى" عام 1946، أتممت دراستي الابتدائية فيها والإعدادية والثانوية في "السويداء" حتى إذا ما ظهرت نتائجها وبوصية من والدي وحباً في الطيران وتحقيق ما يصبو إليه طموح الشاب المتربي على أحاديث الثورة والثوار، دخلت ميدان الشرف العسكري ونفذت وصية والدي لي بالاستمرار في خدمة الوطن، دخلت الكلية الجوية عام 1966 وتخرجت فيها برتبة ملازم طيار حربي 1968، لأدخل الاسراب المقاتلة طيار ميغ 21 عام 1969، فقد أقمت علاقة بيني وبين الميغ 21 لأكتسب الخبرة القتالية العالية عليها، فهي تلك الطائرة التي أحببتها وأحبتي ولم استطع التخلي عنها يوماً ولم تخذلني أيضاً بموقف، ومن تاريخه اشتركت بجميع المعارك الجوية الجزئية على الجبهة السورية، إلى أن جاءت حرب تشرين التحريرية عام 1973 والتي كان لي شرف الاشتراك فيها وإسقاط سبع طائرات للعدو طوال أيام المعركة، منها طائرتان تحملان حكاية».

مجيد الزغبي أمام طائرته

خلال ست دقائق حدث في الجو عمل بطولي حطم للعدو طائرة والطائرة التي قصفته قصفها وأنزلها، وأسر الجيش طياريها، حول الدقائق تلك تابع اللواء "الزغبي" قائلاً: «خلال المعركة دخلت مع الفانتوم بقتال كان ارتفاعي 3000 متر وجهاً لوجه مع الفانتوم حيث تابعنا التسلق معاً حتى ارتفاع 7 كم، حيث اصبحت السرعات في حدود الانهيار فما كان من الفانتوم إلا أن انهارت باتجاه الأرض وأنا تابعت الطيران خلفها لتحقيق فرصة التسديد عليها، وتم إطلاق المدفع وإسقاطها، وحصل معي انطفاء محرك في الجو، ومن الممكن إعادة التدوير في الجو، بعد القيام بكافة الإجراءات، والعملية تستغرق 25 ثانية، لأتلقى هجوماً ثانياً من زوج من الفانتوم، دخلت مشتبكاً مع إحداها، وتابع قائد الزوج هجومه عليَّ وتمكن من إصابتي، في تلك اللحظة قررت الخروج من الاشتباك باتجاه الأعلى ومغادرة الطائرة إذا كانت طائرتي غير قادرة على الاستمرار، عندها شاهدت المحرك بوضع الدوران النهائي وتمكنت من الدوران نحو اليسار لأشاهد الطائرة التي أصابتني على بعد 500 متر تابعت الاشتباك معها وتمكنت من الرمي عليها بالمدفع وإسقاطها، وشاهدت مغادرة الطيارين لها، وكنت على اتصال دائم مع قيادتي في كل مراحل المعركة، ولأنني لم أتمكن من المتابعة بطائرتي غادرت الطائرة بالمقعد المقذوف، في منطقة "قطنا"، والطياران كانا أسيرين لدى الجيش السوري، وكان زمن المعركة ست دقائق بدءاً من لحظة الاشتباك ولغاية مغادرتي الطائرة».

وعن شروط بطل الجمهورية، والروح المعنوية القتالية بيّن بالقول: «بالنسبة للطيار المقاتل عليه أن يسقط خمس طائرات للعدو للحصول على وسام بطل الجمهورية، أما الطيار المقاتل القاذف فيحصل عليه بعدد الطلعات التي تنفذ للدعم الأرضي وضرب الأهداف المعادية، وبالنسبة للمقاتلين الآخرين يشترط أن يحدث المقاتل موقفاً مؤثراً في تغيير سير العمليات القتالية لمصلحة المعركة، وبالنسبة لي فقد استطعت إسقاط سبع طائرات، ست طائرات فانتوم وواحدة من نوع ميراج، وتشكيلي أسقط أربع عشرة طائرة معادية، ويعود الفضل بذلك- والذي هو جزء من عوامل نجاح المعركة- إلى الروح المعنوية العالية لجميع المقاتلين في الأرض والجو، وشمولية المعركة على الجبهات العربية، وجهل العدو بفعالية سلاحنا ودفاعنا الجوي وتمركزه وإمكاناته القتالية، والأهم تحرير مرصد جبل الشيخ في بدء المعركة، حيث كان هذا المرصد ذا فعالية عالية في التأثير على سلاحنا من حيث الكشف والتشويش والإنصات على كافة محاور المعركة، والتأثير على "تل الفرس وتل أبو الندى" المركزين القياديين المتقدمين على خط الجبهة أثناء الرمي التمهيدي للقوى الجوية والمدفعية».

