«تربيت منذ نشأتي الأولى في بلدة "ملح" عام 1912 على المسالك الفاضلة التي نهج مبادئها راحلون عظماء، مثل: "عمر بن عبد العزيز" و"عمر بن الخطاب" ومن العهد الحديث، الجليل الراحل "عارف حلاوة" الذي توفي قبل عدة أعوام وكان رجلاً شديد الذكاء، كثير الورع، كذلك الراحل "الحسين الصافي" العابد الزاهد المتقشف الذي كان يعامل نفسه معاملة صعبة ندر من يسلكها».

والكلام للشيخ الجليل "محسن ملحم" الذي روى لموقع eSuweda وهو على فراش المرض بعضاً من ذكرياته وأضاف: «في البدايات استقيت معرفتي من المعلمة الفاضلة "زكية أبو جمّرة" من عام 1923 حتى عام 1924 ثم حدثت الثورة. فيما بعد طالعت الكتب الدينية على اختلافها وحرصت على تحليل وكشف ما غمض في شروحها، وهناك فضل للجليل الراحل "عارف حلاوة" الذي علمني مبادئ الخط العربي ولقنني من معرفته الكثير».

في البدايات استقيت معرفتي من المعلمة الفاضلة "زكية أبو جمّرة" من عام 1923 حتى عام 1924 ثم حدثت الثورة. فيما بعد طالعت الكتب الدينية على اختلافها وحرصت على تحليل وكشف ما غمض في شروحها، وهناك فضل للجليل الراحل "عارف حلاوة" الذي علمني مبادئ الخط العربي ولقنني من معرفته الكثير

وقال الشيخ "محسن" حول بداية نشره لرسالة التعليم في بلدة "ملح": «أخذت على عاتقي بدءاً من عام 1932 تعليم أولاد البلدة في "ملح" والمناطق المجاورة روائع العلم والفلسفة تعليماً مذهبياً عن طريق الحكومة الفرنسية، وأذكر من تلك الروائع قواعد اللغة العربية في الصرف والنحو للأب "الشرتوني"، وفي حينها كنّا نأخذ أجرة رمزية من التلاميذ ما يعادل /40/ كغ من "القمح" في السنة أو ما يقارب /3/ ليرات سورية.

الجليل الراحل الحسين الصافي

والمميز آنذاك حب التلميذ للعلم واستيعابه الكبير رغم كثافة المعلومات في اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والحساب».

وروى لنا خلال حديثه لمحة عن الحياة الإنسانية التي عايشها قديماً، حيث قال: «اتسمت الحياة قديماً ببساطة العيش وأمانة التعامل والغيرة على الآخر، فإن حضر صديق إلى البلدة يحتفى بحضوره ثم يتساعد الأهل والجيران على ضيافته، وفي موسم الحصاد إن قصّر أحدهم تجد جيرانه يهمّون إلى مساعدته دون مقابل، وكانت الأداة المستخدمة لنقل المحاصيل في حينها جمال البدو المتعاونين مع الفلاحين بأجور بسيطة، تلك أيام ليتها تعود، نِعمٌ كثيرة واكتفاء. لا أنسى كيف زرعنا أرضاً مساحتها /6/ دونمات مداً من الشعير، وبعد الحصاد فوجئنا بـ /100/ مدّ بركة منها».

الجليل محسن ملحم

وأضاف: «حتى وإن حدث خلاف ما في البلدة تجد رجل الدين يقوم مقام القاضي بحزمه ورأيه على قاعدة: "الصلح سيد الأحكام" ويحظى باحترام الجميع وقراره ينفذ فوراً حباً وولاء ولا جدال فيه إلا بالحق، وذلك تلبية للمسالك الفاضلة عوضاً عن الحكومات الوطنية لعدم وجودها في تلك الحقبة من الزمن، ولم تزل حتى اليوم بعض القضايا تحل إدارياً قبل وصولها إلى السلطة بحكم العرف والعادة».

وأوضح الشيخ "محسن" الأثر البالغ الذي تركه والده "محمود ملحم" في نفسه واتخذه في سني حياته مبدأ سار عليه، بقوله: «اشترك والدي في معظم معارك الثورة ضد العثمانيين والفرنسيين، وهو من الذين نقلوا بيرق "ملح" عبر المداورة بين العائلات، ومن سماته حبه للفقير وعطفه عليه من عذب كلمة ومال، ومساهمته مع وجهاء البلدة في إعادة توزيع الأراضي على الوافدين الجدد من السكان لتكون ملكاً لهم ويدرؤون بها الفقرخلال عملهم ، وهذا ما بين عامي 1866ـ1952. لقد علمني والدي من مبادئه ما أوصلني إلى الرضا والجمال، وأثره سيبقى خالداً في نفسي».

الابن الأكبر حمد محسن

*صفات حميدة

وبعد السؤال عن شخص وسمات الجليل "محسن ملحم"، قال ابنه الأكبر "حمد": «بدأ والدي في التعليم عام 1923، وكان يهوى نسخ الخط العربي ونظم الشعر الروحاني ويتسم بموهبة الصوت الشجي عند غنائه للشعر، ويتمتع بذاكرة قوية ومخزون واسع من المواعظ والأحاديث الأدبية الجميلة حتى أنه في أكثر المواقف التي يتحدث بها يلقى إعجاباً كبيراً من المثقفين والشيوخ على لفظه المقوم المحافظ على اللغة العربية.

ومن أحد المواقف التي أذكرها أن أحد المحامين قال له بعد خطابه للجمهور: "لا فض فوك أيها الشيخ ولا عاش من يشنوك" وتفسيرها أن يديم الله حديثك ساحراً للألباب ويهلك أعداؤك، وقال له أيضاً: "نحن بحاجة إلى أمثالك لتقويم المجتمع وصقله" وكان ذلك بحضور المجاهد الراحل "سلطان باشا الأطرش"».

وقال ابنه الأصغر "سلامي" وهو من الشعراء المميزين في البلدة: «إني أتمثل قول الشاعر: "لنا والد لو كان للناس مثله/ أب آخر أغناهم بالمناقب" وهذا البيت دلالة إلى الصفات الحميدة، وهذا ما تمتع به والدي وربّانا عليه وهو يكتب الشعر الصوفي وله ديوان مؤلف من /300/ صفحة من القطع الوسط، من قصائده أذكر بضع أبيات من قصيدة كتبها نصحاً وتوجيهاً لنا، قال فيها: "يا حمد أوصيك بحفظ الأخوان/ ما قبل وصية والد مستطاعه/ من قبل ما يضحي رفات وجثمان/ وحكم القضا يأتيه فوراً بساعة/ حسن الولى في الله بر وإيمان/ وخير الذخيرة الدين أشرف بضاعة/ أدي الفروض الواجبة وكون يقظان/ واقنع فما تغني كنوز القناعة/ من بعدها أوصي سلامي وسلمان/ ويحيى كونوا حافظين الوداعة/ يا عزوتي كونوا على الدهر أعوان/ ترك الجفا وحب الصفا والوداعة"».