يجاهر الفنان "أكرم قريشي" بانتمائه للخط الفارسي، فيجذبه جمال السطر؛ لينسج على لحن قصبته أعمالاً يحاول من خلالها التعبير عن عشقه المستدام للخط العربي بكل ألوانه وبهائه.

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 13 آب 2014، للحديث عن علاقته بالقصبة؛ راسمة حلمه الفني وخطوطه الراقية، وكيفية مزجه بين الخط والفن التشكيلي:

تعرفت السيد "أكرم" عن قرب، ولفتني تواضعه الكبير وعدم إظهار مقدرته الفنية التي أفصحت عنها أعماله، وهذا ما جعلني أتقصد متابعته والتعرف بتجربته الغنية، فهو مطّلع على أغلب المدارس ويجيد أغلبها؛ كخطوط "الفارسي الشامي"، و"التعليق الفارسي"، و"التعليق التركي المصري"، ولديه مرونة كبيرة في كتابة أغلب الخطوط وبشكل ارتجالي، وهذا يدل على مهارة عالية وتدريب متواصل لتقديم حالة فنية قلَّ من يرتقي إليها، ولأنه رسام ولديه ولع باللون؛ مزج بين اللوحة الفنية واللوحة الخطية، وهو نموذج لعمل فني يطمح لتوسعة طيف الخط العربي الذي التصق معه ودرسه سنوات طويلة

  • بدأت دراستك في معهد إدارة الأعمال، لكنك ابتعدت، أين وجدت نفسك؟
  • الفنان أكرم قريشي

    ** في تلك المرحلة العمرية لم أكن أعلم بوجود كليةٍ للفنون الجميلة، وكان قد تم قبولي لإدارة الأعمال، فبدأت دراستها، لكن علاقتي السابقة مع الفن والخط العربي بشكل خاص حملتني إلى معهد الفنون التطبيقية، فانتقلت لباحة انسجمت مع ميولي، وبدأت اتباع دورات للخط، وانتسبت إلى معهد "أدهم إسماعيل" لتعلم الرسم الذي ارتبط بروحي مثله مثل الخط الذي برعت به منذ المرحلة الابتدائية، إذ كان لمدرساتي أثر في حياتي، وقدمن لي ملاحظاتهن وإعجابهن بخطي، فكنت أبقى في الصف خلال الاستراحة لتضع لي المدرسة كرسيين من الخشب، وأنقش الدرس الجديد على السبورة بخط جميل، وكانت هذه الملاحظات إحدى مقومات الاهتمام بالكتابة والنزوع نحو التدريب المستمر لتحسينها.

  • خلال الدراسة اكتسبت معارف قيمة، لكن جهداً ذاتياً ألحقته بالدراسة مكنك من التماهي مع الخط العربي، كيف كان ذلك؟
  • من أعماله

    ** نقاط مضيئة -رغم قلتها- كانت كافية للانطلاق في تجربة الخط العربي والزخرفة والفنون التطبيقية خلال مرحلة الدراسة، لكني بحثت بجدية عن تجارب كبار الأساتذة، وتابعت مع أساتذتي أثناء المعهد، منهم الأستاذ "شكري خاشو" و"عبد اللطيف هاشم" قواعد الخط وأصوله، وكنت كلما أتقنت قاعدة شعرت بأنني أمام بحر من العلوم، كلما نهلت منه ازداد عطشي.

    ومن خلال معهد "أدهم إسماعيل" تدربت على خط "النستعليق" على يدي الأستاذ "عدنان السنقنقي"، وكانت هذه خطوة جذبتني للخط الفارسي والتخصص فيه، ولم أتوقف عند هذا الحد، فتابعت بحثي عن الأساتذة الكبار في كل مكان وُجِدت فيه؛ فالتقيت الأستاذ "عدنان الشيخ عثمان" واطلعت على تجربته، وكان لدي ولع كبير بالاستفادة من أمشاق الخطاطين التي أضافت الكثير لخبرتي.

    الفنان علاء نصر والفنان أكرم قريشي

  • تقر بأن جمال السطر في الخط الفارسي قادك للاختصاص فيه، أخبِرنا عن هذه الفكرة؟
  • ** عشقت هذا الخط من خلال متعة التعلم والتدريب الطويل، فجمالية الحرف بادية فيه؛ وتناغم السطر وامتداداته تسحر الناظر، وفيه كشيدة طويلة وفنون؛ يمكن للخطاط إذا أتقنها إنتاج لوحة راقية فيها من الجمال معان كثيرة، وأجمل ما في هذا الخط أنه يختلف عن الخط الكوفي الذي يحتاج المسطرة والقلم، وعن النسخ والرقعة، وكل حسب فروضه وشروطه الفنية.

