كانت الهندسة الزراعية حلم الدكتور "علي أبو عساف" الذي لم يتحقق، ليتحول بفعل الظروف لدراسة الآثار حيث أغنى المكتبة بما ألف وترجم جامعاً ما نقب وبحث ليكون ذخيرة ومرجعاً لطلاب العلم.

فقد درس الآثار الشرقية وفقه اللغات وألف وترجم باللغتين العربية والألمانية دون الابتعاد عن مواقع التنقيب، موقع eSuweda بتاريخ 18/3/2012 زار الدكتور "علي أبو عساف" للإضاءة على هذا الباحث وحاور المقربين له من فرق العمل في المواقع التنقيبية في "السويداء" ومنهم الأستاذ "أشرف أبو ترابي" ماجستير ترميم الفسيفساء من فرنسا الذي عبر عن الإعجاب بأستاذ كبير خدم علوم الآثار لعقود طويلة استحق عليها التكريم وقال: «كان موسم العام 2009 للتنقيب في تل "دبة بريكة" الذي شغل اهتمام باحثنا لسنوات طويلة آخر وأهم المواسم التي اشرف عليها الدكتور "أبو عساف" باهتمام كبير وكان في نهاية عقده السابع لتجذبنا دقته في العمل فكان يصر على القيام بالأمور الدقيقة لينقب عن اللقى الفخارية ويجمعها بيديه، وبفضل هذه المتابعة والاهتمام كانت نتائج الموسم مبشرة وقيمة تتناسب مع خبرة الدكتور "علي" وحرصه على انجاز العمل دون أية مكاسب فردية، وحتى عندما انقطع عن مواسم التنقيب بعد هذا الموسم بقي متواصلاً مع أبحاثه لينجز كتاباً جديد تحت عنوان "الجزيرة وطور عابدين" أحد أهم المراجع التي تناولت آثار الممالك القديمة، ومن وجهة نظرنا فقد جسد الدكتور "علي أبو عساف" صفات الباحث المتفاني المخلص لعمله همه العلم وهدفه تقديم كل ما هو جديد من معلومات جهد على دراستها وجمعها من خلال مواسم التنقيب في عدد كبير من المواقع الهامة على مستوى سورية من أهمها "عين دارة" و"تل عشترة" وغيرها من المواقع الهامة التي حرص على دراستها وتوثيقها لتكون مرجعاً لكل من اهتم بالآثار الشرقية وليقدم للمكتبة العربية مجموعة من الأبحاث الهامة».

توقفت عن التنقيب لفترة لأتفرغ لإنجاز بحثي الذي ضمنته لكتاب "الجزيرة وطور عابدين" الذي صدر مؤخراً ليكون مرجعاً جديداً نفذ من المكتبات بسرعة لأنه دراسة توثيقية لواقع الممالك على مجرى "الفرات" و"دجلة" ولأنه ومن عام 1965 بدأت حملة في كل من سورية وتركيا والعراق بإقامة السدود على مجرى النهرين هذه السدود التي شكلت خلفها بحيرات غمرت العديد من التلال الأثرية التي كانت تتوضع على ضفاف النهر، ولدي عدد من المشاريع البحثية التي تسير على خطا الانجاز إلى جانب هواياتي الزراعية وعملي الصباحي شبه اليومي لأتمم ما بدأت من أعمال أراها تكبر على يدي كتلك الشجيرات التي تحيط بمنزلي حاملة بخضرتها أملاً وتفاؤلاً رافقني سنوات العمر يعدني بالخير لي ولأسرتي الكبيرة التي تمدني بالمحبة

للتاريخ حضوة جعلته مرافقاً لحديث طويل لضيفنا الدكتور "علي أبو عساف" الذي عرفنا على مسيرته العلمية وميوله الزراعية التي رافقت عمله وقال: «حضرت نفسي للتسجيل في كلية الهندسة الزراعية لكن في تلك الأيام كان الموضوع يشبه المستحيل وهذا بعد الشهادة الثانوية وخدمة العلم حيث وجهني والدي لدراسة الحقوق التي كانت بعيدة عن ميولي وعشقي للزراعة، لكن عندما أعلن عن إجراء مسابقة لإيفاد طلاب لدراسة الآثار في ألمانيا شعرت بندرة الاختصاص وتقدمت لهذه المسابقة عام 1956 وحالفني الحظ وأوفدت لدراسة الآثار الشرقية القديمة وفقه اللغات العبرية والآرامية والأوغاريتية، حيث درست في ألمانيا ست سنوات ونصف متواصلة وحصلت على شهادة الماجستير في الآثار الشرقية القديمة واللغات الشرقية القديمة، وبعد العودة بدأت العمل في المديرية العامة للآثار عام 1964، وكانت باكورة أعمالي الكشف على مقبرة في مدينة "يبرود" وكلفت بالعمل للكشف عن هذه المقبرة التي تعود إلى النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، وقد نشرت تقريراً مفصلاً عن نتائج التنقيبات وكان أول عمل يقوم به سوري في مجال الآثار الشرقية القديمة، ليحقق البحث صدى إيجابياً ومشجعاً، إلا أن الحياة العملية لم تبعدني عن جذوري الريفية ومحبتي للأرض لأعتني بالعمل الزراعي وأجهد في البحث والعمل لاستثمارها بزراعات مفيدة كالأشجار المثمرة والفستق الحلبي والكرمة لأقضي في هذه الحقول أوقاتاً ممتعة أقلمها وأتابع سقايتها وأشرف عليها بشكل كامل خاصة تلك التي تحيط بمنزلي في قرية "عتيل" التي تقع إلى الشمال من مدينة "السويداء" وهي اليوم ملاصقة لها».