وهو يحي الرئيس حافظ الأسد

وتابع بالقول: «خطأ العدو في الهجوم علينا يوم 7 تشرين بقوام 200 طائرة فانتوم، لم تستطع تحقيق أي من أهدافها، وسير الأعمال القتالية بحرّية كاملة في سماء الوطن، أضعف سلاح الجو المعادي، وتفوق سلاحنا الجوي أثناء المعارك الجوية، حيث كانت تعطى كافة المعلومات والإحداثيات بدقة وصولاً للمعركة الجوية، وبذلك استطعنا المتابعة بإمكانات عالية المستوى وبخبرات قتالية كبيرة وتحقيق نتائج أذهلت العدو والصديق».‏

وحين سؤاله عن لحظات القتال قال: «كنت برتبة نقيب قائداً لتشكيل مؤلف من ست طائرات وهم "علاء الدين عابدي، غسان عبود، هشام عزاوي، أحمد غنوم، أسامة بهلول، عبد الوهاب الخطيب"، هؤلاء كانوا نسور سورية، كان تشكيلنا من أوائل من قام بتنفيذ جميع المهام القتالية بدءاً من الساعة الواحدة والنصف من ظهر السادس من تشرين حتى انتهاء الحرب، وقد حصل ثلاثة من هذا التشكيل المقاتل على وسام بطل الجمهورية وهم "علاء الدين عابدي، غسان عبود، وأنا" وسمي هذا التشكيل التشكيل المميز، واستشهد من بيننا الطيار "عبد الوهاب الخطيب"، ربما كنت أكثر حظاً حيث قدر لي أن أسقط سبع طائرات معادية 6 فانتوم وواحدة ميراج، وأن أحصل على وسام بطل الجمهورية مع قدم ست سنوات، والضابط الوحيد الذي حصل على قدم ست سنوات نتيجة الحرب وتمت ترقيتي من رتبة نقيب إلى مقدم، وسُمي تشكيلي في الجو "مجيد"، وكلمة الاطلاق "مجيد"، وأنا "مجيد"»‏.

الطيار المتقاعد اسماعيل الأطرش

وتابع اللواء "الزغبي" قائلاً: «بعد نفض غبار القتال صدر مرسوم تشريعي يمنحني فيه السيد رئيس الجمهورية الخالد "حافظ الأسد" وأخي المرحوم العميد الركن "نسيب" (الذي كان قائد كتيبة دبابات في الحرب) وسام بطل الجمهورية مع كافة أبطال الجيش العربي السوري بكل اختصاصاتهم الذين كان لهم شرف الاشتراك في معركة تشرين التحرير، وهذا ما دفعنا أن نحمل إرثاً من تاريخ ترابنا الوطني لأتسلم المناصب الإدارية والتعبوية في القوى الجوية».

