«في قرية تبعد عن مدينة "صلخد" حوالي خمسة عشر كيلومتراً وهي تحمل موروثاً اجتماعياً وآثاراً دخلت التاريخ حينما سكنها الأقدمون، وتأثرت بها الأجيال اللاحقة فأنجبت الشعراء والأدباء والفنانين الشعبيين على ترابها كانت ولادتي أي في قرية "ملح الصرار" التي أطلق عليها هذا اللقب لوجود قصور رومانية فيها ورياح عاصفة تأتيها».

الحديث كان للشاعر الشعبي المعمر "نواف أبو شهدة" لموقع eSuweda الذي تابع قائلاً: «أنا من مواليد محافظة "السويداء" قرية "ملح" تولد عام 1921 من أب فلاح وأم مربية تساعد والدي في فلاحة الأرض، عشت طفولتي فيها لمدة ثلاثة سنوات لأخرج منها مع والدي إلى "الأردن" أثناء أحداث الثورة السورية الكبرى 1925، حيث بدأت رحلتنا على ظهر الهجن مع شقيقاتي الاثنتين حينما كان والدي على فرسه وفي الطريق وعلى أرض رملية صحراوية "تعثر" الهجن فوقعت والدتي على أختي الصغيرة بركبتيها دون السيطرة على حركتها لتفارق الحياة، أما أنا فقد تلقاني والدي على فرسه، رحلنا إلى الأردن و"النبك" السعودية لأن الإنكليز لم يرضوا أن نبقى في الأردن فذهب مجموعة إلى الملك "عبد العزيز آل السعود" بطلب اللجوء إلى مكان في أرضه، ووافق إلى أن نبقى في "النبك" السعودية وهي منطقة صحراوية لا يوجد فيها الكلأ والماء سوى الحر في النهار والقر في الليل، والسماء لحافنا والصحراء القاحلة فراشنا و"الجباب والأمصع" الذي هو أحد أنواع النبات الشوكية غذاؤنا إضافة للزواحف الخطرة وخاصة العقارب وأستطيع القول إن كل من كان موجود حاز نصيبه من لدغ العقارب، أما الأفاعي فكنا نستيقظ ونراها على فراشنا وتحت الوسادة لكنها لم تؤذنا كالعقارب، الأمر الذي دفع لإقامة بيوت الشعر من اللبن أي رمال الصحراء المجبول بالماء وأحاطوا بيت الشعر.

بدأت العزف عندما كنت في سن الثامنة لأن والدي كان عازفاً متميز، وعندما استمع إلي المرحوم الشاعر "أحمد مكنا" الذي تأثرت به كثيراً وهو مثلي الأعلى فقد أخذ بيدي حتى استطعت أن أعزف مع أربع عازفين معاً وهم "احمد مكنا وصابر معروف ونواف أبو علوان وأنا" ونتيجة تطوير عزفي بعد سفري إلى المناطق الشمالية والشرقية، وعودتي إلى "دمشق" استمع إلي المرحوم الأستاذ "فؤاد شحادة" الذي كان يعد ويقدم برنامج ركن الهواة في الإذاعة السورية، سجل لي عدة حلقات في الإذاعة، وعلى صعيد الألحان عملت على تطوير اللحن الأصلي من هجيني وشروقي بأنواعه المختلفة إضافة للألحان الشعبية التي كنت استمع إليها من الناس، حيث أقوم بتطويرها وإضافة جمل لحنية عليها

