اقترح قائمقام حلب وادلب الزعيم الوطني رشيد بيك طليع على القائد الثائر ابراهيم هنانو ان يلجأ الى جبل العرب حفاظاً على حياته حيث اعطاه عنوان المجاهد الكبير علي عبيد في السويداء، وكان

ذلك عام 1922 فوصل برفقة حسين ايبش بالمرج من ريف دمشق الى قرية الخالدية التي تقع في الشمال من الجبل وكان في استقباله حسين عز الدين الذي تولى حراسته والعناية به حتى اوصله الى السويداء.

وصل ابراهيم هنانو الى السويداء متخفيا عن اعين الاحتلال الفرنسي الذي كان يلاحقه لتقديمه الى المحاكمة حيث استقبله علي عبيد بحفاوة بالغة في بيته ثم توجه الى قرية الثعلة حيث مكث بضعة ايام في منزل نجم عز الدين، وسرعان ما انكشف امره للسلطات فسيرت قوة لتطويق القرية والقبض عليه ولكن الأهالي هرعوا بسلاحهم لحماية ضيفهم الكبير فامتلأت بهم ساحة القرية وضجت بأهازيجهم الحربية ما جعل القوة تتهيب الموقف وتغادر القرية دون ان تفعل شيئاً.

رجالات الثورة 1925

ولما رأى ابراهيم هنانو بأم عينه ما جرى فرح كثيرا وراح يصافح رجال القرية ويقول لهم: والله لو كنتم معي في الشمال لبقيت أحارب فرنسا زمناً طويلاً.

ثم التفت نحو نجم الدين وقال: كن شجاعا تعش كريما معززا.

رشيد بيك طليع

وكان اللقاء الذي جمع ابراهيم هنانو بسلطان باشا الأطرش مفيدا للغاية كما قال سلطان باشا حيث اطلعه هنانو على اخبار الثورة في الشمال ووصف له اهم معاركها وكيفية اتصاله بثورة الشيخ صالح العلي في جبال الساحل كما دار الحديث عن الظروف الصعبة التي حالت دون نجاح ثورته في الشمال وأبدى إعجابه الشديد بمواقف رشيد طليع الجريئة وتقديم المساعدات الكبيرة له ولقادة ثورته على الرغم من مراقبة الفرنسيين الشديدة له، ولقد تأثر سلطان الأطرش بهذا الرجل المقدام واعجب بصراحته وعظم تقديره ووفائه لكل من شارك بثورته.

ومع انه كان متفائلا بالعودة الى ميادين الجهاد مظهرا الرغبة بالتعاون المجدي الفعال مع ثورة الجبل اذا ما تهيأت له الظروف المناسبة لاستئناف الكفاح فقد أبدى اسفه وردد مرارا قوله: لن يتحقق لنا نصر مؤزر على المستعمرين ما دمنا نقول اكثر مما نفعل وما دمنا لا نراعي مشاعر جميع المواطنين التي تستوجب من شيوخنا الكبار رفع شعار: الدين لله والوطن للجميع.

حاول سلطان باشا الأطرش اقناع ابراهيم هنانو بالبقاء في السويداء مبديا استعداده التام لتحمل جميع المسؤوليات المترتبة على ذلك.

ولكن هنانو اعتذر واصر على الرحيل الى شرق الاردن فأرسل معه الأطرش ثلاثة فرسان لمرافقته الى بيت حمد البربور في قرية ام الرمان ومن هناك سار بحراسته بضعة فرسان لهم خبرة بطريق البادية ووصلوا به آمنا الى عمان وبعد فترة من الزمن جرت محاكمة ابراهيم هنانو امام القضاء الفرنسي والتي عدت من اقوى واهم المحاكمات السياسية في العصر الحديث حيث اثبت هنانو انه قائد من الطراز الرفيع دافع فيها عن حقه المشروع في محاربة الاستعمار وصولا الى الاستقلال المبين.

واكتسبت هذه المحاكمة شهرتها من خلال قيام سلطات المحكمة بتبرئة هنانو وسط ذهول سلطات الاحتلال الفرنسي.