استطاعت تحدي نفسها وتحدي الظروف من حولها، وأثبتت موهبتها وقدرتها في مهنة صعبة وقاسية اختارها المجتمع من حولها لتكون حكراً على الرجال.

"نجود الشومري" من مواليد قرية "عيون" في محافظة "السويداء" عام 1986م نحاتة شابة استطاعت وبزمن قياسي حفر اسمها في قائمة المبدعين، من خلال منحوتات مميزة تميزت بأنوثتها الطاغية وبحسها الفني القوي.

"نجود" موهوبة في مرحلة الدراسة في المعهد كانت أعمالها مميزة ولافتة للنظر، حتى المواضيع التي تطرحها كانت تمتاز بخصوصيتها. عندما جاءت للعمل في المشغل صقلت موهبتها أكثر وتعرفت على التقنية التي تستطيع من خلالها التعامل مع المادة الصلبة، وتمكنت من أدواتها إلى جانب المناخ الحر الذي جعلها تبدع في منحوتاتها

موقع eSyria التقى الفنانة "نجود" في مكان عملها في الحوار التالي:

الفنانة "نجود الشومري"

  • ظهرت موهبتك في الفن بعمر مبكرة، وحظيت باهتمام ورعاية الأهل والمدرسين، ففي أي الجوانب كان هذا الاهتمام؟
  • ** منذ الصغر ظهر اهتمامي بالرسم وبجمع الصور الملونة، وفي المدرسة كنت أشارك باسم المدرسة في كافة الأنشطة الفنية وخاصة بمادة الرسم، وشاركت بمعارض الرواد والطلائع.

    مجموعة من أعمالها

    شجعني المدرسون وبشكل خاص مدرسو مادة الرسم على الاهتمام بذلك، وقد كلفت وأنا بعمر عشر سنوات بالرسم على جدران الصفوف وسور المدرسة لوحات جدارية كبيرة، وكان المدرسون يبتهجون بنجاحي رغم عمري الصغير، وحظيت بتشجيع وتحفيز كبيرين، وإلى اليوم لا تزال رسوماتي موجودة وهي ترمم كل عام جراء عوامل الجو.

    شجعني أهلي كثيراً ودعموني من خلال حديثهم الدائم عن موهبتي في الرسم والتلوين ما أعطاني حافزاً على التميز، وكنت أقضي الساعات الطويلة منشغلة برسوماتي، ولم أشعر بالملل من جلوسي بمفردي أبداً، بل كنت أفضل هذا الأمر لأنه يتيح لي المجال لرسم لوحة جديدة أو صنع أي شيء من توالف البيئة.

    عملت على كل ما توافر أمامي من خامات ومواد، حتى إنني جمعت في إحدى الفترات عظام الحيوانات الموجودة في أرجاء القرية ورسمت عليها، وحاولت صنع أشكال تزيينية وقلائد ولونت بعض الصخور ورسمت عليها.

    استطعت في المرحلة الاعدادية صنع أشكال شبه واقعية من الطين وأعجبت المدرسين كثيراً، وأعتقد أني بدأت أميل للكتلة والحجم منذ ذلك الحين، والجميع حولي يشهد بموهبتي ويتوقع مستقبلي في هذا الاتجاه.

    درست في الثانوية في القسم الأدبي وكنت مهتمة بالشعر والكتابة والإنشاء بالإضافة إلى الرسم وخاصة الرسم بالألوان المائية فقد كنت أحاول اشتقاق الألوان وتدرجاتها. ومنذ ذلك الوقت وبعد تقديمي للثانوية بدأت السعي لتحقيق حلمي بدخول كلية الفنون الجميلة».

  • تأثرت بوالدك كثيراً وكان له دور كبير في تحفيزك وبشكل مستمر على الإبداع والدخول في مجال الفن، كيف يمكنك وصف هذا التأثر؟
  • ** والدي رحمه الله فنان بالفطرة، كان لديه تجارب نحتية بعمر العشرين عاماً على حجارة بحرية، فقد صنع مجموعة جميلة من المنحوتات شكلت حافزاً لدي لتعلم النحت لأستطيع نحتها ذات يوم، ولكن مسؤوليات الحياة جعلته ينصرف عن موهبته، وعندما اكتشف موهبتي في الرسم أبدى استعداده لدعمي كي أتابع دراستي في هذا الفن، فقد كنت أشعر بأنه يريد أن أحقق الشيء الذي عجز هو عن تحقيقه.

    لعب الحظ دوره في عدم دخولي كلية الفنون الجميلة، فاخترت الدراسة في معهد الرسم في عام 2005م وأثناء دراستي تعرفت على عدد من الفنانين الذين قاموا بتدريسي في المعهد، واكتشفت أنه لا يوجد فرق كبير بين الكلية والمعهد، فالمهم هو الاجتهاد والعمل، لأننا بمقدار ما نجتهد نجد النتيجة.