وكنا نقتات العيش الذي يأتي ليلاً إلى بعض القرى الجبل، حيث يستغرق الوصول إليها مدة ثلاثة أيام ذهاباً وثلاثة إياباً لنقل المؤن وبعض الحاجات، ومع الجوع الذي ساد فقد توفيت امرأة واحدة وجدت في منزلها يابسة لأنها لم تطلب الطعام من أحد. كان عددنا أكثر من ألفي شخص، واستمرت حياتنا في هذه الأرض الصحراوية مدة سبع سنوات، حتى إنهم جاؤوا بمعلم لبناني الأصل ليعلمنا نحن الأطفال على ألواح تنك، وبعد سبع سنوات من ضنك العيش، تم توزيعنا على القرى في الأردن فكان نصيبنا مع المرحوم "زيد الأطرش وعلي الأطرش وقاسم أبو خير" في قرية اسمها "الفحيص" سكانها من إخواننا المسيحية الذين كانوا مثال الكرم والجود والطيبة، أقمنا أكثر من ثلاثة سنوات، وفي كل يوم كانوا أصحاب المنزل الذي استأجرنا عندهم ينادون في كل صباح علينا "يا أبو نواف" طبعاً لحياة والدي، يخرج والدي للرد يقولون له: الطعام الموجود خلف الجدار هو لكم، فعلاً كانوا جماعة عنوان الشهامة، وبعد اجتماع الثوار تقرر أن نسكن في المدن فانتقل بعضنا إلى "عمان والأزرق" وغيرها لكن نحن انتقلنا إلى "السلط" وفيها أقمنا مدة ست سنوات.

الشاعر أحمد مكنا

وبعد عودتنا إلى الجبل سكنا قرية "القريا"، والدي كان محكوم بالإعدام لأنه قتل أكثر من ثلاثة ضباط فرنسيين، فقال لعطوفة "سلطان باشا الأطرش" إنه محكوم فقال أسكن في "القريا" ولا تهتم بالأمر ومع وجود أخوالي أيضاً، في "القريا" درست في مدارسها لغاية الصف السادس، وفي الخامس عشر من حزيران عام 1942 عينت في سلك الدرك بعد أن سجلت دائرة النفوس في الهوية أنني أكبر من عمري بثلاث سنوات حتى تم قبولي بالدرك، كنت ولداً صغيراً حتى إن رؤسائي كانوا يندهون لي بصوتهم "تعى يا ولد وروح يا ولد".

أول خدمتي في الدرك كانت "بالقريا"، حتى إذا جاء مفتش إلى المخفر سأل عني فأجبته بأنني من "القريا" وعلى الفور نقلني إلى قرية "الغارية" لمدة ثلاث سنوات ثم انتقلت إلى شمال "حلب" في قرية "كفر كرمين" ثم إلى "بانياس القنيطرة" لأشترك في حرب "تل العزيزيات" مع اليهود عام 1958 ثم عدت إلى "دمشق" أنهيت خدمتي في سلك الدرك».

المعمر نواف أبو شهده

أما عن بدء العزف على الرباب فأوضح المعمر "أبو شهده" بالقول: «بدأت العزف عندما كنت في سن الثامنة لأن والدي كان عازفاً متميز، وعندما استمع إلي المرحوم الشاعر "أحمد مكنا" الذي تأثرت به كثيراً وهو مثلي الأعلى فقد أخذ بيدي حتى استطعت أن أعزف مع أربع عازفين معاً وهم "احمد مكنا وصابر معروف ونواف أبو علوان وأنا" ونتيجة تطوير عزفي بعد سفري إلى المناطق الشمالية والشرقية، وعودتي إلى "دمشق" استمع إلي المرحوم الأستاذ "فؤاد شحادة" الذي كان يعد ويقدم برنامج ركن الهواة في الإذاعة السورية، سجل لي عدة حلقات في الإذاعة، وعلى صعيد الألحان عملت على تطوير اللحن الأصلي من هجيني وشروقي بأنواعه المختلفة إضافة للألحان الشعبية التي كنت استمع إليها من الناس، حيث أقوم بتطويرها وإضافة جمل لحنية عليها».

المعمر "نواف أبو شهده" الذي قضى من عمره ثمانية عقود وهو في خدمة التراث الشعبي وقد أغنى المكتبة العربية بالعديد من القصائد الشعبية والألحان بصوته العذب، يجلس الآن في منزله بتقاعد يكاد لا يذكر في ظلمة الحياة القاسية، وأسرته مؤلفة من ستة أشخاص ثلاثة شبان وثلاث بنات، لكن عشقه للرباب ملازم حياته صباحاً ومساءً على حد قوله.