«لكي تكون شاعراً يجب أن تتحقق الشاعرية منذ الطفولة، منذ بدء التعامل مع الطبيعة.. مع السماء الزرقاء.. مع حركة الغيم.. مع الزهر حين يتفتح.. مع الكلمات.. مع كل شيء في هذه الحياة، فالشعر يتكون لدى الشاعر الطفل قبل أن يعرف ما هو الشعر أساساً، لا بد من أن تنعجن الروح مع الأجنحة في الطفولة ومع الأحلام والطموحات التي تنمو كما ينمو العقل والقلب والذاكرة، ثم تأتي المراحل الأخرى مراحل وعي الذات ووعي القصيدة ووعي حالة التعبير الذي يأتي مترافقاً مع وعي الحياة».

تلك كانت انطلاقة الشعر في حياة الشاعر المبدع "فؤاد كحل" وهذا ما تحدث به لموقع eSuweda الذي التقاه في منزله بقرية "سهوة بلاطة"، وتابع: «ولدت في قرية "سهوة بلاطة" عام 1949 كنت محظوظاً بطفولتي مع والدي وهو معلمي الأول، الذي كان ومن دون أن يدري يعلمني الشعر لأنه بالأساس شاعر، من خلال التواصل مع الطبيعة.. مع الحياة.. مع السنديان.. مع حركة الريح وهي تصعد الجبل.. مع الطيور والبيادر، في طفولتي رغم الفقر كان حلمي يتألق وكان طموحي كبيراً، كنت أحاول دائماً تركيب أجنحة والتحليق والصعود للعالم الأوسع، وأنا أكتشف الآن بعد خمسين عاماً من التواصل مع الشعر بأنه الثروة الكبرى لأنه يحافظ على الطفولة، فالشعر والطفولة شيئان متلازمان لا وجود لأحدهما بعيداً عن الآخر، الشعر يجعل القلب طفلاً، بدأت بكتابة الشعر منذ الطفولة وبالتحديد من الصف الخامس الابتدائي حيث ظهرت أولى محاولاتي، إلى الآن ومع كل قصيدة جديدة أكتبها أتحول إلى طفل من جديد وكأني أرى العالم واكتشفه للمرة الأولى، ثم الطفولة تجعل الإنسان شاعراً أبداً، وعندما تغادر الطفولة موطن القلب تغادر القصيدة الشاعر إلى ما لا نهاية».

أبنائي هم أصدقائي، فعندما أقرأ قصيدتي أمامهم، أشعر أن طائري لا يصطدم بقضبان معدنية

وعن أول كتاب نشر باسمه؟ قال: «ابتدأت بالنشر من عام 1968 وكنت طالباً news_bodyقبل الالتحاق بالجامعة ودراسة الأدب العربي، نشرت عدة قصائد في مجلة "الجندي العربي" و"جيش الشعب"، ولكن كتابي الأول نشر عام 1974 وكان بعنوان "صرخات للرقص العاري" كان يحمل هم الحب ثم هم الحرب ثم انتقل إلى الحرية بمفهومها الإنساني الواسع وفي عام 1975 انتسبت لاتحاد الكتاب العرب وكنت من مؤسسي اتحاد الكتاب العرب، ثم تتالت قراءاتي وكفاحي اليومي مع الكتاب الذي شاركني رغيف الخبز، لدي مكتبة كبيرة في بيتي بدأت تأسيسها من البخشيش الذي كنت أتقاضاه من العمل في مطاعم "عاليه" في لبنان، مكتبتي متنوعة وشاملة وقراءاتي أيضاً بين العلمية والفلسفية والأدبية، news_bodyلأن الشاعر يختصر الكون المعرفي بلحظة ويجب أن يكون لديه رؤية شاملة وثقافة واسعة، لأنه إذا كانت القصيدة هي قمة الهرم الإبداعي، فإن قاعدته هي الثقافة الواسعة».