    في هذا الخط تسير روح الفنان، وفق جر قصبةٍ لطيفة رقيقة تأخذ مداها الجميل، وإذا كانت اختيارات الخطاط من الحبر جميلة، تكون عاملاً مساعداً يظهر روعة وجمال الخط، الذي عملت على تعلمه حرفاً إثر حرف؛ لأتفنن في تزيين مكتبي بحروفه، ولا أنفي أنني أنتمي لهذه التجربة حيث للحرف فعل جمالي يصنعه الخطاط بعد الوصول للحرفية والمهارة التي تجعله قادراً على الادعاء أنه متقن لهذا الخط الذي تكتمل به معاني الجمال والجذب لعين الناظر، ليكون راغباً في القراءة والتحليق مع مضمون اللوحة الخطية.

  • درَّستَ الخط العربي بطريقة أظهرت عمق تجربتك وانضمامك لهذا الفن الجميل، هل أمام هذا الفن فرص للانتشار الواسع؟
  • ** لا نجافي الصواب إذا قلنا إن الخط العربي -رغم كثرة المهتمين والخطاطين- بقي محصوراً ضمن دائرة ضيقة، أو بالأحرى محجوباً عن الشريحة الأكبر من المجتمع، ليبقى له مريدوه وعشاقه، لكن قلة هم من يسلكون طريق التعلم وأقصد بالتعلم التدرب منذ الصغر، وهناك مجموعة من الأفكار السائدة التي تساعد على ذلك، فقد وجدت من خلال تدريس الخط لما يقارب العقدين أن الأهل يحاولون تدريب الطفل على الخط الجميل؛ وليس التعامل مع الخط كفن، وكذلك المناهج التربوية، فهناك تقصير في الاهتمام بهذا الفن، فعدد قليل من الحصص غير كافٍ للتعريف به كما يقتضي الأمر، وبالطريقة التي تظهر أنواع الخط وخصوصية كل نوع، والأساليب الفنية وسير وتجارب كبار الخطاطين وإنتاجاتهم الفنية الغنية، بالتالي فمن تابع اليوم مع الخط اعتمد على الجهد الذاتي الصرف، ونحن بحاجة لمدارس متخصصة تقدم هذه المعرفة لنعطي جيل الشباب فرصةً لتذوق هذا الفن الجميل.

  • شكلت من لوحات مشهورة لخطاطين كبار لوحات فنية، مزجت بينها وبين التشكيل برؤية خاصة، حدثنا عن هذه التجربة؟
  • ** بفعل علاقتي مع الفن التشكيلي والرسم؛ الذي لم أنقطع عنه رغم الارتباط بتدريس الخط العربي؛ حاولت الجمع بين الاثنين بروح تعشق اللون والخط على درجة متساوية، وحرصت على العمل وفق خلفية تخلق فضاء رحباً لكلمات منيرة كتبها كبار الخطاطين، وكانت في أغلب الأحيان منقوشةً بالخط الفارسي، وعملت على هذه الفكرة لغاية مفادها: أننا عندما نقدم الخط مع تدرجات لونية ينسجها الفنان نساعد في إضفاء حالة من الحيوية وجذب انتباه القارئ لهذه اللوحة، فأثر اللون واضحٌ في ذلك، خاصة إذا كان لدينا تجربة لونية تطرح تشكيلات تنسجم مع مضمون العبارة والأجواء التي تقود إليها اللوحة».

    وللوقوف عند آراء وشهادات الزملاء؛ التقت مدونة وطن الخطاط "علاء نصر" ليحدثنا ما يعرف عن ضيفنا، يقول: «تعرفت السيد "أكرم" عن قرب، ولفتني تواضعه الكبير وعدم إظهار مقدرته الفنية التي أفصحت عنها أعماله، وهذا ما جعلني أتقصد متابعته والتعرف بتجربته الغنية، فهو مطّلع على أغلب المدارس ويجيد أغلبها؛ كخطوط "الفارسي الشامي"، و"التعليق الفارسي"، و"التعليق التركي المصري"، ولديه مرونة كبيرة في كتابة أغلب الخطوط وبشكل ارتجالي، وهذا يدل على مهارة عالية وتدريب متواصل لتقديم حالة فنية قلَّ من يرتقي إليها، ولأنه رسام ولديه ولع باللون؛ مزج بين اللوحة الفنية واللوحة الخطية، وهو نموذج لعمل فني يطمح لتوسعة طيف الخط العربي الذي التصق معه ودرسه سنوات طويلة».

    الجدير بالذكر أن الفنان "أكرم قريشي" خريج معهد الفنون التطبيقية في "دمشق" 1993، يدرِّس الخط العربي ويعمل به في "السعودية"، وقد سبق له أن شارك في عدد من المسابقات الدولية وحاز جوائز مهمة، كما شارك في عدد من المعارض الجماعية، ومسابقات "أرسيكا"، و"البردي"، و"عكاظ".