متعة اللقطة الحقيقية يقطفها الملتقط، وفق رؤية الفنان والمصور الضوئي "ناصر سلامة عبيد"؛ الذي قدم تجربته تحت عنوان: "تصوير ضوئي مغاير" أبقاه في مدارات التجربة العابرة لمحطات تصل ولا تتوقف.

عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 شباط 2016، حاولنا خلق نوع من التواصل مع تجربة وثقت بعدد كبير من المعارض الضوئية، ليحدثنا الفنان "ناصر سلامة عبيد" عن تلاقٍ مبكر مع الكاميرا أسس لعلاقة جميلة مع الضوء، فقال: «لم تكن هواية التصوير مجرد هواية لوالدي، بل كانت لغاية التوثيق بحكم أسلوب حياته ودراسته للتاريخ، وأتذكر كيف كان يدربني في حديقة التجارة، وهناك التقطت أول صورة لي، وكانت لمجموعة من الطلاب الصينيين عام 1966.

يعد الفنان "ناصر عبيد" من الذين شكلوا عالماً جديداً في مسائل الضوء، وأحد الذين امتازوا بأسلوب خاص معني بالسهولة والإبداع معاً؛ لأنه يمتلك نواحي الحس الجمالي والخبرة أولاً، إضافة إلى أنه معني بثقافة الصورة وتقديمها للمتلقي، ومن وجهة نظري فإن فنه ينعكس على جملة المسارات التي يقدمها من خلال مواضيعه (التجريبية) هنا يأخذ من الأشياء بصيرتها ويؤكد بعض المسامات من أوكسجين وهواء وماء؛ لأنه يرى في ذلك مشهد التألق في العمل الفني، وهو كذلك ينشد دائماً أن تكون اللوحة الفوتوغرافية جزءاً مما يختزنه من تصوير وغرافيك لأنه بذلك ممعن في التفاصيل وتلك شاهدة على حقيقة تجاربه الإبداعية في مجال الصورة عموماً، فتحية للفنان "ناصر عبيد"، المبدع والخلاق والممعن في المشهد الإنساني

وبوجود الكاميرات حولي في البيت أخذت تحتل مساحة جديدة من حياتي، ومع السنوات بدأت تظهر حالة الحب بيننا، ولأنني حصلت على فرصة زيارة عدد من الدول، منها: الصين، المغرب، مصر، الإمارات، ولبنان؛ اختبرت التصوير كهواية أخذت عمقها في مرحلة الدراسة الجامعية من حيث تشذيب الخبرة والتبحر مع الظل والنور، وعندما أنجزت ما يستحق العرض؛ اتجهت إلى المعارض الفردية التي قدمت منها لغاية اليوم اثني عشر معرضاً، منها سبعة معارض تصوير ضوئي معتاد: طبيعة، بورتريه، وآثار. والمعارض الخمسة الأخرى عبارة عن تصوير ضوئي أسميه "مغايراً" لتجربة راحت تأخذني إلى آفاق جديدة».

الفنان أنور الرحبي

الخروج عن المعتاد وإدخال الحالة الإنسانية إلى اللوحة؛ مواضيع يبحثها على ضوء التجربة، كما أضاف بالقول: «بأجواء التطور والديجيتال قد يسأل الفنان نفسه عن بصمته ولوحته الخاصة التي تجسد رؤيته؛ لذلك أخذت أعمل من خلف العدسة، بمعنى آخر أصور أفكاري، أبني الموضوع وأضع التكوين الذي أرغبه مستثمراً التقنية لمصلحة فكرتي في طرح حالة جديدة للتصوير، وتجسيد فكرة "التصوير المغاير" التي هي من وجهة نظري مساحة خاصة للمصور الضوئي ليقدم ما لديه.

والفكرة ببساطة، أنني أصور صورة فوتوغرافية تحكي قصة بمحاولة إدخال نوع من الحياة، أدخل الحالة الإنسانية إلى اللوحة لأجعل كاميرتي ثابتة والشخص المتحرك أعطيه زمناً ليظهر بشكل يثري الشعور بالأرواح في هذا المكان، ولا أنكر أنني تلقيت النقد؛ فهناك من انتقد الوضوح وأن هذا عبارة عن صورة غير صحيحة وغير دقيقة، وآخر سألني إن كنت أقلد الفن الزيتي المنطقي، وأوضح هنا أن للفنان فرصة للتجربة وتقديم ما لديه بأي مادة، فالتجربة حق مطلق وللمتابع حق النقد والتقييم.

