كانت تكفي منه رسالة إلى الراحل "صلحي الوادي" يخبره فيها أن فلان هو من طلابه، حتى يتم قبوله في المعهد العالي للموسيقا، رغم عدم وجود معرفة شخصية بينهما، إلا أن "الوادي" كان على ثقة كبيرة بعطاء هذا المبدع وقدرته على صقل المواهب، ولم يلتقيا إلا في عدد من المناسبات الموسيقية.

قامة موسيقية مبدعة، وتشهد له "السويداء" بعطاءات مميزة وإبداعات كبيرة، يعود له الفضل في تأسيس فرقة دار المعلمين للغناء الجماعي في "السويداء" التي حصلت على مراتب الامتياز وكان له وما زال الفضل في تعليم الموهوبين والأخذ بأيديهم لإكمال دراستهم في المعهد العالي للموسيقا وباقي المعاهد الموسيقية.

الموسيقا هي حلمي.. فقد خيرت بعد انتهاء دراستي الثانوية وحصولي على المنحة للدراسة بين دراسة الموسيقا وطب الأسنان، فاخترت الموسيقا. عشت في بيئة موسيقية والدي شاعر شعبي وعازف ربابة وعمي كذلك الأمر، وقد تأثرت بهما منذ الصغر، وأثناء دراستي في المرحلة الإعدادية تأثرت بالأستاذ "كامل القدسي" الذي درس بمصر ومارس مهنة التدريس في سورية، وبدأت بشكل فعلي الاهتمام بالموسيقا في سن الثامنة عشرة حيث قمت بشراء عود وبدأت العزف عليه بشكل سماعي

الأستاذ "حمد اشتي" من مواليد مدينة "السويداء" عام 1938م، وقد عاد بالذاكرة مع موقع eSuweda إلى الماضي واستعرض صفحات من حياته التي وهبها للموسيقا وللفن الأصيل، وقد حدثنا في بداية اللقاء قائلاً:

الأستاذ الفاضل "حمد اشتي"

«الموسيقا هي حلمي.. فقد خيرت بعد انتهاء دراستي الثانوية وحصولي على المنحة للدراسة بين دراسة الموسيقا وطب الأسنان، فاخترت الموسيقا.

عشت في بيئة موسيقية والدي شاعر شعبي وعازف ربابة وعمي كذلك الأمر، وقد تأثرت بهما منذ الصغر، وأثناء دراستي في المرحلة الإعدادية تأثرت بالأستاذ "كامل القدسي" الذي درس بمصر ومارس مهنة التدريس في سورية، وبدأت بشكل فعلي الاهتمام بالموسيقا في سن الثامنة عشرة حيث قمت بشراء عود وبدأت العزف عليه بشكل سماعي».

حنين دائم للموسيقا ممزوج بالأمل

بعد حصوله على الثانوية العامة وكان من المتميزين، حصل على منحة دراسية لدراسة الموسيقا في "مصر"، وكان ذلك أيام الوحدة بين سورية ومصر، وعن تلك المرحلة من حياته تحدث:

«قمنا بإجراء اختبار لاستكمال احتياجات الإقليم الشمالي، وتم قبولي مع عددٍ من الطلاب للدراسة في "مصر" في عام 1959م، وبالفعل ذهبت إلى "مصر" وبطائرة واحدة مع كل من "علي عقلة عرسان" و"أسعد فضة" وصديقي وزميلي في الدراسة "نوري اسكندر".

وبقيت في مصر خمس سنوات وهي فترة الدراسة وكنت محظوظاً بالأستاذ "محمد صلاح الدين" خريج لندن ومؤلف كتب للمقامات الشرقية وتصويرها، وقد درسنا مادة الموسيقا العربية، والأستاذ "نصر عبد المنصف" مدرس الصولفيج الذي كان الوحيد آنذاك الذي يكتب النوتة في مصر.

كان اختصاصي في المعهد كمان أساسي وبيانو إضافي، وبعد انتهاء الدراسة قدمت مشروع تخرج هو تعدد الإيقاعات في الموسيقا الشرقية، لأحصل بعدها على شهادة ليسانس المعهد العالي للتربية الموسيقية للمعلمين بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف وكان ذلك في عام 1964م».

لم يمكث في "مصر" بعد انتهاء دراسته إذ عاد بعدها إلى سورية ليمارس مهنة التعليم في إعداديات المحافظة ودور المعلمين، ومن ثم في المعهد الموسيقي فيما بعد، ولكن التفاصيل تحدث عنها الأستاذ "حمد" قائلاً:

«بعد عودتي من "مصر" عينت في دار المعلمين "بالسويداء"، وأنشأت فرقة موسيقية واخترت الطلاب الذين قاموا بشراء آلات موسيقية بالتقسيط، وقمت بتدريبهم دون مقابل، وأذكر من أعضائها الذين كان عددهم قرابة الإثني عشر شخصاً: "مزيد أبو لطيف" و"جمال الجرماني" وكان ذلك في عام 1964م، شاركت الفرقة في المهرجانات وأنشطة المحافظة وحصلت على المركز الأول "بدمشق" وأشاد بعملها الأستاذ "صميم الشريف".

