تعدّ الروابط الاجتماعية عامل تفاعل وتماسك بين أفراد المجتمع في جبل العرب، حيث تتكوّن من اللهجة واللباس، لقاء ثقافي اجتماعي يشكل روابط بيئية دخلت التراث اللا مادي في مفهومها وركائز وجودها.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 26 حزيران 2016، التقت "زيد النجم" الباحث في التراث الشعبي، فبيّن قائلاً: «اختلفت عوامل وروابط الحياة الشعبية في جبل العرب باختلاف اللهجات الوافدة إليه، فانقسم إلى أربع لهجات ووزعت بالتوزيع الجغرافي، حيث أصبح سكان "المقرن* القبلي" يتكلمون بالأحرف المفخمة، مثلاً للإجابة بالرفض عن شيء ما تأتي بكلمة: "بدعيش، ما عنديش"؛ أي لا يريد ذلك الشيء، ويعود ذلك إلى جفاف المنطقة وفضائها الأرحب والأوسع، وهنا الشين جاء لتشديد الأحرف والصوت، بينما الكلمة نفسها في الجهة الغربية يقولون: "ما بدي، أو ما عندي"؛ أي ليس لدي، لأنها الأقرب إلى المدن، وهنا أكثر رقة، لكنها أكثر مدّاً في الصوت، وفي الجهة الشمالية تكون "أبدوش، أو ما عندوش"، وكأن الواو والشين هنا جاءا للدلالة بين التفخيم والمدّ الصوتي، أما الجهة الشرقية فتكون "ما بدو، ما عندو"؛ إذ يستخلص أن الأحرف المفخمة والمرققة أتت من خلال الجهات الوافدة منها وهي مختلفة، لأنها قائمة على مثلث لثلاثة أماكن مختلفة اللهجات، لكن الأمر الأكثر جمالاً انعكاس ذلك على الحالة الشعبية باللباس والزي المتبع، وقد اختلف باختلاف طبيعة المكان بين النساء والرجال، فالمرأة لها مقومات الزي العربي، حيث يفصّل للنساء بدلات عربية لهن مع غطاء الرأس المسمى "الفوطة"؛ وهي من نوع الجرجيت، وهي للنسوة من زوجات الزعماء والأمراء، بينما لباس الرجال "القنباز والقضاضة الصفراء" دلالة الزعامة والواجهة الاجتماعية هي السائدة».

من الطبيعي أن تحمل كل جماعة عادات وتقاليد الجهة التي نزحت منها، غير أن لصخور الجبل السوداء ومسالكه الوعرة قدرة عجيبة على صياغة الإنسان وتكوين طباعه، وطريقة تعامله مع الآخرين، وقدرته على تصريف شؤون الحياة بما يضمن له إمكانية الاستمرار، وكان للعزلة التي فرضها الاستعمار التركي وبعده الفرنسي على الجبل من جهة، والأخطار التي واجهتها الأقوام النازحة من جهة أخرى دور مهم في صهر هذه الجماعات في البيئة الجبلية عند وصولها، لتتكون الشخصية الجبلية التي لها تلك الميزات والملامح المشتركة، وإذا كانت لبنانية هؤلاء أو فلسطينيتهم أو شآميتهم تطل برأسها أحياناً في النزعات العائلية، غير أنها ما تلبث أن تتآلف في النسق العام لتصوغ الملامح المشتركة

تجمع الجبليين في هذه المنطقة على شكل موجات نازحة من "لبنان" تارة، ومن "حلب" و"فلسطين" أو ضواحي "دمشق" تارة أخرى؛ وذلك مطلع القرن الثامن عشر كما يؤكد الأستاذ "فوزات رزق" الباحث التراثي وعضو اتحاد الكتّاب العرب؛ الذي وضّح نتائج هذه الموجات القادمة من مختلف الأماكن، وأضاف: «من الطبيعي أن تحمل كل جماعة عادات وتقاليد الجهة التي نزحت منها، غير أن لصخور الجبل السوداء ومسالكه الوعرة قدرة عجيبة على صياغة الإنسان وتكوين طباعه، وطريقة تعامله مع الآخرين، وقدرته على تصريف شؤون الحياة بما يضمن له إمكانية الاستمرار، وكان للعزلة التي فرضها الاستعمار التركي وبعده الفرنسي على الجبل من جهة، والأخطار التي واجهتها الأقوام النازحة من جهة أخرى دور مهم في صهر هذه الجماعات في البيئة الجبلية عند وصولها، لتتكون الشخصية الجبلية التي لها تلك الميزات والملامح المشتركة، وإذا كانت لبنانية هؤلاء أو فلسطينيتهم أو شآميتهم تطل برأسها أحياناً في النزعات العائلية، غير أنها ما تلبث أن تتآلف في النسق العام لتصوغ الملامح المشتركة».

الأستاذ زيد النجم

وتابع "فوزات رزق" عن الملامح المشتركة بين اللهجة والزي قائلاً: «تعدّ اللهجة الجبلية وتتميز بنطق الحروف العربية كاملة نطقاً سليماً باستثناء تخفيف الضاد ليقترب من الظاء، وكذلك اللباس أو الزي الجبلي التقليدي ويتخذ عند الرجال شكلين غير متداخلين، أولهما زيّ رجال الدين التقليدي وعلامته العمامة البيضاء على الرأس، أما لباس الجسد فهو "الجبة والقنباز والسروال". أما الشكل الثاني فهو زيّ الرجال غير المتدينين ورمزه "القضاضة البيضاء والعقال"، وربما كانت القضاضة صفراء رمزاً للوجاهة والزعامة، وهناك غطاء الرأس الذي هو وسط بين "العمامة والعقال"؛ ويتكون من "شاشة" يعصبون بها الرأس فوق "القضاضة"، وذلك للرجال الذين لمّا ينصرفوا كلية إلى الدين، وهناك اللباس الجبلي النسائي فرمزه الطربوش وفوقه فوطة بيضاء، وهي إما من الشاش الرقيق أو من الجورجيت. ويكون الطربوش مرصعاً بالذهب عند النساء الفتيات، فإذا تقدمت المرأة في السنّ نزعت الذهب عن الطربوش واحتفظت به في يديها على هيئة أساور متنوعة، وقد طرأ على اللباس النسائي الكثير من التعديل؛ غير أن الشكل العام الذي لا يزال قائماً هو "التنورة" الواسعة، وفوقها من الوسط والأمام مملوك من القماش نفسه».

  • "أي الجهة الجنوبية من السويداء، والمقرن يتألف من مجموعة قرى تصل إلى أكثر من ثلاثين قرية".
  • زي المرأة الجبلية
    من أدوات زي المرأة