مسيرة فنية حافلة بالنجاح والتميز والتألق استمرت ما يقارب الخمسة والثلاثين عاماً، كان يهوى الموسيقا والعزف على العود منذ نعومة أظفاره ونمت موهبته الموسيقية مع الاهتمام بها كعلم ودراسة.. اهتم بالفن الشعبي وأحيا التراث وطوره وقدم العرس الشعبي كفقرة فنية دون دبكات ورقصات على المسرح، كما قدم الأغاني الشعبية موزعة توزيعاً كورالياً رائعاً وبأصوات مختارة وجميلة.

كانت رحلته مع الكورال طويلة ملأى بالجهد والتعب والنضال، لأنه بدأ من الصفر وكل بداية صعبة، فالعمل الكورالي وما قدمه من موشحات وأناشيد موزعة لصوتين وثلاثة وأربعة أصوات وأغان شعبية وسماعيات قديمة وبشارف ولونغات كان جديداً على المحافظة.

في عام 1965م عدت إلى "السويداء" وسافرت منها إلى مصر لدراسة الموسيقا وقبلت في المعهد العالي للتربية الموسيقية في "الزمالك" وكانت مدة الدراسة فيه خمس سنوات، أنجزتها في أربع سنوات وكنت أنجح وبامتياز، وفي السنة الأخيرة كنت الأول على المعهد، وحصلت على بكالوريوس التربية الموسيقية اختصاص موسيقا عربية، وقد كانت الشهادة الوحيدة والأولى في القطر في ذاك الوقت

للحديث عن الأستاذ المبدع "نجيب أبو عسلي" من مواليد محافظة "السويداء" عام 1935م، وعن مسيرة غنية حافلة بالعطاء التقاه موقع eSuweda من خلال اللقاء التالي:

مع الأستاذ "حمد اشتي" خلال حفل تكريمهما في مديرية الثقافة

بداية الحديث كانت عن طفولته فقد تحدث قائلاً: «ولدت في "السويداء" وعشت طفولة عادية إلا أنها غنية بشغف وحب للموسيقا والعزف على آلة العود على وجه التحديد، بعد حصولي على الثانوية العامة عام 1955م، راسلت معهد غوته في ألمانيا لإكمال الدراسة العالية بأي ثمن وهناك قبلت في جامعة "ماربورغ" لدراسة الطب، ولكن الصعوبات المادية وقفت عائقاً في وجهي، فقررت السفر إلى فنزويلا كنوع من ردود الفعل وبقيت هناك أكثر من خمس سنوات».

أما عن دراسته للموسيقا فتابع: «في عام 1965م عدت إلى "السويداء" وسافرت منها إلى مصر لدراسة الموسيقا وقبلت في المعهد العالي للتربية الموسيقية في "الزمالك" وكانت مدة الدراسة فيه خمس سنوات، أنجزتها في أربع سنوات وكنت أنجح وبامتياز، وفي السنة الأخيرة كنت الأول على المعهد، وحصلت على بكالوريوس التربية الموسيقية اختصاص موسيقا عربية، وقد كانت الشهادة الوحيدة والأولى في القطر في ذاك الوقت».

صورة من أحد حفلات التكريم

أراد عدم إضاعة الوقت وعاد بعد حصوله على الشهادة مباشرة إلى سورية للعمل وعن تلك المرحلة أضاف قائلاً: «شكلت بعد وصولي بقليل فرقة للموشحات ضمت خمسة وعشرين شاباً وهي الأولى من نوعها في المحافظة.

شاركت هذه الفرقة في مهرجان قطري للمسرح المدرسي أقيم في محافظة "دير الزور" عام 1970م، بوصلة للموشحات وأغنية شعبية من تراث المحافظة وهي أغنية "لأكتب ورق وأرسلك" التي لاقت من النجاح ما يفوق الوصف وكانت أول أغنية شعبية مطورة تقدم على المسرح بتاريخ محافظة "السويداء" وغناها فيما بعد العديد من الفنانين، شاركت بعدها "السويداء" في مهرجان "اللاذقية" عام 1973م وفازت بميدالية الفارابي الذهبية مثلها مثل كورال "حلب".

الأستاذ "أدهم عزقول"

وفي عام 1974م أقيم المهرجان القطري في "السويداء" وعلى المسرح المكشوف في ثانوية "شكيب أرسلان"، هذا المهرجان إلى اليوم هو الأبرز في تاريخ المحافظة من حيث التنظيم والفرق الكورالية والموسيقية والشعبية لقد كان عدد عناصر الكورال آنذاك ستين منشداً ومنشدة، وحققت "السويداء" 16 ميدالية والمركز الأول على مستوى القطر، وفي نفس العام لحنت نشيد المرأة العربية للاتحاد النسائي».

