لم تكن الرصاصة الأولى التي أطلقها "حسين مرشد رضوان" على "موريل" الفرنسي في 7 تموز 1925 بصمته الوحيدة في تاريخ الثورة السورية الكبرى، لأنه كان أحد أركانها، والشاب الذي حمل الوطن في قلبه وقارع العثماني ومن بعده الفرنسي ليعاصر النصر شيخاً.

ارتبط اسمه بمعارك الجبل التي خاضها ثوار جبل العرب لنيل الاستقلال وكان المقاتل الصلب الذي هزم مع رفاقه مصفحات العدو وشهد مواقف كثيرة أثبت فيها العزيمة والرجولة، مدونة وطن "eSyria" حاور أشخاصاً اهتموا بجمع النفيس من أخبار هذا الرجل ومنهم الفنان النحات "فؤاد نعيم" الذي أنجز مؤخراً منحوتة للمجاهد "حسين مرشد" الذي جسد بصفاته الجسدية والروحية الفكرية الإنسان الجبلي المقاتل للذود عن حياض الوطن، وقال: «"حسين مرشد" رمزا من رموز الثورة السورية الكبرى وأحد أركانها، وهو كشخص مثل الإنسان الجبلي بكل المقاييس الجسدية والروحية والفكرية، إنه رجل قوي البنية شديد البأس ذو مواصفات غير عادية توحي لك بعمل فني ناجح، وبتجسيده حاولت تصوير حالة قتالية وهي (الفزعة) لهذا المقاتل المتأهب راكضاً لنجدة إخوانه في ساحة القتال، يلبس لباسا شعبيا لأبناء المنطقة وهي "البالوش" (الحذاء البدائي المصنوع من الجلد أو بقايا إطارات السيارات) والشروال المحلي و"القنشية" (لباس بين المعطف الطويل والجاكيت) التي يطيرها الريح نتيجة سرعته، كما يرتدي على رأسه الحطة والعصبة، وللعصبة دلالاتها الأكثر عمقا في الحياة العملية، فهؤلاء المقاتلون لا تخدمهم العمامة أو العقال فالعصبة أكثر ثباتا، كما أنها أكثر زهدا، لتدل على أن هذا المقاتل لا يأبه بالموت في سبيل الذود عن حياض وطنه ونصرة إخوانه، وهو الشخصية الوطنية التي أشعر بأنها تستحق الاحترام، والحرص على تذكير الشباب بها لتكون المثل والقدوة في التضحية».

عاد جدي برفقة القائد العام والمجاهدين إلى أرض الوطن بعد أن أصيب بنكبات كبيرة خسر فيها داره وأملاكه، ونجح في انتخاب التجمع القومي ثم بعضوية المجلس النيابي بنسبة عالية وكان من أعضاء الكتلة الوطنية ومن مؤسسي الهيئة الشعبية الوطنية في الجبل وهو من رجالات الجبل الذين شاركوا في الأنشطة السياسية الهامة، وقد حرصنا على كل ما وصل لأيدينا من مقتنياته ليكون المآل إلى صرح شهداء الثورة السورية الكبرى في بلدة "القريا" ومنها جواز سفره وهويته وعدد من مقتنياته التي تشهد على ما قام به من أعمال نعتز بها

في الأوساط الاجتماعية وعلى لسان الرواة تتردد قطف من مواقف "حسين مرشد" لكن المهتم جمعها لتكون بين دفتي كتاب يخطط لنشره الكاتب والباحث "محمد جابر" الذي تحدث عن "حسين مرشد" بوصفه أحد الأركان العشرة للثورة السورية الكبرى، الذي انتسب لعدد من الجمعيات السرية وتعرض للابعاد والتعذيب على يد الفرنسيين، وقال: «استشهد والده في إحدى المعارك التي وقعت ضد العثمانيين ونشأ يتيماً، واشترك في محاربة الحملة العثمانية التي دحرت في معركة "الكفر"، وانتسب إلى جمعية العربية الفتاة مع عدد من أبناء الجبل، وكان بين الوفد الذي ذهب للعقبة للقاء "فيصل بن الحسين" والانضمام للثورة، وكان من بين الفرسان الذين دخلوا "دمشق" ورفعوا العلم العربي على دار الحكومة عام 1918.

النحات فؤاد نعيم مع المنحوتة التي أنجزها للمجاهد حسين مرشد

كان وطنياً ترجم وطنيته وإخلاصه بنشاطات سرية ضد الانتداب الفرنسي واجتمع بالوطنيين برئاسة "سلطان الأطرش" للتمهيد للثورة ومع خمسين مقاتلاً هب لقطع الطريق لدعمه في ثورته الأولى عام 1922حيث أقسم يمين الجهاد ومن بعدها يمين الولاء للثورة، وقد حاول الفرنسيون استمالته وإغراءه للسير في سياستهم ولم تلن قناته وتمسك بعقيدته الوطنية، حيث تعرض للاعتقال على يد اليوتنان "موريل" بعد الوشاية عليه من أحد الجواسيس الذين تعمدوا إغراء بعض نساء الجبل والتخطيط لعمل شائن لا ينسجم مع قيم الجبل وعاداته، وكانت النتيجة سجنه في مخزن للفحم والإمعان في تعذيبه ومعه عشرة من وجوه "السويداء"».