وعن صورة الشهادة والشهداء في ذاكرة اللواء الطيار "مجيد الزغبي" أشار قائلاً: «حين نعود بالتاريخ إلى الوراء لابد لنا أن نتذكر البطل الأول "يوسف العظمة" ولقاءه مع الملك "فيصل" الذي شدد عليه بعدم مقابلة الجيش الفرنسي مع رئيس مجلس الوزراء حينها "جميل مردم بك"، ولكنه أصر على المجابهة وخاطب الملك قائلاً: "أنت راحل حيثما تريد وأنا راحل حيثما يريد الوطن، حتى لا يذكر التاريخ أن الفرنسيين دخلوا دمشق دون مقاومة، فوداعاً ابنتي الوحيدة"، تلك المآثر التي رسخت قيم البطولة في نفوس السوريين حتى تحقق الاستقلال والجلاء عام 1946 وبدأت مرحلة جديدة في النصف الثاني من القرن العشرين مع عدو أكثر دهاءً وغطرسة، مع أن السوريين لم يتوقفوا عن الدفاع عن أرض الوطن منذ عام 1948 حتى وقتنا الحالي، وصورة الصراع واضحة، وأستذكر الشهيد الطيار "فايز منصور" بطل الميغ 17 الذي أسقط "الميراج"، وهو من أسرة كلفت بالبطولة، فشقيقه "مأمون منصور" أيضاً طيار شهيد، وشقيقه الثالث "محمد منصور" الشهيد الحي الذي كان طياراً مميزاً على ميغ 21 وقد كتبت له السلامة، وهناك الشهيد "موفق كبب" مدربي على ميغ 21 واستشهد عام 1972 بإحدى معاركه مع الفانتوم، وشقيقه الطيار "صياح كبب" كذلك الشهيد الحي الطيار "عدنان حاج خضر" قائد طائرة حوامة الذي نفذ عملية الانزال في "تل الفرس" فدُمّرت طائرته ووقع أسيراً، وعاد من الأسر بعد أن بترت ساقاه، لكنه دخل التاريخ حينما عاد وركّب أرجلاً اصطناعية وعاد مجدداً للطيران ويعتبر الشخص الثاني في العالم الذي دخلت قصته التاريخ العالمي، بعد طيار روسي بترت ساقاه وعاد للطيران بعد تركيبه أرجل خشبية في الحرب العالمية الثانية».

وتابع يذكر خصال رفاقه الأبطال بالقول: «هناك الشهيد "عزت بزة" الذي اخترق جدار الصوت فوق "حيفا" وعاد ليتابع مهامه ويستشهد، والشهيد الطيار "كمال نصر" الذي أُمِر بألا ينفّذ مهام خطرة، لكنه أصرّ أن يكون قائد أول تشكيل يقصف الأرض المحتلة فأسندت إليه مهمة قصف مقر قيادة "ميرون" في "صفد" وهو مقر قيادي رئيسي على الجبهة السورية، وذهب قائداً لتشكيل أربعة طائرات "سو 20" ونفذ المهمة حيث دمر مقر القيادة بطائراته ليكون شهيداً، والشهيد "حسن كردي" الطيار الذي أوكلت له مهمة قصف مصفاة "حيفا"، وقد دمرها بطائرته، وهناك أيضاً الشهداء "ابراهيم زين الدين" الذي استشهد في بحيرة "طبريا"، و"سليمان عبد الدين، وعبد الوهاب الخطيب، ومهنا مطرد، وأحمد سليمان" وهم ضمن التشكيل الذي كنت أقوده، والشهيدان "جهاد نصور وزكريا ضماد" من أبناء الدورة الواحدة معي، والشهيد "حكمت السعدي"، هؤلاء في ذاكرتي أبطال لا يمكن أن ينسوا».

وحول علاقة اللواء "مجيد الزغبي" بالمجتمع بين المقدم المتقاعد الطيار "اسماعيل الأطرش" بالقول: «حقاً لم يكن اللواء "مجيد الزغبي" بطلاً عادياً فهو من بنى علاقة مع طيارته جعلته مقاتلاً صنديداً، وهو من بيت يعبق بالبطولة، والده جرح في معركة "المزرعة" أثناء الثورة السورية الكبرى، وشقيقه "هاني" استشهد عام 1973 وهو برتبة نقيب، والآخر الحائز وسام بطل الجمهورية في سلاح المدرعات المرحوم العميد "نسيب الزغبي"، فهو وليد أسرة البطولة وهو الضابط الوحيد الذي حصل على قدم ست سنوات أثناء حرب تشرين، لبطولته وشجاعته خاصة أنه من الطيارين المميزين ومن المقاتلين المعروفين في الجيش السوري».

الجدير ذكره أن لدى اللواء "الزغبي" أسرة مؤلفة من ثلاثة أفراد، وهم الحقوقي "خلدون" والطبيب "غسان"، والطبيبة "مجد".