من أعمال الفنان ناصر عبيد

وعلى سبيل المثال، إحدى تجاربي عبارة عن توثيق في صورة لحي "النوفرة" لألتقط ما هو ثابت بدقة متناهية، والأشخاص وضعتهم في مجال الحركة بتقنية خاصة، والفكرة أن هذا المكان أو الآثار وغيرها كانت وما زالت وستبقى، والأشخاص هم نحن، لذا فإن وجود الكاميرا والفيلم أو الريشة واللوحة من دون الإنسان لا معنى لها، وكما أن الفنان يرسم بالزيت؛ أنا أرسم بالضوء، أرسم بعدستي».

يحتفي بالأبيض والأسود، ويقر بمتعة رحلته الفنية المفتوحة على كل الاحتمالات، والوصول بالنسبة له توقف، وبإقراره هو لم يصل بعد، كما قال: «للأبيض والأسود جمالية وصدق في النقل تجعله ملامساً لشيء إنساني، ولغاية اليوم أستخدمه، فهناك مواضيع تستحق تجريدها من اللون لخلق حالة توصلني إلى التركيز على الموضوع أكثر، وتجاربي بالأبيض والأسود متعددة تلاصق مروحة لونية لمواضيع لا تقدم إلا ملونة، ومهما تطور مشروعي مع التصوير يبقى تجربة وبحثاً عن متعة ذاتية؛ لأنني في البداية والنهاية مصمم داخلي، مصمم ديكور، هذا عملي، وما أنجزه اليوم مراحل كوّنت رصيداً لن أحكمه بنهاية، إنما هو محطة، لأن التطور التقني ومرور الزمن كفيل برسم عوالم جديدة.

من أعماله الحديثة أيضاً

فلكل فنان أعماله ورصيد وذاكرة، فقد يكون لي رغبة بالعمل على لقطات قديمة أحركها سنوات إلى الأمام، وفي الوقت الحالي ليس بذهني سوى تعزيز التجربة التي سررت بالعمل بشغف في كل مراحلها؛ فمع تطورات التقنية عايشنا الفرق بين العادي والديجيتال، كنا نتعب لننجز الفيلم، ونتحرق شوقاً لرؤية ما أنجزناه، وعشنا شعوراً أكثر تميزاً فيما بعد مع الديجيتال لنرى الصورة باللحظة ذاتها، نلغي وتعيد التجربة، ومن يدري ما سيحمله المستقبل من أفكار، فقد تجدنا متفاعلين مع تجارب جديدة تمزج بين التصوير الواقعي والمغاير اللذين يسيران لدي بالتوازي، وقد يتقاطعان مع الحفر والرسم لأنني أنتمي إلى التجربة والتجدد؛ فلا توقف ولا إقرار بالوصول».

تجربة اختارها الفنان المهندس راسماً بصمته الخاصة المنحازة إلى الحالة الإنسانية، ليبقى بين ثبات الجماد وفضاء الإنسان قصة تهفو للتواصل مع العقول، وصفها الفنان "أنور الرحبي" بالعالم المجدد والمعني بالسهولة والإبداع في آن واحد، وقال: «يعد الفنان "ناصر عبيد" من الذين شكلوا عالماً جديداً في مسائل الضوء، وأحد الذين امتازوا بأسلوب خاص معني بالسهولة والإبداع معاً؛ لأنه يمتلك نواحي الحس الجمالي والخبرة أولاً، إضافة إلى أنه معني بثقافة الصورة وتقديمها للمتلقي، ومن وجهة نظري فإن فنه ينعكس على جملة المسارات التي يقدمها من خلال مواضيعه (التجريبية) هنا يأخذ من الأشياء بصيرتها ويؤكد بعض المسامات من أوكسجين وهواء وماء؛ لأنه يرى في ذلك مشهد التألق في العمل الفني، وهو كذلك ينشد دائماً أن تكون اللوحة الفوتوغرافية جزءاً مما يختزنه من تصوير وغرافيك لأنه بذلك ممعن في التفاصيل وتلك شاهدة على حقيقة تجاربه الإبداعية في مجال الصورة عموماً، فتحية للفنان "ناصر عبيد"، المبدع والخلاق والممعن في المشهد الإنساني».

الجدير بالذكر، أن الفنان "ناصر عبيد" من مواليد 1963، مهندس ديكور خريج جامعة "دمشق" كلية الفنون الجميلة قسم العمارة الداخلية 1985، ومن الطلاب الخمسة الأوائل دراسات عليا في العمارة الداخلية، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية"، أنجز أعمالاً نحتية تمثل القلاع في "سورية"؛ قلعة "دمشق"، وقلعة "حلب" في المتحف الحربي في "دمشق" 1986-1987، وكانت أعماله محور دراسات نقدية لكتاب حللوا تجربته الفنية، كرّم من قبل رئاسة الجمهورية ووزارة الثقافة وجهات متعددة قدّرت إنتاجه الفني.