تختال الورود في "شارع الاستقلال" بهية كأنها ذاهبة إلى عرس، منتظرة الأيدي التي تحملها، أو الأنوف الراغبة بالشم، وفي أمكنة بيعها تشعر بالسعادة والصفاء النفسي مع هذه المخلوقات بعيداً عن التوتر والتعب.

مدونة وطن "eSyria" التقت بائع الورود السيد "سامر الباروكي" يوم السبت الواقع في 20 كانون الثاني 2015 الذي تحدث عن بداياته مع الورد، والأدوات التي امتلكها في هذه المصلحة: «تعود مهنة بيع الورود إلى مئات السنين، وقد يدهش الناس من قصة الخليفة الراشدي "عمر بن الخطاب" عندما قال لأصحابه إن مهنة بيع الورود واقتنائها هي أحب المهن إلى قلبه حتى لو خسرت فتكسب عطرها، وشاءت المصادفة أن يهاجر ابن عمي ويترك لي محله في هذا المكان، فأصبحت بين ليلة وضحاها بين مجموعة متنوعة من الورود ونباتات الزينة والزبائن، واكتشفت قدرتي على تلبية الطلبات دون معرفة مسبقة بالعمل، فتصميم الباقة أهم الأعمال هنا، إضافة إلى تزيين السيارات للأعراس، والباقات الكبيرة الخاصة بالمناسبات، فهذه المخلوقات الجميلة تجعل منك مبدعاً وخلّاقاً أمام روعتها، كنت خائفاً منذ الدقيقة الأولى التي حطت فيها الورود في المكان، وأنظر إليها مشفقاً عليها وعلى حالي، وعندما دخل الزبون الأول طالباً باقة ورد لخطيبته رحت أوزع الأزهار بطريقة العاشق فأعجبت الزبون دون أن يعرف حقيقة لكونه أول شخص ألبي طلبه، وهكذا كان».

يكسبك التعامل مع الورد الحب والطمأنينة، ويبعدك التعامل معه عن التوتر والضغط لدرجة لا تشعر معه بالوقت، وقد تتفاجأ أنني أقرأ الكتب من أشعار وروايات في المحل عندما أجد أي وقت فراغ هنا، والعلاقة مع الجيران علاقة ود وحرص على الآخر، فالجميع يحبون الكسب ولديه متطلبات حياتية، ولكن لكل شخص رزقه الذي يصله بالسمعة الحسنة وعمله الجيد، وفي حال احتجت لأي شيء تراني أستعين بجاري "هادي كمال الدين" الذي يهب لخدمتي، والعكس تماماً

وعن نوع الورود والنباتات المتواجدة وكيفية الحصول عليها والتعامل معها، أضاف: «لكل موسم أصنافه الخاصة، وهو أمر يقرره المزارع والموزع في العادة، وخاصة أصناف نباتات الزينة، أما الورود فهي معروفة مثل: "الجوري، القرنفل، المنتور، جريبيرا، غلايول، غريب، العصفور"، وغيرها الكثير، ونباتات الزينة لها أسماء كثيرة ومتعددة، وهي مطلوبة للمنازل الطابقية والحدائق غير المفتوحة، مثل: "اليوغا، السيوف، تلفوني، روغاريا، تروبك، شوفليرا، كانتي، والمعلقات الصغيرة"، والواقع أننا كنا نتسوق من "دمشق" وريفها، غير أن مهندساً من المدينة بدأ منذ مدة إنتاج أنواع من الورود والنباتات، والباقي يكمله من "دمشق" ويقوم بالتوزيع علينا، ويأخذ رأينا دائماً في الجودة والنوعية والتفاصيل الصغيرة عن هذا العالم الجميل، وفي المحل لا تحتاج هذه المخلوقات للعناية الكبيرة، ومع الوقت تكتشف أنها لطيفة حتى بطلباتها الصغيرة، ولكونها لا تبقى مدة طويلة في المكان فأكثر شيء يمكن أن يقدم لها هو الماء».