قصة الرصاصة الأولى حادثة تروى عن رجل وصفه الباحث رجل بألف، وهي صفة أطلقت عليه حيث أضاف الباحث "محمد جابر" بالقول: «صفات عظيمة التقت بهذا الرجل ووصف أنه رجل بألف رجل، ولنا دلائل على ذلك إذا عدنا للتاريخ، فبعد التعذيب والسجن كان عضواً مؤسساً للجمعية الوطنية لشباب جبل الدروز التي ترأسها "سلطان الأطرش"، وقام أعضاؤها بمظاهرات صاخبة في "السويداء" لرفض العنف والعدوان وممارسات حاكم الجبل "كاربيه" إذ سادت "السويداء" حركة احتجاجات كبيرة منذ توليه، وكانت الحادثة في السابع من تموز عام 1925عندما حصل تصادم عنيف قاد فيه "موريل" معاون الحاكم رجال الشرطة والأمن لقمع المظاهرة بالعصي ووسائل العنف، ما جعل "حسين مرشد" يشهر مسدسه ويطلق النار على "موريل" الذي ولى هاربا وجنوده ومنذ ذلك التاريخ عرف بأنه صاحب الرصاصة الأولى في الثورة، وقررت السلطة الفرنسية هدم داره وتغريم أهالي "السويداء" بغرامة مالية ومن اللافت أن هذه الحادثة عجلت بإعلان الثورة بعد عشرة أيام تقريباً ثم أدت في مرحلة لاحقة للحكم عليه بالإعدام غيابياً.

الباحث محمد جابر

ولم يكن داعياً للثورة فحسب بل مقاتلاً شارك في معارك شرسة وكان من بين مجموعة هاجمت مصفحات الفرنسي وتفوقت عليها لتقلبها بقوة سواعدها وهو من المجاهدين الذين كلفهم "سلطان الأطرش" بتشديد الحصار على الجنود الفرنسيين في قلعة "السويداء" وأحد أبطال معركة "المزرعة" الذين وصفهم قائد الثورة بأنهم لا يشق لهم غبار.

واشترك في معركة "العادلية" التي سيرها القائد العام لتحرير "دمشق" وفي مؤتمر عقد في قرية "ريمة اللحف" شمال غرب "السويداء" تم تشكيل أركان الثورة حيث عين أحد أركانها، وحكى عنه مؤرخو معركة "المسيفرة" قصص بافتداء الأخوة وتحفيز المقاتلين والنخوة للاستمرار بالقتال وتحقيق النصر، واشترك في معارك "السويداء" الأولى في مواجهة حملة "غاملان" وكان أحد فرسان الجبل ضمن الحملة التي توجهت إلى "غوطة دمشق" واشترك في معارك "اللجاة" ومعارك "السويداء" الثانية حيث قتل قائد الفرقة الأولى واستولى على سلاحه وفي معركة "جبية" التي استمرت نهارا كاملا وكان برفقة الأمير "شكيب أرسلان" للقاء سلطان الأطرش عام 1927».

المجاهد حسين مرشد رضوان مع سلطان الأطرش

النزوح وجمع التبرعات قصة طالت بها السنون يتابعها الباحث بالقول: «نزح "حسين مرشد" مع "سلطان الأطرش" ورفاقه المجاهدين للأزرق في "الأردن" ومن ثم إلى "وادي السرحان" في السعودية وعانى وأسرته العطش والجوع والعذاب ومات ثمانية من أولاده ودفنهم في تلك الصحاري، ورافق "سلطان الأطرش" في تنقلاته، ووجد في الأردن مع "صياح الأطرش" و"جميل شاكر" للقاء "سعيد العاص" وطباعة المنشورات، وشُكل في لجنة جمع التبرعات للثورة وتنقل لشرح أبعاد القضية إلى بلاد "صفد" في فلسطين وجمع التبرعات، وفي عام 1933 عاد إلى الأردن برفقة القائد العام للثورة والمجاهدين لاجئين سياسيين وكان مقر إقامته "السلط"، وشهد احتفال سينما "البتراء" الذي تضمن كلمة "عجاج نويهض" أحد خطباء الحفل الذي أطلق اسم "جبل العرب" على "جبل الدروز" في خطبته الشهيرة ليقول مخاطبا قائد الثورة والمجاهدين: الجبل الذي يقال له زمن الفرنسيين "جبل الدروز" أصبح بفضل جهادكم وجهاد إخوانكم جبل العرب لتدرج التسمية».

للمجاهد أحفاد نقلوا من الآباء سيرة الجد واحتفظوا بمقتنياته التي ضمت لصرح شهداء الثورة السورية الكبرى حسب حديث السيد "غسان مرشد رضوان" حفيد "حسين مرشد" صاحب مكتب للسياحة والسفر وقال: «عاد جدي برفقة القائد العام والمجاهدين إلى أرض الوطن بعد أن أصيب بنكبات كبيرة خسر فيها داره وأملاكه، ونجح في انتخاب التجمع القومي ثم بعضوية المجلس النيابي بنسبة عالية وكان من أعضاء الكتلة الوطنية ومن مؤسسي الهيئة الشعبية الوطنية في الجبل وهو من رجالات الجبل الذين شاركوا في الأنشطة السياسية الهامة، وقد حرصنا على كل ما وصل لأيدينا من مقتنياته ليكون المآل إلى صرح شهداء الثورة السورية الكبرى في بلدة "القريا" ومنها جواز سفره وهويته وعدد من مقتنياته التي تشهد على ما قام به من أعمال نعتز بها».

الجدير بالذكر" أن المجاهد "حسين مرشد" ولد عام 1887 وكانت وفاته عام 1968ودفن في "السويداء".