ومع الوقت أصبح يزداد عدد الأعضاء، وشاركنا بجميع مهرجانات الشبيبة وكنا نقدم لوحات شعبية وأناشيد منوعة وبعدها أصبح هناك تعاون متبادل بيني وبين الأستاذ "نجيب أبو عسلي" في تدريب الفرق.

وأصبحت الفرقة تستقطب طلاباً مميزين وأصبحت الخامات تظهر وامتلك العازفون خبرات خاصة، ثم افتتح المعهد الموسيقي في "السويداء" وبدأت العمل فيه مدرساً منذ البداية، ودرست الصوت والصولفيج والأكورديون.

في عام 1975م ذهبت للتدريس في الجزائر في مدينة "صطيف"، وبقيت عاماً واحداً، ولكني خلال هذا العام شكلت كورالاً وشاركنا بمباريات على مستوى المحافظات، وكان برفقتي مدرس سوري هو المرحوم "هايل دويعر" وقد أثني على عملنا أنا وهو هناك.

ثم سافرت إلى الكويت ودرست في مدرسة حطين وكونت فرقة من طلابي شاركت في العيد الوطني للكويت وكرمنا السفير السوري في الكويت وبقيت هناك من عام 1978م حتى عام 1981م لأعود بعدها لمتابعة عملي في التدريس في سورية، وبقيت في عملي حتى تقاعدي في عام 2000م».

الفنان "أدهم عزقول" من طلاب الأستاذ "حمد" وقد تحدث عنه بقوله:

«الأستاذ "حمد اشتي" مؤلف موسيقي وعازف بيانو شهير، متمكن له مكانة كبيرة في مجال الموسيقا، أستاذ مارس مهنته بإخلاص واهباً حياته لتدريس الموسيقا للأجيال في النوادي والمدارس والمعاهد الموسيقية، تخرج على يديه الكثيرون من الموسيقيين يعود له الفضل في تكوين أول نخبة من الشباب المثقف تكويناً موسيقيا يعتمد روح الأصالة، هو رجل علم فاضل خدم البحث الموسيقي على نطاق واسع.

إن ما قام به هذا الفنان الأصيل جدير بأن يخلد اسمه بين أعلام الموسيقيين وهو من أوائل المساهمين في ترسيخ الفن الموسيقي وتأصيله ضمن الحركة الفنية والثقافية في المحافظة كما أنه أول من علم الصولفيج وآلة البيانو وساهم في تأهيل أكثر الطلاب المتقدمين للمعهد العالي للموسيقا، وقدم أكثر من جيلٍ من مدرسي مادة الموسيقا من خريجي المعهد المتوسط.

وإلى اليوم لا يزال الأستاذ "حمد اشتي" هو أفضل من يدرب ويؤهل العازفين على آله البيانو والأورغ».

الأستاذ "يحيى رجب" مدرس الغناء الشرقي في معهد الموسيقا "بالسويداء" قال بدوره:

«عرفت الأستاذ "حمد اشتي" أستاذاً وزميلاً، فقد علمني في الصفين السابع والثامن، ودرسني أيضاً عامان في معهد الموسيقا، ومن ثم درست في المعهد معه لمدة ست سنوات.

كان مدرس الصولفيج ودرسني مادة قواعد الموسيقا العربية الشرقية وآلة الأكورديون حيث أصبحت فيما بعد أنا مدرس هذه المادة، هو أول من علم العزف على البيانو في "السويداء" وقد عرفناه والداً تعامل معنا بمنتهى الرقي والإنسانية، لا أحد يعرفه ويذكر أن صوته ارتفع في يوم من الأيام ولأي سبب كان، وكان يقبل النقد من طلابه بصدر واسع وهذا الأمر الذي كان موضع تقدير له من الجميع.

بالنسبة لي كان يعرفني عازفاً قبل دخولي في المعهد، فكان يعاملني على أني أستاذ للمادة ولست طالباً وهذا ما أعطاني حافزاً ودفعاً للتقدم والنجاح، شاركت معه في المهرجان المركزي الرابع "بدمشق" ضمن فرقة نقابة المعلمين التي يعود له الفضل بتأسيسها وحصلنا على المركز الثاني، كفرقة قدمت معزوفتين واحدة شرقية وأخرى غربية موزعة على صوتين.

قد تبقى الكلمات عاجزة عن التحدث عن هذا الأستاذ الفاضل، ولكن الحركة الموسيقية في "السويداء" تشهد له بالكثير، فقد أسس جيلاً موسيقياً أكاديمياً، حتى بعد تقاعده أحسسنا بقيمة وجوده بيننا وشعرنا بخسارتنا لفكره وموهبته في التدريس، فقد ترك فراغاً كبيراً ولكن مع الزمن وازدياد عدد الكوادر استطعنا تلافي الأمر».

بقي أن نذكر أنه وإلى الآن بيت الأستاذ "حمد اشتي" مفتوح للراغب في تعلم الموسيقا والعزف من الأطفال والكبار، وهو على استعداد دائم لتبني المواهب الصاعدة والأخذ بيدها للوصول إلى الطريق الصحيح، وفي النهاية لا بد من القول: قد لا تستطيع شهادات التقدير والجوائز أن تفي المبدع حقه، ولكنه سيبقى في ذاكرة الأجيال كقدوة ومثل أعلى يذكر حين ذكر المتميزين.