بمطرقتها وإزميلها تتعامل الفنانة "سوزان أبو سعدى" مع الكتل الصماء، التي تبدأ دراسة تشريحها التكويني قبل أن تصنع منها تشكيلات جمالية تحاكي البيئة والطبيعة والأشكال الإنسانية.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة "أبو سعدى"، بتاريخ 24 أيار 2017، فتحدثت عن حبها للنحت وأعمالها النحتية بالقول: «مع أنني أحب الرسم منذ الطفولة، وأرسم اللوحات شأني كشأن أي فنانة، لكن حبي للعمل النحتي وتخصصي فيه جاء من حبي للكتل الواضحة، فأنا أرى أن محاكاة الكتلة التي أعمل عليها، سواء أكانت من الحجر أو الصلصال أو الجبس، حالة صناعة وتحويل للمبهم من الأشكال إلى حالة جمالية مفهومة، فأنا أقوم أولاً بدراسة الكتلة، ثم أستوحي الفكرة الأقرب إليها أو الفكرة المناسبة والأقرب إلى الواقع المراد منها، وأبدأ عملية النحت، حيث أقوم بتشكيل الكتل الهندسية التي توحي بمضمون العمل، وبعد ظهور الشكل الأولي للعمل، أبدا تهذيبه والعمل على الأشياء الدقيقة، كملامح الوجه والأصابع في منحوتة الأشخاص، أو ملامح الأوراق في منحوتة الورود، وأغلب منحوتاتي كانت قريبة إلى البيئة وتحاكي الواقع وتقدم بانوراما؛ أي عدة عناصر في الموضوع نفسه، كمنحوتة "تراث الجبل" التي تضم شكل امرأة ورجل وحصان؛ وهذا يوحي بهوية معينة، وهي الأصالة، وكل أعمالي تظهر فيها العناصر الواقعية».

هناك هوية في أعمالي الفنية والنحتية تتجلى في المواضيع التي أختارها؛ فعلى الفنان أن يحب الموضوع الذي سيعمل عليه، حتى ينسجم مع هذا العمل ويغدو في لحظة من اللحظات هو وهذا العمل جسماً واحداً، عندها قد نرى ما يسمى الإبداع، وهو خروج فكرة جديدة تجعل الموضوع المنحوت أو المرسوم يحمل سمة جديدة تميز العمل والفنان معاً

وعن ظهور المدرسة الواقعية بكثرة في منحوتاتها والسمة العامة لأعمالها، تقول: «غلبة المدرسة الواقعية في أعمالي لأنني أحب الواقع، ولأن العمل الواقعي هو الأصعب بالنحت والرسم؛ وهذا ما يظهر تقنية وبراعة النحات، لذلك أنا بعيدة كل البعد عن المدرسة التجريدية أو الرمزية، لكنني قربية أحياناً من المدرسة التعبيرية التي تظهر في بعض أعمالي، كزيادة طول العنق في منحوتة المرأة؛ وهذا من باب الرمز إلى الصبر، والسمة العامة لأعمالي هو عملي على حجر البازلت؛ لأن هذا الحجر ابن البيئة التي أنتمي إليها، وهو كتلة صلبة يجب التعامل معها بدقة أكثر بكثير من المنحوتة التي تشغل بالمواد اللينة مثل الجبس والصلصال، وأعدّ هذا الحجر هوية الفنان كما هو هوية المحافظة، فأنا نحتّ أشخاصاً وطيوراً، وبعض موجودات الطبيعة».

الفنانة شروق زهر الدين

وعن أهم ما تطور في تجربتها الفنية، تقول: «عمر تجربتي الفنية أصبح أربعة وعشرين عاماً، وبالتأكيد تطورت مع الزمن، وخاصة في طريقة التزام الدقة في العمل الفني من ناحية التشريح والأطوال والأبعاد في النحت، ومن ناحية استخدام اللون في الرسم؛ وأصبح العمل لديّ أسهل من باب الفهم والإبداع، لكن العمل النحتي بحاجة إلى الجهد في كل الأحوال، فالإزميل والمطرقة هما توأم النحات، وأنا لدي اليوم 35 عملاً نحتياً تحكي تطور تجربتي، لذلك ترى الأعمال الأخيرة التي نحتّ فيها الأشخاص والطبيعة والبيئة هي أكثر دقة وجمالاً، كذلك في لوحاتي الفنية أيضاً؛ فمع أنها قليلة، إلا أن من ينظر إليها يلمس هذا التطور أيضاً».

وعن أسلوبها بالعمل الفني والنحتي، تقول: «هناك هوية في أعمالي الفنية والنحتية تتجلى في المواضيع التي أختارها؛ فعلى الفنان أن يحب الموضوع الذي سيعمل عليه، حتى ينسجم مع هذا العمل ويغدو في لحظة من اللحظات هو وهذا العمل جسماً واحداً، عندها قد نرى ما يسمى الإبداع، وهو خروج فكرة جديدة تجعل الموضوع المنحوت أو المرسوم يحمل سمة جديدة تميز العمل والفنان معاً».

منحوتة الأم

وعن جوهر الفن ورسالته، تقول: «أهم ما في رسالة الفنان برأيي تقديم هوية البيئة والمكان الذي ينتمي إليه، لذلك ترى في أعمالي حضوراً كبيراً لبيئتي السورية، خاصة الطقوس التي تشتهر بها المحافظة، كنحتي عنقود العنب مثلاً، كما ترى المرأة بشكلها السوري والعربي، وحضور ثقافة هذا الشرق الذي ننتمي إليه، ولا ننسى أن الفن بوجه عام يقدم الحضارة والتوثيق لأفكار وعادات مجتمعية أو إنسانية».

وفي قراءة للفنانة "شروق زهر الدين" لأعمال الفنانة "أبو سعدى"، قالت: «"سوزان" تجسد في أعمالها النحتية والفنية المدرسة الواقعية بكل ما تحمله هذه المدرسة من تشكيلات جمالية، خاصة من خلال تعاملها مع حجر البازلت في النحت، وتحويلها هذه المادة من مادة عمياء إلى حالة جمالية نشعر بأنها تنظر إلينا، كما أنها تعتمد في أعمالها الفكرة البسيطة التي نراها موجودة حولنا؛ لذلك كانت أعمالها متميزة من ناحية الموضوع والتشريح والتكوين، وهي على الصعيد الشخصي إنسانة ذات أخلاق عالية».

منحوتة من الطبيعة

يذكر أنّ الفنانة "سوزان أبو سعدى"، من مواليد مدينة "ماركاريا" في جمهورية "فنزويلا"، عام 1972، وهي خريجة كلية الفنون الجميلة، قسم النحت في جامعة "دمشق" عام 1993، ولديها معرض فردي واحد أقيم في صالة "الآرت فورم" في "السويداء"، وعشرات المعارض الجماعية، وهي متزوجة، ولديها ثلاثة أولاد.