سامر الباروكي في محله..

تؤثر الأوضاع العامة في العمل لكثير من المصالح في الحالات العادية، وتبقى فترة الأعياد والمناسبات الخاصة مصدراً لبائعي الورد، حيث يقول السيد "هادي كمال الدين" الذي يعمل في هذه المهنة منذ سنوات طويلة: «بوجه عام نعتمد على أعياد العشاق والأم والميلاد، وهي مواسمنا المفضلة التي نستنفر من أجلها، ولكن تبقى مناسبات الأعراس وتوابعها فرصة جيدة للبيع من خلال الأكاليل وتزيين السيارات المرافقة للعروسين، وهناك الدوائر الرسمية التي نتعامل معها بوجه دائم، وأكثر الحالات التي تصدمك خلال السنوات الأربع الماضية هي باقات الورود المخصصة للشهداء، وهي أصعب المواقف التي نواجهها لكونها تذهب لتوضع على قبر شاب، فبقدر القيمة التي تعنيها من استشهاده، بقدر الحزن الذي يلف كيانك وأنت تفكر في شبابه وعائلته.

وفي الأزمة الاقتصادية التي تمر على الناس والوطن نشعر بها كبائعين مثل باقي الأشخاص، ولكن حالة البيع لم تتغير كثيراً لأن الورود كهدية تعد ثمينة معنوياً ومادياً».

نباتات الزينة.

تبقى العلاقة بين تجار الورود سؤالاً يستدعي كل شخص في مدينة صغيرة كمدينة "السويداء"، ويلاحظ المرء أن المحال على قلتها متقاربة تماماً، حيث يقول بائع الورود "نزيه فرج" عن ذلك: «يكسبك التعامل مع الورد الحب والطمأنينة، ويبعدك التعامل معه عن التوتر والضغط لدرجة لا تشعر معه بالوقت، وقد تتفاجأ أنني أقرأ الكتب من أشعار وروايات في المحل عندما أجد أي وقت فراغ هنا، والعلاقة مع الجيران علاقة ود وحرص على الآخر، فالجميع يحبون الكسب ولديه متطلبات حياتية، ولكن لكل شخص رزقه الذي يصله بالسمعة الحسنة وعمله الجيد، وفي حال احتجت لأي شيء تراني أستعين بجاري "هادي كمال الدين" الذي يهب لخدمتي، والعكس تماماً».

الزميل "جودت غانم" القاطن مكتبه جوار محلات الورود، تحدث عن علاقته مع الورود، ورأيه في هذه المهنة بالقول: «يبقى بائع الورد فنان حقيقي، وهو يدهشك عندما يصنع باقة ورد حسب الحالة، فتجده يصنع باقة لعاشق متيم بأزهار تلوح بين الهادئة والصارخة بتنسيق خلاب يعبر فيها عن هذا الشخص، وباقة ملأى بالورد الجوري للأمهات، وفي الأعراس يطلق موهبته لكي يصنع باقة كبيرة على سيارة العروس، وفي كل يوم يبتكر زينة غير الماضية، وأنا جارهم منذ سنوات طويلة وأعرف أيضاً البائعين الآخرين بحكم العمل، وهم أصدقاء المهنة الواحدة، ولا تنافس بينهم سوى بالإبداع، وعادة شراء الورود في المحافظة مزدهرة فقط في مدينة "السويداء"، ويبدو أن الوضع المادي يحكم هذه المصلحة، ومن المواقف الطريفة التي كنت شاهداً عليها في يوم عيد العشاق هو عدم معرفة الشاب وتفريقه بين الورد الجوري والقرنفل، وبحسب "الباروكي" فإن جهل الشباب الصغار بأنواع الورود عادي لكون هذه الفئة لم تعد ترى الكثير من الورود لسكنها في البيوت الطابقية، وابتعادها عن الطبيعة».

ورود الزنبق