وعن الأوقات التي يكتب فيها؟ أضاف: «منذ أكثر من خمس سنوات، لا أذكر أني نمت حتى الساعة السادسة، استيقظ دائماً في الرابعة صباحاً، أوقات كتابة الشعر هي أوقات خصبية تموزية للشاعر، أكتب دائماً في فترة شروق الشمس، اليوم مثلاً شربت القهوة الساعة الرابعة فجراً مع زوجتي "وداد" التي تشاركني حياتي ووجودي وكتاباتي، وحتى هذه اللحظة وبعد أربعين عاماً من الزواج، زوجتي هي صديقتي ورفيقتي وملهمتي، وهي الروح الدافئة التي تمشي على قدمين حولي وتمنحني السعادة والدفء وتمنحني الشاعرية التي أسبغها على قصائدي، وهي قارئة ممتازة قلما قرأت شيئاً هاماً لم تقرأه، وأثق برأيها كثيراً، فالشاعر يريد قلباً صادقاً يتعامل مع قصيدته ومع شعره، فكيف إذا كان هذا القلب يملك مفاتيح الشاعر، كتاباتي يومية بين مذكرات وخواطر ومحاولات، أعود لكتاباتي كثيراً وعشرات المرات وأنا قاس في حكمي على نفسي وعلى ما أكتب، كثيرة هي القصائد التي نشرتها بعد سنوات من كتابتها، لدي قصيدة نشرت بعد اثني عشر عاماً من كتابتها، وليس كل ما ينشر في الصحافة ينشر في الكتب، ثم الخطاب الجمالي يتبدل من جيل إلى جيل ومن فترة لأخرى، فالذي كان جمالياً بالنسبة للشاعر ضمن الحركة الأدبية في الثلاثينيات أو السبعينيات تبدل الآن وتطور».

ولدى سؤالنا، بمن تأثر؟ أجاب: «لا أدعي بأني أعرف بمن تأثرت، قرأت كثيراً وما زلت أقرأ، أنا لا أستطيع أن أقول أني قرأت "محمود درويش" أو "أدونيس" أو "القرآن الكريم" أو "هوميروس" كل ما هو جدير بالعودة إليه من النصوص الجمالية أعود إليه وأقرؤه مجدداً، ولكن هناك شيئان كان لهما أكبر الأثر في شعري، حالة الحب المبكر التي عشتها وكانت المحرض الأكبر للإبداع، وتلك الحبيبة الطفلة هي زوجتي الآن، وموت والدي المبكر وأحد أصدقائي المقربين ترك أكبر الأثر في نفسي وفي شعري، وأثر الحرب أيضاً، لم أتابع دراستي في الجامعة لأني تطوعت في الجيش قبل حرب تشرين التحريرية لأن للوطن حق مقدس وكبير على كل فرد منا، ثم كثيرة هي الأشياء التي تؤثر في حياة الشاعر وشعره، أحياناً الصمت يجعلني أكتب، وأحياناً الضجيج.. الفرح.. الحزن.. الحيرة.. القلق، هطول دمعة بنبل من عين تجعلني أكتب إلى ما لا نهاية، لا أعرف متى تأتي القصيدة، أصاب بحالة إيقاعية وأشعر بشفافية في داخلي، شيء ما بدأ يتحرك ويستفزني لاستقطب الكلمات وأجمعها في جمل، هناك بدايات ظلت بدايات وأخرى لم تنته، شعرت بالغزل ولكني لم أكتب قصيدة غزل واحدة في حياتي، بل انتظرت كثيراً حتى تحول الغزل إلى حب، لا يجوز لقصائد الشاعر أن تكون ماء المسطار، الشاعر مهمته تقديم النبيذ بعد الاختمار الشديد في خوابي الزمن».

للشاعر "فؤاد كحل" أربع وعشرون كتاباً بين دواوين شعرية ونصوص نثرية، واثنتي عشرة مخطوطة جاهزة للطباعة لم ينشر منها شيء بعد، وانتهى حديثاً من كتابة كتاب من عشرة مؤلفات يتجاوز 1800 صفحة، هو مذكرات النفس والروح كما قال عنه، يحب التروي وعدم الإكثار من نشر الكتب، ليفسح المجال أمام كتاب وأدباء آخرين، هو عضو بلجان القراءة في وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، لديه أربعة أبناء "ريان" و"أمل" و"لمى" و"كروم"، هو أول من أطلق اسم "ريان" في محافظة "السويداء" وقد ورث عنه الكثير وأصدر ديوان شعر بعمر 12 عاماً، وهو حالياً في اليونان، وقد قال عن أبنائه: «أبنائي هم أصدقائي، فعندما أقرأ قصيدتي أمامهم، أشعر أن طائري لا يصطدم بقضبان معدنية».