    بقي والدي يتابعني أثناء المعهد ووعدني بمشغل خاص بي وكنت أرسم بشكل دائم لوحات زيتية لطالما أعجبته وفرح بها واحتفظ بجميع أعمالي من الجبس والصلصال، ومع ذلك كان ينتابني حزن شديد لعدم قدرتي على تقديم شيء حقيقي يرضيني.

    تفوقت في المعهد وظهرت موهبتي بشكل كبير في التصوير والنحت، وتخرجت في عام 2007م وبمعدل مرتفع، تقدمت لمسابقة ونجحت بها ولكن لم يتم تعييني لعدم وجود شواغر، وهذا الأمر سبب لي بعض الإحباط، والأمر الآخر الذي ترك أكبر الأثر في نفسي هو وفاة والدي بعد ذلك، فشعرت بالضعف وخاصة بعد رحيل مشجعي ولكني حاولت التحدي وتجاوز الأزمة باللجوء إلى العمل والتدريس في عدد من المدارس».

  • أنت من طلاب الفنان "فؤاد أبو عساف" وحالياً تعملين في مشغله مع مجموعة من النحاتين، لنتحدث عن طبيعة العمل؟
  • ** تعرفت أثناء دراستي في المعهد على الفنان "فؤاد أبو عساف" الذي درسني في السنة الثانية، وبعد التخرج التقيته مصادفة ودعاني للعمل لديه في مشغله الخاص لعدم وجود مكان خاص بالعمل لدي، وكانت أول تجربة لي في "ملتقى سيع الدولي" وفي الحقيقة هذه التجربة كانت نقلة نوعية في حياتي وشاركت كمساعد نحات لعدم تمكني بالشكل الأمثل من أدوات العمل الخطرة نوعاً ما، وكان ذلك في الملتقى الأول عام 2008م في سيع وعملت تحت إشراف الأستاذ "فؤاد".

    وبدأت العمل في المشغل بشكل أسبوعي ثم أصبح دوامي يومياً من عام 2009 إلى اليوم، من خلال العمل اكتسبت ثقة كبيرة بأدواتي وإمكانياتي وبدأت الانجاز بمفردي واقتراح المواضيع التي سأقوم بنحتها.

    في البداية كنت أخشى المادة الصلبة وكنت بمنتهى الحذر لكون الأدوات المستخدمة خطرة، ولكن بفترة قصيرة تمكنت من العمل بسهولة وبساطة وأحببت العمل على خامة البازلت.

    للأستاذ "فؤاد" فضل كبير لا أستطيع إنكاره، فقد كان أخاً ووالداً لكل من عمل في مشغله من زملاء وأصدقاء وطلاب، يقدم لنا المواد وكافة الأدوات بالإضافة إلى الحجر، ويقوم بالإشراف فقط على عملنا، وإلى اليوم هو يقدم باستمرار الأدوات والمواد ويساعدنا على تسويق منحوتاتنا ويعاملنا كأصدقاء وزملاء مهنة، وأنا استفدت كثيراً من خبرته وتعلمت منه الصبر والمواظبة على العمل باستمرار، فهو إنسان مجتهد وبأصعب الظروف نراه يعمل. ولكوني الفتاة الوحيدة التي أعمل مع مجموعة من الشباب كان ذلك تحدياً لضرورة العمل على نوع المنحوتة قبل الكم في سبيل البحث عن التميز».

  • لديك العديد من الأعمال المميزة والمشاركات في ملتقيات ومعارض النحت، لنتحدث عنها؟
  • ** بعت عدداً من أعمالي داخل وخارج البلد، وشاركت في عدد من المعارض منها معارض الاتحاد وقد انتسبت لاتحاد الفنانين التشكيليين عام 2009م، وشاركت بعمل مشترك بعنوان "الصخرة الأقوى" وكان أول عمل كبير بطول 3 أمتار، وهو الآن موجود في ساحة "تشرين" في محافظة "السويداء"، وشاركت في معرض الربيع السنوي الذي تقيمه الوزارة في "دمشق" واقتنوا لي عملي، ولأول مرة أشارك ثلاثة فنانين لهم تجارب مميزة في النحت، كما شاركت في معرض كلية الفنون، وشاركت بمعارض الشرطة والجيش واقتنوا لي عملي في عام 2010 م.

    كما شاركت بملتقى النحت الدولي الثالث في "تل جنجلة" في 2010 م، والذي استضاف نحاتين عرباً وأجانب، بعمل بطول مترين و40 سم، وهو الآن موجود في مدينة المعارض "بدمشق"، بالإضافة إلى المعرض المشترك للنحاتات في المركز الثقافي العربي في "السويداء" عام 2011م».

    الفنان "فؤاد أبو عساف" تحدث عن "نجود" بقوله: «"نجود" موهوبة في مرحلة الدراسة في المعهد كانت أعمالها مميزة ولافتة للنظر، حتى المواضيع التي تطرحها كانت تمتاز بخصوصيتها. عندما جاءت للعمل في المشغل صقلت موهبتها أكثر وتعرفت على التقنية التي تستطيع من خلالها التعامل مع المادة الصلبة، وتمكنت من أدواتها إلى جانب المناخ الحر الذي جعلها تبدع في منحوتاتها».