الأستاذ والباحث أشرف أبو ترابي

عقود طويلة من العمل تولى فيها الدكتور "أبو عساف" مناصب وأشرف على مواسم تنقيبية على مستوى سورية حدثنا عنها بالقول: «تابعت العمل في مديرية الآثار والمتاحف بأنشطة مختلفة إلى أن قدر لي أن أتابع التنقيب في موقع "عين دارة" الذي يقع إلى الجنوب من بلدة "عفرين" وأيضاً على نهر "عفرين" وكشفت عن معبد يعتبر درة العمارة في بلاد الشام وفي المشرق وقد نشرت كتبا حول المعبد، وعملت لمدة عشر سنوات متواصلة في الكشف عليه بمساعدة زملاء من مديرية آثار "حلب" أصدرته بكتاب ولا مبالغة إذا قلت إنه الكتاب الأول عن التنقيبات في الآثار الشرقية القديمة، وفي الموقع كشفنا على لقى أثرية من أختام دمى وحلي ونشرت عنها باللغتين الألمانية والعربية بكتاب تحت عنوان "اللقى الأثرية في عين دارة" وأعد حالياً كتاباً عن الفخار في ذات الموقع باللغة الألمانية، وبقيت على تواصل مع المعهد الأثري الألماني بصفتي عضو شرف وأطبع من خلاله عدداً كبيراً من الأبحاث وهذه فرصة كبيرة لي للتواصل مع البلد الذي درست فيه التاريخ وأكسبني الكثير من الخبرات والمعارف.

وبالتوازي مع أعمال التنقيب الأثرية قمت بتأليف كتاب عنوانه "آثار الممالك القديمة" في سورية عام 1976كتاب استفاد منه الطلاب في الجامعة كما استفادوا من الكتاب الثاني "تاريخ الشرق الأدنى" في ذات المجال واعتبرا من المصادر الهامة والمراجع التي يعتمد عليها الطلاب في قسم التاريخ، لأكون مديراً للمديرية العامة للآثار عام 1988وبقيت حتى عام 1993 عندما أحلت للتقاعد، وقد عرف عني الزملاء أن لي ميلاً للعمل في المنطقة الجنوبية، حيث عملت في تل عشترة، وفي عام 1993 طلب مني الدكتور "بسام جاموس" المدير العام الحالي والدكتور "ميشيل مقدسي" مدير التدقيق أن نباشر في العمل في تل الدبة قرب قرية "بريكة" الذي يعتبر من أكبر التلال في محافظات سورية الجنوبية حيث زرت هذا التل لأول مرة عام 1970 وقد تابعت العمل التنقيبي لغاية العام 2009 وكان آخر المواسم التنقيبية لأتفرغ لأبحاث جديدة شغلت تفكيري».

الدكتور أبو عساف في موقع التنقيب

للعمل بقية وللباحث ولع لا تحده السنون ملمح يظهر في خاتمة حديث باحثنا حيث قال: «توقفت عن التنقيب لفترة لأتفرغ لإنجاز بحثي الذي ضمنته لكتاب "الجزيرة وطور عابدين" الذي صدر مؤخراً ليكون مرجعاً جديداً نفذ من المكتبات بسرعة لأنه دراسة توثيقية لواقع الممالك على مجرى "الفرات" و"دجلة" ولأنه ومن عام 1965 بدأت حملة في كل من سورية وتركيا والعراق بإقامة السدود على مجرى النهرين هذه السدود التي شكلت خلفها بحيرات غمرت العديد من التلال الأثرية التي كانت تتوضع على ضفاف النهر، ولدي عدد من المشاريع البحثية التي تسير على خطا الانجاز إلى جانب هواياتي الزراعية وعملي الصباحي شبه اليومي لأتمم ما بدأت من أعمال أراها تكبر على يدي كتلك الشجيرات التي تحيط بمنزلي حاملة بخضرتها أملاً وتفاؤلاً رافقني سنوات العمر يعدني بالخير لي ولأسرتي الكبيرة التي تمدني بالمحبة».

الجدير ذكره أن الدكتور "علي أبو عساف" ولد في قرية "عتيل" 1931 نال شهادة الدكتوراة عام 1978من جامعة "السار" بألمانيا وأصدر العديد من المنشورات القيمة وبقي لغاية هذا التاريخ معتنياً بالعمل البحثي ويقدم خدماته العلمية لطلابه الممتنين لخبرته الواسعة خاصة أنه درس في قسم التاريخ جامعة "دمشق" وكلية الفنون الجميلة لعدة سنوات.

في موقع دبة بريكة في اخر المواسم التي أشرف عليها الدكتور أبو عساف