وفي عام 1975م تعاقد الأستاذ "نجيب أبو عسلي" مع دولة الجزائر لمدة ثلاث سنوات قدم خلالها حفلة فنية كل عشرين يوماً، وخلال تلك المدة ألف كتاباً للموسيقا درس في المعاهد المتوسطة، وشكل كورالاً ضخماً في الثانوية في العاصمة، ولكنه تابع نشاطه بعد عودته، وعن تلك الفترة حدثنا: «بعد العودة من الجزائر تعاونت مع منظمة طلائع البعث ولحنت لها ثلاث أوبريتات من كلمات الشاعر "شريف ناصيف" وهي على التوالي: "تشرين يعلم الأطفال" و"الأطفال والعيد" و"قطار المستقبل" كلها نالت الدرجة الأولى على مستوى القطر، ولكن أوبريت "قطار المستقبل" نال من النجاح ما لم ينله أي عمل آخر، فقد عرض في التلفزيون السوري 26 مرة.

ثم تعاقدت بعدها مع الشبيبة مدرباً وقائداً للكورال، كنا نشارك في كل عام في المهرجان المحلي والقطري للشبيبة، وقد تميز كورال "السويداء" حينها على مستوى القطر وفاز بالدرجة الأولى خلال أربع سنوات متتالية في محافظة "الحسكة" عام 1987م، وفي محافظة "حمص" عام 1988م، وفي محافظة "دمشق" عام 1989م، وفي محافظة "السويداء" عام 1990م فاز بدرجة الامتياز.

تعاونت أيضاً مع نقابة المعلمين وكنا نشارك في كل عام في المهرجان القطري في "دمشق" وكذلك في عيد المعلم في "السويداء"، ثم عينت عام 1988م موجهاً اختصاصياً للتربية الموسيقية لمحافظتي "السويداء" و"درعا"».

ازدادت الأعباء الوظيفية على الأستاذ "نجيب" بعد شغله لمنصب الموجه الاختصاص في التربية الموسيقية للمنطقة الجنوبية، وكان مدرساً ومشرفاً على المعهد الموسيقي في "السويداء" إلا أنه استمر بالتحضير للمهرجانات والحفلات حتى تقاعده في عام 2003م، ومن مشاركاته العديدة في مهرجان الأغنية الملتزمة في "دمشق"، كما قدم عملاً فنياً على مسرح التربية "بالسويداء" لمنظمة الهلال الأحمر وفي هذا الحفل قدم نشيد "يا هلال الحب" من ألحانه وفقرات كثيرة متنوعة.

وعلى مسرح المتنبي في فندق الميريديان "بدمشق" عام 1993م قدم عملاً فنياً كبيراً بدعوة من جمعية أصدقاء دمشق حضره الدكتور "سعد الله آغا القلعة" وزير السياحة، وتعاون مع النادي السينمائي أكثر من مرة وقدم محاضرة عن الموسيقا العربية وعزف مقطوعة موسيقية على العود للفيلسوف والموسيقي الشهير "الفارابي".

شارك بعمل فني كورالي كبير في مهرجان "بصرى" الدولي الثالث عشر وقدم في مهرجان الطلائع في "السويداء" عام 1996م لوحة شعبية بعنوان (مواسم الفرح) من كلمات الشاعر "شريف ناصيف" وألحانه مدتها ساعة؛ رقص عليها أكثر من ثلاثمئة طفل في صالة الملعب البلدي، وفي المهرجان السياحي عام 1998م شارك بلوحة شعبية من تراث المحافظة سارت عليها الفرق الشعبية أمام دار المحافظة».

الفنان "أدهم عزقول" من تلاميذ الأستاذ "نجيب" وقائداً لعدد من الفرق الموسيقية في المحافظة قال: «عرفت الأستاذ "نجيب" مدرساً وشاركت معه في فرقة الكورال عام 1998م في المهرجان السياحي الأول، فهو لم يكتف بأداء واجبه الوظيفي كمدرس للموسيقا في مدارس "السويداء"، بل سرعان ما شحذ العزم بعد عودته من مصر وباشر بتأسيس وتدريب الفرق الموسيقية المتكاملة وفرق الغناء الجماعي (الكورال) والتي اصطفى منها أجمل الأصوات لتدريبها على الغناء الفردي، وكانت لجهوده آثارها بأن أحرزت "السويداء" ولأول مرة المركز الأول في مهرجان الشبيبة المدرسية الذي أقيم على أرضها والتي استمع فيها الأهالي وللمرة الأولى إلى الأهازيج الفلكلورية العريقة من تراثنا الجبلي الزاخر بأصوات أبنائها وبناتها بصحبة فرقة كبيرة للموسيقا، فكانت "لأكتب ورق وأرسلك"، و"ياريم يلي بأول الورادي" و"تحلالي حمرا تحت ناثر الشوشة" و"يا الله يلي حاجز موج البحر".. وغيرها من عشرات الأهازيج الشعبية التي اشتهرت على مستوى القطر بل وتجاوزت الحدود أيضاً.

بالإضافة إلى العديد من الأناشيد الوطنية والموشحات الأندلسية التي تغنت بها فرق الكورال الجماعي بأسلوب أكاديمي، ولأول مرة في ذلك الحين استمع الجمهور إلى أعمال فنية جماعية اعتمد في إخراجها على التوزيع الموسيقي الآلي والغنائي أو بما يعرف بالهارموني».

بقي أن نذكر أن الأستاذ "نجيب أبو عسلي" حائز العديد من شهادات التقدير وقد كرم من مجلس مدينة "السويداء" ومن نقابة الفنانين ومؤخراً من مديرية الثقافة في "السويداء" مع الأستاذ "حمد اشتي".