جمال العشعوش فنان في كل البيوت

المبدع هو الله ونحن جزء من مرحلة الاكتشاف والاستكشاف... هذه كلمات الفنان الذي يتمتع بشباب دائم جمال العشعوش الذي دخل كل بيت في السويداء فلوحاته

المستوحاة من الناس ومن بيوتهم القديمة وعرقهم النازف على الارض تأسرك مهما كانت تجاربك وخبرتك في الكون والحياة.

وهو يعتقد ان الفنان- لأنه فنان- يجب ان يبتكر دائما ولا يبقى على مستوى واحد لأن الله منحه الادوات والموهبة.

طفولة

واذا سألت أي رجل في السويداء عن جمال العشعوش يخبرك فورا أليس هو صاحب لوحة الشيخ حمد والحصاد والبيوت القديمة؟!

جمال العشعوش من مواليد السويداء عام 1945، تلقّى دروسه الفنية الاولى على يد عمه الفنان الراحل سليم العشعوش، وساهم في تأسيس نادي الفنون الجميلة في السويداء في نهاية الستينيات.

هرم

بدأ الفنان جمال العشعوش حياته الفنية رساما واقعيا، ولقد اغرته موضوعات (البورتريه) حيث رسم مئات وربما آلاف الوجوه بتقنيات الرسم المختلفة، من الفحم الى الزيت والمواد التلوينية المتنوعة.

ولقد مرت تجربته بمراحل عدة، في البداية مرّ (بمرحلة الاشجار) وفيها قدم جذوع الاشجار وفروعها على هيئة اشكال إنسانية، بوضعيات وحركات تعبيرية ورمزية هي اقرب الى الخيالية السوريالية.

استراحة المحارب

والواقع ان هذه المرحلة التي سبقت مرحلته الاخيرة، كانت تمثل بالنسبة له بداية البحث عن الذات او عن الخط الاسلوبي الذي يمثله ويحمل خصوصيته، كما ان (مرحلة الاشجار) حملت الكثير من الدلالات الرمزية المرتبطة بالواقع الإنساني المخيف في عالم اليوم المتناقض والمتصادم والمتفجر.

اما المرحلة الحالية في مسيرة فن جمال العشعوش، فهي تعتمد على طريقة تداخل الالوان بعفوية وتلقائية، وهو اذا كان قد تحول الى تقنية جديدة للحصول على النسيج اللوني المطلوب، فانه من جهة ثانية استمر على صياغة الاجواء الخيالية والرمزية التي بدأها في (مرحلة الاشجار) ولهذا فقد استمر في محاورة الاجواء الخيالية في مرحلته الاخيرة، رغم انه من الناحية التقنية قد استبدل الفرشاة او الريشة (على الاقل في معالجة ارضية او خلفية اللوحة) بطرق اخرى تتجاوز الوسائل التقليدية المتبعة في الرسم والتلوين.

واذا كان في تشكيله لأرضية او خلفية اللوحة، لا يستخدم الريشة او فرشاة الالوان فإنه في مرحلة لاحقة يستخدم الريشة حين يعمل على تكثيف العناصر الاسطورية في فراغ اللوحة مستفيدا من التداخلات التلقائية للالوان التي تركتها تقنيته على سطح اللوحة.

وهو يصوغ هذه الاشكال بنوع من التداخل والتحاور بين الايقاعات اللونية التجريدية وبين الاشكال الخرافية والاسطورية، هكذا نجد ان تقنية جمال العشعوش التلوينية تؤسس لحضور ملامح خيالية وخرافية متخطيا بذلك استغراقه السابق في تصوير الاشجار برؤى خيالية ورمزية، هنا يقترب ربما من صيغة المنمنمات الفارسية، بالأخص حين يحشد عناصر لوحته بالاشكال والطيور الخرافية.

وعلى الرغم من انه يبرز رغبة في استعادة اجواء الرؤى الخيالية السائدة في الفنون الفارسية، فإنه يبقى على اتصال بلغة العصر لجهة استخدام ووضع المادة اللونية على اللوحة بتلقائية لا يشوبها تكلف.

فالاشكال الخرافية المتداخلة ضمن التموجات اللونية والتجريدية، تبعد اللوحة مسافات عن الطرق التي كانت تتبع في رسم المنمنمات التقليدية القديمة.

لذا فإننا نجد لوحاته قد ابتعدت عن تقنية الرسم التقليدي، ولهذا فلوحاته تحمل روح العصر لجهة اعتمادها على ايقاعات التلوين العفوي الذي يوحي بتموجات وبانفجارات في المساحة او البقعة اللونية.

والجو التلويني التعاكسي الذي يعتمده بإضفاء ايقاعية لونية تتفاوت بين القاتم والمضيء يعمل على زيادة الاحساس بالايقاعات البصرية المتنوعة في فراغ السطح التصويري، بل يعمل ايضا على ايجاد صيغة تشكيلية تتكاثف فيها الاشكال الخرافية كلما زادت التداخلات اللونية وكلما زادت الايقاعات اللونية العاطفية والانفعالية في فراغ السطح التصويري الذي تشغله مساحة اللوحة.

ونجد التنوع ايضا في مجال اخراج العلاقات اللونية وتبدل درجاتها، ففي بعض لوحاته تتماوج الالوان بصخب ايقاعي متزايد، اما في لوحات اخرى فيبرز التبقيع وقد يظهر العمل على الوان محددة ومتقاربة.. واللوحات التي نجد فيها اشارات تلوينية تجريدية ورؤى خرافية اسطورية تشبه في تكوينها شكل التشكيلات الفضائية، فأسلوبه يقترب من التلميح الى الفسحات السماوية الفضائية وتفجيراتها الكونية الانشطارية، فهي تمثل في وجه من وجوهها العالم الكوني المفتوح على اللانهاية، لأنها في تكوينها وانفجاراتها اللونية تشكل فسحة لمتاهات الرؤى الفضائية التي نفتقدها في عالمنا الارضي.

هكذا نجد ان هذه النماذج من اللوحات التي يقدمها جمال العشعوش تبرز قدرة صاحبها على خلق عوالم الخيال والولوج في أبعادها الى أجواء أسطورية وفضائية أحيانا، ولن نذهب كثيرا في التأويل حتى لا نبتعد كثيرا عن التقنية التي يقدم فيها لوحاته والتي تحمل معها خبرة في الوصول الى اجواء لونية متقاربة خاصة ومميزة.

والجدير بالذكر ان جمال العشعوش:

(في داخل الشجرة ترى كل الاشياء

صور تتكرر مدى الازمان

وتاريخ عابث وقصص وحكايات

وتبقى الاشجار

رموز واساطير وصراع

ماض وحاضر وكذلك مستقبل

ما هي الا حقيقة في السراب البعيد

لكني اتلمسه في داخلي

اغنية تعبق مع الريح

مترنحة بحبال الغربة والاغتراب

علنا نعود كما تعود الاشجار الى ذاتها...

جمال العشعوش).