يشكّل البحث عن الإنسان في أعمال ولوحات الفنان التشكيلي "غسان أبو طرابة" حالةً من الإشكالية في معرفة مكونات الصورة التعبيرية، فهي وإن بدت بظاهرها قاتمةً إنّما تحمل في باطنها دلالاتٍ ومعانيَ متنوّعة، حيث يقف المتلقي أمام لوحاته ويقرأ نفسه ويستشعر وجوده.

وبرأيه إنّ البحث عن الإنسان ضرورةٌ للكشف عن خفايا الألوان والأبعاد المتعددة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكائنة في ماهيته، والبحث في روابط العلاقة الإنسانية التي تتناسب طرداً مع حالته، وقال لمدوّنة وطن "eSyria": «غالباً أرى أنّ اللون الأسود يمثل البحث عن اللا نهاية، والأحمر عن القوة والعاطفة الجامحة، والأصفر عن إرادة الفكر في التحليل، بينما الأزرق بالنسبة لي هو الأمل الذي يبقى العامل المحرض للبحث عن الحياة المتجددة والمتنوعة، أما الأخضر فهو المكان الآمن والاستقرار والهدوء الساكن الحامل للطمأنينة، ولكنْ هناك استخدام لدي ذو خصوصية بطبيعة استثمار اللون وهو البنفسجي أو الليلكي الحامل للمعنى الدلالي لكثير من متطلبات الحياة، وهو لون التخفي وراء الأفكار، واللون الذي يمنحني وجهاً مختلفاً عن الظاهر، وبالتالي هو يحمل الظاهر والباطن وينعكس على العديد من الناس بما يحملون من غرائز».

من يرى ألوانه ويدخل في أعماق عالمه كما يدخل المحارب غرفة الأسلحة ويخرج منها مزوداً بسلاح ارتضاء لنفسه ليقف في وجه الشر في العالم، ويدافع عن طفولة الإنسان فهو كأي سوري رضع لبن الحرية من طفولته وشرب ماء الأخلاق النظيفة من بيئته، أراد لنفسه أن يكون فناناً جندياً يقول لا للشر إن وجد بريشته وألوانه وصوره الفكرية ورؤاه المخزونة في أعماق الذاكرة

وجنح "أبو طرابة" نحو اللون البني، ويرى به التمسك بالأرض والقوة والثبات، وخاصة الذهبي منه فهو الثقة بالنفس والفخامة، وهذا الاستخدام فيه من البحث بالمكنون الإنساني الكثير بغية إيصال رسائل إعلانية، ويضيف: «من جهة ثانية أعمل على الرمز في عملية البحث عن الإنسان، مثل رمز العنكبوت الذي يمثل السلطة الشمولية، والحصان الذي يرمز للقيم والأخلاق والقوة والإرادة المجتمعية، والنار التي ترمز لمحور عبادة وشر في آن واحد، وهي ترتبط مع آلة الحرب والدمار والقتل، وكان لقوس قزح ارتباط وثيق بأحلام الطفولة ومراحل متنوعة بالتنمية باستخراج الحياة وصناعتها من الأرض الجرداء، حتى السجين المتوحد مع الذات، المرهون بالزمن لمراجعة الذات الكلية والفردية وصهرهما في تطور النفس وفتح مدارك العقل وصنع رؤية المستقبل، قادم من خلال إدراك الماضي والحاضر وربطهما بالمستقبل بأفكار ترتبط بالعلم والتربية والتعليم، ويبقى البحث مستمراً في عالم الإنسان ضمن دائرة معارف الفن التشكيلي».

من لوحاته

وعن مسيرته في التعليم أشار إلى أنه درّس في مدارس وزارة التربية لعامين، وفي عام 1988 تقدم إلى المعيدية لصالح وزارة التعليم العالي كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" وأوفد عام 1992 إلى جمهورية "مصر" لنيل درجة الدكتوراه، وحصل عليها بدرجة شرف عام 1997، ثم بدأ معترك التدريس الجامعي في جامعة "دمشق"، وكان له نصيب الإشراف على أكثر من إحدى عشرة رسالة ماجستير وثلاث رسائل دكتوراه، وعام 2014 تم تكليفه عميداً لكلية الفنون الجميلة في "السويداء" لأربعة أعوام.

أما عن مجموعة الجوائز التي نالها عن أعماله الفنية فنذكر منها: شهادة تقدير من "بيت الفن" في "موسكو" عام 1989، ودرع الفنان المقاوم وتكريم من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ضمن معرض في "قبرص" عام 1988، والمركز الثاني لجائزة "الحرية للفنان" في "مونتريال كندا" عام 1990، وجائزة تكريم من "بينالي القاهرة الدولي" عام 1995، وشهادة تكريم من مهرجان "قرطاج" للفنون التشكيلية 1998، وتكريم من وزارة الثقافة السورية عام 2015، ودرع من "أكاديمية روح العالم" في "حلب" عام 2010، ودرع "التميز" من جامعة "دمشق" 2017، ودرع من نقابة الفنون التشكيلية عام 2019، وأقام معارض عدة في "موسكو، كندا، قبرص، تونس، القاهرة، الكويت والسعودية"، وخمسة معارض فردية في "سورية".

الفنان الدكتور غسان أبو طرابة

وفي واحد من معارضه وقف أمام لوحاته الفنان التشكيلي الراحل "فاتح المدرس" وكتب له قائلاً: «من يرى ألوانه ويدخل في أعماق عالمه كما يدخل المحارب غرفة الأسلحة ويخرج منها مزوداً بسلاح ارتضاء لنفسه ليقف في وجه الشر في العالم، ويدافع عن طفولة الإنسان فهو كأي سوري رضع لبن الحرية من طفولته وشرب ماء الأخلاق النظيفة من بيئته، أراد لنفسه أن يكون فناناً جندياً يقول لا للشر إن وجد بريشته وألوانه وصوره الفكرية ورؤاه المخزونة في أعماق الذاكرة».

يذكر أنّ الدكتور "غسان أبو طرابة" من مواليد مدينة "صلخد" في "السويداء" عام 1959.

أجري اللقاء في 9 تشرين الثاني 2020.